انتقد وزير الداخلية يزيد زرهوني الاستفتاء الذي أدى إلى حظر بناء المآذن في سويسرا، والنقاش حول الهوية الوطنية في فرنسا، واعتبر أن ما يجري حاليا في أوروبا يمكن أن يعطي مزيدا من المبررات للمتطرفين الذين يريدون تبرير أفعالهم بالإسلام. هذه هي المرة الأولى التي يعلق فيها مسؤول جزائري على الجدل الدائر في أوروبا حول الهوية والذي ميزه حدثان بارزان، الأول هو نتائج الاستفتاء السويسري والتي جاءت في صالح حظر بناء المآذن، والثاني هو النقاش الدائر حول الهوية في فرنسا والذي تغذيه الرغبة في منع ارتداء النقاب في فرنسا، وحسب الوزير زرهوني فإن التصويت ضد بناء المآذن في سويسرا وكذا النقاش الجاري في فرنسا حول الهوية الوطنية قد يعطي للمتطرفين مبررات للصعود إلى الواجهة، وقد اعتبر أن هذه المواقف المتطرفة في أوروبا والأحكام الخاطئة عن الإسلام تشكل "نواة إيديولوجية للإرهاب" لا بد من محاربتها بالموازاة مع محاربة ظاهرة الإرهاب في حد ذاتها حيث قال : "إن مكافحة الإرهاب لا يمكن أن تختزل في الحلول الأمنية بل يجب أن تشمل معالجة النواة الإيديولوجية لهذه الظاهرة"، وخلص إلى أنه "عندما ننساق وراء تعاليق تشجع معاداة الإسلام فإننا نعطي مبررات لأولئك الذي يستعملون الإسلام لتبرير أعمال العنف و لكنهم أبعد ما يكون من تمثيل هذا الدين السمح الذي مكن المرأة من أن ترتقي بل و قبل مثيلاتها في الغرب". الموقف الذي عبر عنه الوزير يعكس الانزعاج الحاصل من الطريقة التي تعالج بها مسألة الهوية في أوروبا وتحديدا فرنسا التي تعيش فيها أكبر جالية مسلمة ومن أصول مغاربية، لا يتعلق الأمر هنا بالدفاع عن مصالح الجالية هناك فحسب وحيث قال زرهوني بأن النقاش حول الهوية ينحرف نحو الكراهية والعداء للجالية المغاربية، بل هو يعبر عن رفض الازدواجية التي تطبع الخطاب السياسي في أوروبا المتأرجح بين الدعوة إلى محاربة التطرف من جهة وتبني التطرف ضد ثقافة الآخر من جهة أخرى. وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد نشر الأربعاء الماضي مقالا في جريدة "لوموند" الفرنسية دافع فيه عن خيار السويسريين، وهو موقف مناقض لأغلب المواقف الأوروبية الرسمية التي عبرت عن سخطها من إجراء الاستفتاء ونتائجه، بل إن رأي ساركوزي اتجه نحو وضع مسلمي فرنسا في زاوية ضيقة عندما طالبهم بضرورة الاندماج الذي يعتبر شرطا أساسيا لبروز ما يسميه إسلاما فرنسيا، ولعل هذا التدخل من جانب الرئيس الفرنسي جاء ليرسم المسار الذي سيأخذه النقاش الدائر في فرنسا حول الهوية الوطنية، وهو ما يعطي المسألة بعدا سياسيا ويخرجها من دائرة النقاش الفكري الذي عادة ما يكون بعيدا عن الحملات المنظمة والتي تحفل بالتدخلات السياسية. التدخل المباشر للوزير زرهوني في هذا الجدل، وهو أمر غير معهود، يؤكد رفض الجزائر للتوجهات المتطرفة التي بدأت تسيطر على بعض المجتمعات الأوروبية بتوجيه إعلامي وسياسي مقصود، فالدعوة إلى الاستفتاء في سويسرا جاءت من أحزاب اليمين، وقد تم توجيه الرأي العام من خلال حملات إعلامية دامت سنوات تم خلالها الترويج لصورة مشوهة عن الإسلام من خلال ربطه بالإرهاب والادعاء بأنه دين يحد من الحرية ولا يعامل المرأة على قدم المساواة مع الرجل، ولعل تدخل الرئيس الفرنسي في النقاش هو جزء من محاولات التوجيه السياسي لهذا النقاش إذ أن الدفاع عن نتائج الاستفتاء السويسري يوحي بشيء من تشجيع الفرنسيين على المضي قدما في سن القوانين التي تحاصر المسلمين وترغمهم على التخلي عن خصوصيتهم الثقافية رغم أن المجتمع الفرنسي يقوم على مبادئ الحرية والعلمانية والتعدد. الربط بين ما يجري في أوروبا وإمكانية تصاعد النشاط الإرهابي يمثل إشارة من جانب الوزير الجزائري إلى أن محاربة الإرهاب ليست عملية تقنية يمكن إنجازها من خلال إجراءات أمنية بل هي نشاط على جميع المستويات يجب أن تنخرط فيه المجتمعات، وأكثر من هذا فإنها مهمة كل المجتمعات بما فيها المجتمعات الغربية ذاتها، في حين أن التوجه السائد في أوروبا الآن يدفع نحو مزيد من الانعزال والانطواء على الخصوصية الأوروبية واعتبار أن الإرهاب مشكلة مرتبطة بالإسلام ويكون حلها بمحاربة كل مظاهر التواجد الإسلامي في أوروبا رغم أن كل الشواهد التاريخية تنقض هذه الرؤية السطحية والقائمة على اجتزاء الحقائق. ويمثل موقف الجزائر من هذا الجدل الدائر في أوروبا أحد مستويات الخلاف الجوهري مع دول الضفة الشمالية للمتوسط حول سبل مكافحة الإرهاب، ويتقاطع هذا الموقف مع رفض لجوء الدول الأوروبية إلى دفع الفدية للجماعات الإرهابية لتحرير رعاياها، إضافة إلى الخلافات القائمة منذ سنوات حول كيفية معالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية ، وفي كل هذه المواضيع تميل أوروبا إلى الحلول الانفرادية التي يطبعها الانغلاق على الذات ومحاولات تحصينها والذي كان الجدار الذي أقامته إسبانيا على حدودها مع المغرب التجلي المادي له، فضلا عن الإجراءات الإدارية التي تحد من حرية تنقل الأشخاص في حوض البحر الأبيض المتوسط والتي تجعل من فضاءات التعاون السياسي والاقتصادي مثل تجمع 5 + 5 والاتحاد من أجل المتوسط بلا معنى.