سوناطراك تتبوأ مكانة رائدة في التحول الطاقوي    كرة اليد/بطولة افريقيا للأمم-2024 /سيدات: المنتخب الوطني بكينشاسا لإعادة الاعتبار للكرة النسوية    حرائق الغابات في سنة 2024 تسجل أحد أدنى المستويات منذ الاستقلال    المجلس الوطني لحقوق الإنسان ينظم ندوة بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة    تعليمات رئيس الجمهورية تضع حاجيات المواطن أولوية الأولويات    اختتام "زيارة التميز التكنولوجي" في الصين لتعزيز مهارات 20 طالبا    مجلس الأمن يعقد جلسة غدا الإثنين حول القضية الفلسطينية    ملتقى وطني حول التحول الرقمي في منظومة التكوين والبحث في قطاع التعليم العالي يوم ال27 نوفمبر بجامعة الجزائر 3    سوناطراك تطلق مسابقة وطنية لتوظيف الجامعيين في المجالات التقنية    الجزائر استكملت بناء منظومة قضائية جمهورية محصنة بثقة الشعب    الدورة الخامسة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي : مشروع "غزة، من المسافة صفر" يفتك ثلاث جوائز    الحفل الاستذكاري لأميرة الطرب العربي : فنانون جزائريون يطربون الجمهور بأجمل ما غنّت وردة الجزائرية    يناقش آليات الحفظ والتثمين واستعراض التجارب.. ملتقى وطني تكويني حول الممتلكات الثقافية بالمدية غدا    الجَزَائِر العَاشقة لأَرضِ فِلسَطِين المُباركَة    عين الدفلى: اطلاق حملة تحسيسية حول مخاطر الحمولة الزائدة لمركبات نقل البضائع    اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة: مناشدة لحماية النساء الصحراويات من سياسة الاحتلال المغربي القمعية    افتتاح الملتقى الدولي الثاني حول استخدام الذكاء الإصطناعي وتجسيد الرقمنة الإدارية بجامعة المسيلة    عطاف يستقبل رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية لمجلس الشورى الإيراني    الوادي: انتقاء عشرة أعمال للمشاركة في المسابقة الوطنية الجامعية للتنشيط على الركح    "تسيير الارشيف في قطاع الصحة والتحول الرقمي" محور أشغال ملتقى بالجزائر العاصمة    رئيس الجمهورية يشرف على افتتاح السنة القضائية    لبنان: ارتفاع ضحايا العدوان الصهيوني إلى 3754 شهيدا و15.626 جريحا    الجامعة العربية تحذر من نوايا الاحتلال الصهيوني توسيع عدوانه في المنطقة    وفاق سطيف يرتقي إلى المركز الخامس    رواد الأعمال الشباب محور يوم دراسي    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر    توقيع 5 مذكرات تفاهم في مجال التكوين والبناء    الخضر أبطال إفريقيا    المنتخب الوطني العسكري يتوَّج بالذهب    كرة القدم/كان-2024 للسيدات (الجزائر): "القرعة كانت مناسبة"    الكاياك/الكانوي والبارا-كانوي - البطولة العربية 2024: تتويج الجزائر باللقب العربي    300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغيّر المناخ    فلسطينيو شمال القطاع يكافحون من أجل البقاء    بوريل يدعو من بيروت لوقف فوري للإطلاق النار    "طوفان الأقصى" ساق الاحتلال إلى المحاكم الدولية    ندوات لتقييم التحول الرقمي في قطاع التربية    وكالة جديدة للقرض الشعبي الجزائري بوهران    الجزائر أول قوة اقتصادية في إفريقيا نهاية 2030    مازة يسجل سادس أهدافه مع هيرتا برلين    وداع تاريخي للراحل رشيد مخلوفي في سانت إيتيان    على درب الحياة بالحلو والمرّ    الرياضة جزء أساسي في علاج المرض    باكستان والجزائر تتألقان    تشكيليّو "جمعية الفنون الجميلة" أوّل الضيوف    قافلة الذاكرة تحطّ بولاية البليدة    دورات تكوينية للاستفادة من تمويل "نازدا"    هلاك شخص ومصابان في حادثي مرور    سقوط طفل من الطابق الرابع لعمارة    وفاة 47 شخصاً خلال أسبوع    تركيب كواشف الغاز بولايتي ورقلة وتوقرت    تبسة: افتتاح الطبعة الثالثة من الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير "سيني تيفاست"        قرعة استثنائية للحج    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احتواء الأزمة اللبنانية واحتواء النزاعات العربية الأخرى

في البيان الوزاري لحكومة الشراكة اللبنانية قدر كبير من الأفكار والوعود الإيجابية، ينطلق من بناء الدولة ووحدتها ومرجعيتها والتزام الدستور والنظام الديمقراطي وتطبيق الطائف، إلى النهوض بالاقتصاد اللبناني من تحفيز النمو إلى سياسة التنمية المتوازنة. النوايا جيّدة إذا كان ما كتب يمكن أن يتحول إلى ورشة عمل حقيقية، لكن صياغة العناوين العريضة ليس ميزة ولا فضيلة. هناك في البيان لمسات خاصة وجديدة في المسألة الاقتصادية والاجتماعية، ولغة فيها التفات إلى هموم الفئات والمناطق المحرومة والفقيرة ودغدغة لطموحات الطبقة الوسطى، ويقظة تجاه القطاعات الإنتاجية. غير أن البيان سيبقى هو الفرصة الوحيدة واليتيمة لمناقشة سياسة الدولة وستغرق الحكومة في تفاصيل الإدارة اليومية ولن يُتاح لها أن تضع برامج تفصيلية.
سليمان تقي الدين
بهذا المعنى ليس هناك من التزامات محدّدة في الكثير من المواضيع التي تشكل ركائز لمشروع الدولة الحديثة وفق معايير باتت معروفة، غاب عن البيان أي حديث عن استكمال بناء المؤسسات الدستورية، كتنظيم عمل مجلس الوزراء وإدارات رئاسة الجمهورية، كما غابت السلطة القضائية وهي ركن أساس في قيامة الدولة وشرعيتها، وتكرر الحديث عن قانون انتخاب بمواصفات قديمة، وجرى الحديث عن اللامركزية الإدارية وكأنها مجرد تسهيل للمعاملات وليست مكوناً للإنماء المتوازن الذي أُشير إلى أنه مركزي .
نفترض أن البيان هو إعلان نوايا أو توجهات عامة، لكن الجدل الدائر في البلد يحتاج إلى أن تتعهد الحكومة بآليات لتنفيذ هذه التوجهات. إن عبارات، تعزيز وتفعيل وتطوير ودعم وتحرير وإصلاح وتحفيز وتحديث، لا تفي بالغرض. هناك خارطة طريق ووسائل ومهل لم تذكر، وباستثناء السياسة الدفاعية المنوطة بهيئة الحوار الوطني ليس هناك مرجعية لتطبيق هذه السياسات.
لم يتضمن البيان إشارة لأزمة العدالة ولا مشكلة التربية والتعليم ولا الإدارة وشؤونها ولا مسألة الفساد، ولا أي ذكر للسياسات الاقتصادية السابقة وتداعياتها ولا إلى الخلل البنيوي في تركيبة الاقتصاد، وهو عالج العلاقات اللبنانية السورية وبالتالي العربية، مستعيداً العبارات التقليدية ذاتها دون تجاوز للعلاقات الأمنية نحو تصور لعلاقات اقتصادية لبنان صاحب مصلحة أساسية فيها.
في مكان ما انطوى البيان على بعض "ما يطلبه المستمعون" كقضية المفقودين والإمام الصدر ومرسوم التجنيس وذوي الإعاقة والمرأة، لكن غابت عناوين كقانون الجنسية الحديث الموعود منذ الطائف وتحديث أنظمة الأحوال الشخصية باتجاه تعزيز حرية الانتماء والضمير، وإصلاح القضاء بكل الاتجاهات، ولم يبلور البيان فكرة تنقية الذاكرة وتصفية ذيول الحرب، فقصر المسألة على لجنة المفقودين في السجون السورية. وفي لحظة الضجيج حول تطبيق الطائف وإلغاء الطائفية السياسية، اكتفى البيان بشعارات الحفاظ على السلم الأهلي والعيش المشترك، وأوكل هذه المهمة للسلطة الأمنية وليس إلى خطة وطنية شاملة ينهض بها المجتمع وتطاول مقاومة ظواهر التفكك والانقسام والتعصّب والأمراض الأخرى المستشرية من جرائم الإرهاب والمخدرات وغيرها ومعالجة أسبابها.
على أي حال، دعونا نبني على الإيجابيات ونقترح أن تستمر لجنة صياغة البيان الوزاري الممثلة لجميع الأطراف كمجلس وزاري مصغر أكثر فعالية من المجلس الثلاثيني. ولتأخذ هذه اللجنة مهمة تحويل العناوين العريضة إلى برامج، مُستعينة بأهل الاختصاص، فلا يكون هناك فصل بين القرار السياسي والجانب التقني الذي فشلت تجربته السابقة من خلال تشكيل لجان مستقلة.
لن نتوقف عند التحفظات والاعتراضات التي أبداها فريق على شرعنة الدولة للمقاومة والتعامل معها كمؤسسة مستقلة إلى جانب مؤسسات الدولة. قال هذا الفريق إنه تم الاعتراف بكيان قانوني معنوي اسمه المقاومة. هذا انتقاص من سلطة الدولة وسيادتها. يتعامل هذا الفريق مع المخارج اللفظية لا الواقعية. هو لا يستطيع أن يقدم أفكاراً عملية بديلة. لا يستطيع أن يُجيب عن سؤال ما الخطة التي تدافع الدولة بموجبها عن حدودها في حال أي اعتداء من "إسرائيل". العناوين والشعارات التي تتحدث عن استيعاب المقاومة وسلاحها في الدولة أو عبر الجيش الوطني دونها الكثير من العقبات اللوجستية والسياسية. على هذا الأساس ليس التحفظ إلاّ "ربط نزاع" سياسي للمستقبل ولإرضاء جمهور جرت تعبئته في السنوات الماضية ضد فريق من اللبنانيين. على أي حال جرى ترحيل مسألة المقاومة إلى هيئة الحوار الوطني لبحث الاستراتيجية الدفاعية. لكن فشل هذا الفريق السياسي له مفاصل أخرى.
العلاقات اللبنانية السورية تعود إلى حالتها الطبيعية بعد استخدام كل وسائل التشنج السابقة. المسألة لم تكن على هذا الصعيد من قبيل الخطأ السياسي العادي أو من سوء التصرف والتقدير. لقد تورّط لبنان في صراع إقليمي حاد بعد القرار الدولي 1559 وتداعياته في مواجهة العنف والاغتيالات والصراعات.
يستعيد لبنان بعضاً من استقراره لأن أوضاع المنطقة تنزع إلى أولويات أخرى. الاهتمام الأمريكي الرئيسي يذهب باتجاه ترتيب الأوضاع في وسط آسيا، في العراق وأفغانستان وفي احتمالات الفوضى التي تتوسع في باكستان وتنتقل بعض أشكالها إلى اليمن. يفاوض الأمريكيون اليوم وهم يقاتلون ويزيدون من عدد جنودهم في أفغانستان منعاً للانهيار. لكن من الخطأ الاعتقاد أنهم يخرجون نهائياً من المنطقة، بل يدافعون عن منظومتهم الأمنية الواسعة ويسعون إلى ترتيب بعض المواقع، كما حصل بالاتفاق الأمني مع العراق، وهم يمارسون ضغوطهم للوصول إلى تفاهمات مع إيران. وحده كيان الدولة العبرية لا يزال يشكل ثابتاً في الاستراتيجية الأمريكية.
ربما نجح اليمين العنصري المتطرف في أن يزيد من أهمية هذا الكيان ودوره العسكري نتيجة الفشل العسكري الأمريكي. هناك سعي أمريكي لتعزيز دور هذا الكيان وحمايته من التحديات الفعلية التي نشأت في محيطه لا سيّما أشكال المقاومة غير التقليدية. في كل ما يجري هناك فراغ سياسي عربي متزايد، سعت تركيا مؤخراً إلى لعب دور لملئه. المزيد من المشكلات تنفتح أمام الدول العربية داخلها وفي ما بينها. هذه نزاعات عبثية لا أفق لها سوى إضعاف المنظومة العربية. احتواء النزاعات العربية -العربية ممكن كما حصل مؤخراً في لبنان أو تسكينها على الأقل، ثمة حاجة إلى حوارات عربية وتفاهمات في المزيد من المواقع، في العراق وفلسطين واليمن وغيرها. إن لم يكن ذلك حلاً جذرياً فهو على الأقل لتحديد الخسائر ومنع تفاقم الضعف العربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.