أعلمنا ديننا أن الله سبحانه وتعالى مكّن نبينا صلى الله عليه وسلم من الوصول إلى المعاني الكثيرة بالألفاظ اليسيرة، وكان ذلك من جملة معجزاته عليه الصلاة والسلام، حتى جعل تبارك وتعالى ذلك من أدلة نبوّته وأعلام رسالته ليسهل على السامعين حفظه وتبليغه، وكل هذا من الحفظ الذي تكفّل به الله لهذا الدين، وفي الصحيحين من حديث «أبي هريرة» رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "بعثت بجوامع الكلم ونصرت بالرعب وبينا أنا نائم أُتيتُ بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي"، وفي رواية "فُضِّلْتُ على الأنبياء بستٍّ؛ أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب.."، وقال «الزهري» "بلغني أن جوامع الكلم أن الله يجمع الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين أو نحو ذلك"، وجوامع الكلم التي بعث بها نبينا عليه الصلاة والسلام تشمل ما جاء في القرآن من الآيات الجامعة كقوله عز وجل "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي"، فهذه الآية لم تترك خيرا إلا أمرت به ولا شرا إلا نهت عنه، وتشمل جوامع الكلم أيضا ما جاء في كلامه صلى الله عليه وسلم مما هو مروي في كتب السنة، والمقصود هنا الكلام على النوع الثاني، وهو جوامع الكلم النبوي، ووردت عن الأئمة المتقدمين عدة أقوال في تحديد أصول الأحاديث النبوية أو الأحاديث الجامعة التي يدور حولها الدين، فمن ذلك ما جاء عن الإمام «أحمد» أنه قال "أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث: حديث عمر: «إنما الأعمال بالنيات» وحديث عائشة: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وحديث النعمان بن بشير: «الحلال بيِّنٌ والحرام بيِّن»"، وقال «أبو داود» "نظرت في الحديث المسند فإذا هو أربعة آلاف حديث، ثم نظرت فإذا مدار أربعة آلاف الحديث على أربعة أحاديث، حديثِ النعمان بن بشير: «الحلالُ بيِّنٌ والحرامُ بيِّن» وحديث عمر: «إنما الأعمال بالنيات» وحديث أبي هريرة: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين» وحديث: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»، قال: فكل حديث من هذه الأربعة ربع العلم"، وقد اجتهد أهل العلم في جمع تلك الأحاديث الجوامع وصنفوا في ذلك المصنفات حتى جاء الإمام «النووي» رحمه الله فجمع اثنين وأربعين حديثاً جامعاً عليها مدار الدين وهي التي عرفت فيما بعد "بالأربعين النووية".