أُقيمت مؤخرا بالعاصمة البلجيكية أمسية شعرية، قرأ خلالها الشاعر السوري «أدونيس» بعض قصائده بقصر الفنون الجميلة، كما شهدت الأمسية قراءات مُترجمة لقصائده إلى الفرنسية والهولندية، واستكملت الأمسية بحوار جمعه بالشاعر البلجيكي «غيرت فان استندال»، أدارها الشاعر المغربي «طه عدنان»، لتكون المناسبة الختامية لمهرجان "موسم" الذي احتفى بالثقافة العربية في عدة مدن بلجيكية. يبدو أن جدول عمل «أدونيس» مُثقل باللقاءات والمقابلات في أماكن متباعدة، فهو يتسلّم جائزة دولية للشعر في الصين لينتقل إلى افتتاح معرض لرسوماته في أبوظبي، ثم يتوجّه نحو أوربا وهكذا، وهو ما يؤدي أحياناً إلى تأجيل بعض مواعيده حتى لا تتضارب، كما حدث في لقائه الشعري مع جمهور بروكسل الذي تم تأجيل موعده، ورغم هذا الاحتفاء إلا أن الشاعر غير راض فيما يبدو بمستوى التلقي الشعري في الوسط الثقافي العربي، حيث أبدى استياءه الشديد للمعاملة التي لقيها من قبل منظمي معرض الكتاب الفرانكوفوني ببيروت الشهر الماضي، مشيراً إلى الاهتمام المفاجئ له في الصين، حيث نال جائزة «زونغ كون» الدولية للشعر قبل أيام، ويقول «أدونيس» إنه مستاء جداً مما حصل معه في معرض الكتاب الفرانكفوني في بيروت نهاية شهر أكتوبر الماضي، وكان معرض الكتاب الفرانكفوني نظم لقاء شعرياً له، إلا أن الشاعر غادر الصالة غاضباً بعد خمس دقائق، وأعلن مقاطعته للمعرض لأن سوء التنظيم والإهمال كانا في مستوى لم يخطر على باله ، على حد وصفه، ويعتبر الشاعر السوري الذي أقام في بيروت سنوات وغادرها ليستقر بباريس منذ بداية الثمانينيات أن ما حصل في معرض الكتاب كان نوعاً من الغش "الذي يغضبني كثيرا"، معتبراً أن "الغش هنا عندما أدعوك في إطار شيء ثم أعاملك على مستوى آخر"، وما يزيد استياء «أدونيس» من الحادثة أن المنظمين لم يحاولوا الاعتذار منه بعدها، ويعلّق بالقول "إن الأمور تصبح كأنها شخصية ولم أفسّرها إلا سياسيا"، ويشدد الشاعر على أنه كان مقصرا في تعبيره عن غضبه وقتها، قائلا "أحسست أني لم أفعل ما كان يجب فعله، كان يجب أن أضرب الطاولة أو أكسرها أو أفعل شيئاً آخر". رقمٌ في معادلة الثقافة الصينية المعاصرة ومن جهة أخرى أعرب «أدونيس» عن دهشته بالاهتمام الذي تلقاه في الصين، ففي شهر أفريل الماضي وقّع مختاراته الشعرية المترجمة، وخلال أشهر نفذت طبعة المختارات، ويقول إنه نال استناداً إلى هذا النجاح جائزة «زونغ كون» الدولية للشعر، مكافأة لمكانته الشعرية العالمية ولتأثيره في الشعر الصيني المعاصر، كما ورد في بيان الجائزة، ويقول «أدونيس» "اعتقد أن الصينيين على المستوى العام أكثر فهماً لشعري من الوسط الثقافي العربي، مستنداً في استنتاجه الأخير إلى النقاشات التي جمعته بمثقفين صينيين وبالجمهور الصيني في عدة لقاءات نُظّمت له معهم، وأيضاً إلى حجم مبيعات طبعة مختاراته الشعرية التي يُعاد طبعها الآن "وهو أمر لا يحدث إلا نادرا"، كما يؤكد نقلا عن مثقفين صينيين، وجائزة «زونغ كون» هي إحدى أعرق الجوائز الأدبية في الصين وتقدمها للسنة الثانية مؤسسة ثقافية مستقلة، كما يقول «أدونيس»، موضحاً إنه لو كانت الجائزة صادرة عن مؤسسة تابعة للدولة لكان موقفه مختلفاً "لأني ولا مرة في حياتي أخذت جائزة دولة"، ورداً عن سؤال إن كان مستعداً لقبول جائزة دولة من بلده سوريا، أجاب "لا أقبل إطلاقاً أي جائزة عادية، سواء من سوريا أو من أي بلد عربي آخر". قلمٌ يقتات من ألوان الريشة يعتبر «أدونيس» أن الجوائز إجمالاً لا تعنيه لأنها قائمة على اعتبارات معينة وفي معظم الأحيان من يستحقون الجوائز لا يأخذونها، لكنه يُشير إلى أن القيمة المادية للجائزة تتيح للكاتب أن ينصرف إلى عمله وينقطع عن أعمال أخرى يقوم بها لدفع فواتيره، ويبدو أن «أدونيس» اهتدى أخيراً إلى ما يمكنه من دفع فواتيره التي "كنت أموت من الشغل في ترجمات وأشياء أخرى لتأمينها، على حد تعبيره، فهو يعدّ رسومات، مؤكدا أنه لا يحترف الرسم ولا يمتهنه، بل يبقى عنده هواية، الآن إن معارض تُقام لرسوماته هذه كان آخرها في ال24 نوفمبر بأبوظبي، ويشرح «أدونيس» أن الضجر هو ما قاده لتنفيذ أول الرسومات والصدفة هي التي ذهبت بها إلى المعارض بعدما أعجب بها أحد أصدقائه، ويوضح أن انخراطه في هذا العمل جاء بعد أن رأى العبث الهائل في المجتمع الذي نعيش، مضيفاً "تشتغل على ديوان شعر سنة وأحياناً ثلاث سنوات وتطبعه وتشتغل على الرسم ساعة ونصف الساعة، فيكون مردوده عشرات أضعاف مردود ديوان الشعر".