الأيام الجزائرية رام الله ( وكالات): سنوات خمس انقضت منذ استشهاد الزعيم الفلسطيني التاريخي «أبو عمار»، وصار بالإمكان لأيّ منا أن يشعر بالفراغ الكبير الذي تركه، بعدما لم يستطع أن يخلفه رجل في مثل قوته يوحد صفوف الشعب الفلسطينيين. فقد فشل الرئيس «محمود عباس» في شغل فراغ ذلك الرئيس الأسطورة "الثوري" «عرفات». وفي مواجهة الانتقادات الداخلية والشعور بالإحباط من جمود عملية السلام ومن محاولات تحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية المتناحرة، أعلن «عباس» أنه لن يرشح نفسه لفترة ولاية ثانية. وفي حال كان قد قدر للرئيس الراحل «عرفات» أن يعيش حتى يومنا فإنه على الأرجح لم يكن ليطيق انقسام الفلسطينيين بين الضفة الغربية التي تحكمها إدارة مدعومة من الغرب وتسيطر عليها حركة فتح التي كان يرأسها «عرفات» وقطاع غزة التي تسيطر عليها حركة المقاومة الإسلامية «حماس». وتوقفت المفاوضات مع إسرائيل حول اتفاق سلام نهائي مرة أخرى بعد 14عاما من توقيع «عرفات» اتفاقية سلام أوسلو المؤقتة والتي أوجدت حكما ذاتيا مؤقتا وجزئيا في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الطريق لإقامة دولة فلسطينية. وتوفي الزعيم الفلسطيني «عرفات» عن عمر يناهز الخامسة والسبعين بسكتة دماغية نجمت عن فيروس بالمعدة في مستشفى بباريس في 11 نوفمبر عام .2004 وبعد مرور خمس سنوات، سمح الفلسطينيون عموما "إن لم يكن قد نسوا" بالفساد والمحسوبية وسوء الإدارة وحكم الفرد الواحد الذي يرى كثيرون أنه الذي تميزت به السلطة الفلسطينية في ظل حكمه. وتؤكد الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين "قرابة 82 في المائة بهامش خطأ قدره 6.3 في المائة" أنهم لا يزالون يفتقدون «عرفات» وفقا لاستطلاع أجراه المركز الفلسطيني لاستطلاعات الرأي، وشارك فيه ألفا وخمسون شخصا بالغا في أواخر الشهر الماضي. ويقول «حسن رشدن» (35 عاما) من مدينة جنين شمال الضفة الغربية بعد دخوله ضريح «عرفات» في «رام الله» في يوم عادي من أجل "نعي الرئيس السابق" إن «عرفات» كان قائدا عظيما، ورمزا للشعب الفلسطيني ولن ينسى أبدا". ويؤكد «حسن» الذي يعمل تاجرا انه يزور النصب التذكاري في كل مرة يتواجد فيها في المدينة الواقعة وسط الضفة الغربية "لأنني أريد أن أشكره على بقاء قضيتي حية في وجدان العالم، وأقول له كم نحن نفتقد قيادته اليوم ". ويشع النصب التذكاري بالرمزية ويضم رفات الرئيس «عرفات» ويبدو أنه يعكس صورة هذا الرجل نفسه. فهو مكعب الشكل يحوي شكلا خارجيا نظيفا وحجر الجيري شاحب يعكس رصانة «عرفات»، الذي لم يكن أبدا مبالغا في مظهره. وعلى الرغم من المزاعم التي ترددت بأنه كان يوزع وسائل الترف على الآخرين سعيا لضمان ولاءهم، فقد بدا هو نفسه دائما يعيش حياة بسيطة مكرسة بالكامل للقضية الفلسطينية. ويشير كثيرون إلى أن الرئيس الحالي «عباس» الذي انتخب بعد ثلاثة أشهر من وفاة «عرفات» يفتقر إلى هذه الكاريزما التي كان يتمتع بها الأخير. فالرجلين على النقيض من بعضهما البعض بشكل حاد، ليس فقط في المظهر ولكن أيضا في النهج . «عرفات» لم يتخل أبدا عن بذلته العسكرية "في إشارة للشخصية الثورية التي رأى أنه يمثلها" أو كوفيته الفلسطينية التقليدية. لكن الرئيس «عباس» المتأثر بنمط الحياة الغربية والذي ينتمي لصفوف الحمائم والذي يصفه البعض "بالغامض" دائما يرتدي بذلة. وكان الغرب يتهم «عرفات» "بالرقص على حبلين" في وقت واحد من خلال تبنيه المفاوضات وكذا الانتفاضة العنيفة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. على الجانب الآخر فان «عباس» يتهم محليا بوضع البيض الذي لديه بالكامل في سلة واحدة من خلال معارضته للكفاح المسلح وتأييد المفاوضات وحدها والتي فشلت حتى الآن في تحقيق أي تقدم. وكانت النتيجة هي تزايد الانتقادات من قبل الشعب الفلسطيني لشعوره المتزايد بخيبة الأمل من عملية السلام المتعثرة حاليا لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي المتشدد «بنيامين نتنياهو»، الذي تولى منصبه منذ سبعة شهر عقب انتخابات جديدة، لم يقبل شروط «عباس» لاستئناف المفاوضات. وطالب «عباس» بوقف كافة أعمال البناء الاستيطاني التي تقوم بها إسرائيل في الضفة الغربيةوالقدسالشرقية وأن تستأنف المحادثات من حيث توقفت مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق الذي ينتمي للوسط «ايهود أولمرت». ويقول «نتنياهو» إنه يمكنه فقط القبول بوقف البناء بشكل جزئي ومؤقت- باستثناء الأحياء "اليهودية" في القدس التي تمتد باتجاه أراضي الضفة الغربيةالمحتلة ومشروع سكني لبناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية في المستوطنات القائمة. ولا يستطيع «عباس»، الذي يعتبر ضعيفا بالفعل، خفض سقف مطالبه قبل الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية القادمة ويواجه بالفعل غضب في الداخل بعد أن خضع للضغوط الأمريكية والإسرائيلية للاجتماع ب «نتنياهو» في نيويورك وتأجيل التصويت في الأممالمتحدة على تقرير يتعلق بالحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة في جانفي الماضي. وأدى ذلك إلى نتيجة مركبة تضمنت مزيدا من الركود والغموض. فلا يزال من غير الواضح ما إذا كانت ستجرى الانتخابات الفلسطينية في موعدها المقرر في 24 جانفي المقبل ومن سيكون المرشح الرئيسي لحركة فتح التي كان يتزعمها «عرفات» وما إذا كان من الممكن التوصل لاتفاق مصالحة مع حماس في اللحظة الأخيرة أو ما إذا كانت الحركة ستحول دون إجراء التصويت في القطاع الساحلي الواقع تحت سيطرتها. وليس من قبيل المصادفة أن يشير الفلسطينيون إلى «عرفات» "بالقائد" ول «عباس» ببساطة "الرئيس" كونه رئيس السلطة الفلسطينية. ويقول «هاني المصري» وهو محلل سياسي من «رام الله» إن "الناس تفتقد «عرفات» وذلك أساسا بسبب الفراغ الذي تركه". ويضيف المصري "كلما مر الوقت، كلما افتقد الناس «عرفات» أكثر". قرار «عباس» بعدم الترشح أربك الإدارة الأمريكية قال مدير المركز الإعلامي الفلسطيني «غسان الخطيب» إن الأزمة السياسية الناجمة عن قرار الرئيس الفلسطيني «محمود عباس» بعدم الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة أحدثت هزة لدى الإدارة الأمريكية. وأوضح الخطيب في حديث لموقع «الجزيرة نت» أن قرار «عباس» وضع الإدارة الأمريكية الحالية أمام مسؤوليتها المتعلقة بضرورة تعامل جدي مع التهرب الإسرائيلي عن استحقاقات العملية السلمية وخريطة الطريق. وبشأن حيثيات قرار الرئيس الفلسطيني قال «الخطيب» إن له علاقة بالسلوك الإسرائيلي وبمحاباة الولاياتالمتحدة لذلك الموقف ولا علاقة له بالحسابات السياسية الفلسطينية الداخلية. وأشار «الخطيب» إلى أن الجميع ثمنوا موقف «عباس» بما في ذلك المعارضة الفلسطينية، ورأوا أنه يجنب القيادة الفلسطينية مخاطر الذهاب إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل دون مرجعية واضحة. واستبعد المسؤول الفلسطيني حصول مفاوضات سلام جادة مع الطرف الإسرائيلي، وذلك بالنظر إلى توجهات الرأي العام الحالية والنخبة الحاكمة في إسرائيل حاليا. وفي هذا الصدد قال «الخطيب» إن الجانب الفلسطيني جاد بعدم تكرار تجارب المفاوضات السابقة التي لم تأت بأي نتيجة بل تواصلت في ظلها عملية الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. وأكد «الخطيب» أنه لم تمارس أي ضغوط داخلية على «عباس» من أجل اتخاذ ذلك القرار، مشيرا إلى أن الجميع يحاول إقناع الرئيس الفلسطيني بالعدول عن قراره، وهو ما يعني أن الوقت غير مناسب للحديث عن بدائل لتولي القيادة". ويرى «الخطيب» الذي سبق له أن تولى حقيبة وزارة العمل أن الانتخابات هي الخلاص من الخلافات الفلسطينية الداخلية، ورجح أنها ستجرى في جانفي (وفقا للمرسوم الرئاسي) أو في جوان (وفقا للورقة المصرية للمصالحة الفلسطينية). وحسب المسؤول الفلسطيني لا تزال إمكانية تحقيق المصالحة الداخلية قائمة واستند في تقييمه إلى كون مساحة الاتفاق بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) أكبر من مساحة الخلاف بينهما. وتحدث «الخطيب» عن جهود عربية وفلسطينية حثيثة لجسر الفجوات القليلة المتبقية بين الطرفين الفلسطينيين من أجل تحقيق المصالحة وتنظيم الانتخابات بعد أن أفادت الأطراف الثلاثة (فتح وحماس والمجتمع الدولي) من تجارب ما بعد الانتخابات الفلسطينية السابقة. وقد دعا «الخطيب» لوقف التصعيد الإعلامي الناجم عن الخلافات الداخلية، لأن ذلك يعطي انطباعا غير دقيق حول الوضع الفلسطيني الداخلي. كما دعا الصحفيين بدورهم للمساهمة في الحد من ذلك التصعيد وللتركيز على التقدم الذي أحرز وتناول الخلاف بمنطق هادئ. سلطة رام الله والطريق إلى المجهول قال تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية إن مستقبل السلطة الفلسطينية بات محل شك، في ظل إعلان الرئيس الفلسطيني «محمود عباس» عن نيته عدم الترشح للانتخابات القادمة، واحتمالات استقالته من السلطة هو وآخرين من مساعديه. ونسبت الصحيفة إلى كبير المفاوضين الفلسطينيين «صائب عريقات» القول إن «عباس» قضى وقتا طويلا وهو يفاوض الجانب الإسرائيلي في مباحثات عملية السلام من أجل إيجاد دولة فلسطينية مستقلة، ولما لم ير «عباس» بصيص أمل يلوح في الأفق، فإنه لم يعد يرى حاجة لأن يكون رئيسا أو حاجة لأن تكون هناك سلطة برمتها. ومضى «عريقات» بالقول إن المسألة ليست تنحصر في من سيخلف «عباس»، وإنما تتعلق "بكوننا قد نترك مواقعنا"، متسائلا عن ما إن كان هناك من يعتقد أن أحدا سيبقى في منصبه إذا أقدم «عباس» على الاستقالة؟. وأشارت «نيويورك تايمز» إلى أن «عباس» حذر الأسبوع الماضي من أنه قد لا يشارك في الانتخابات الفلسطينية التي أعلن هو نفسه عزمه عن إجرائها في جانفي القادم، مضيفة أنه هدد بالاستقالة مرات عديدة في ما مضى. وأضافت أن كثيرين نظروا لتلويح «عباس» الأخير بعدم الترشح لفترة رئاسية ثانية على أنه مناورة سياسية احتجاجا من جانبه على المواقف والسياسات الأمريكية والإسرائيلية بشأن المستوطنات وعملية السلام، وأن كثيرين شككوا أيضا بإمكانية إجراء الانتخابات في ظل الانقسام الذي تشهده الساحة الفلسطينية وعدم عزم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تسيطر على غزة على إجرائها. ومضت الصحيفة إلى أن مقربين من «عباس» يعتقدون أنه جاد في طروحاته وأنه لا يناور، مضيفين أن مستقبل السلطة الفلسطينية برمتها أو المفاوض الوحيد بعملية السلام مع إسرائيل هو أيضا في خطر. وذكرت «نيويورك تايمز» أن أربعة من كبار المسؤولين الفلسطينيين أعربوا عن نفس وجهة نظر «عريقات» في مقابلات مختلفة، ونسبت إليهم القول إن «عباس» يشعر بأن طريق المفاوضات في ظل سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» هي طريق شائك وغير نافذ. وأوضحت أن «نتنياهو» يرفض الاعتراف بقيام دولة فلسطينية على أراض في حدود 1967 والقدسالشرقية، وأنه يفضل مفاوضات دون شروط مسبقة. ونسبت الصحيفة إلى رئيس كتلة حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) في المجلس التشريعي الفلسطيني «عزام الأحمد» القول إنه التقى «عباس» السبت الماضي، مضيفا أنه يبدو أن «عباس» ربما سيقدم على الاستقالة الشهر القادم أو ما شابه. ومضى «الأحمد» بالقول إنه "لا أحد يقبل أن يكون رئيسا في ظل الظروف الراهنة"، و"إنه يمكننا أن نستشعر انهيار السلطة الفلسطينية". وذكرت «نيويورك تايمز» أن وزير التخطيط الفلسطيني «علي جرباوي» تحدث في مقابلة أخرى بلهجة مشابهة، وأنه تساءل بالقول "لماذا نحتاج إلى من يخلفه «عباس»، إذا كانت العملية السلمية تتجه برمتها إلى الفشل؟". وأضاف «جرباوي» أن الأزمة (المتعلقة ب «عباس») تستهدف حث الولاياتالمتحدة وأوروبا على اتخاذ مواقف فاعلة بشكل أكبر تجاه حل الدولتين. وذكرت الصحيفة أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما التقى «نتنياهو» في واشنطن مساء الاثنين، وأنه يتوقع أن يتضمن جدول أعمالهما مناقشة تهديدات «عباس» بعدم الترشح للانتخابات، ومستقبل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المتوقفة.