شعباني والمصاليون.. وقائع «الغدر» و«الخيانة»! القصد من نشر هذه الحلقات التاريخية ليس الانتصار لطرف على طرف آخر، ليس إحياء جراح.. فهي ليست بحاجة لمن يفعل ذلك، إذ أنها ماتزال تنزف.. فقط يكفي أن يأتي من يلامسها، أو يكاد يفعل.. الفاعل هذه المرة، شخصية محترمة، وغنية عن التعريف، اسمها مهدي الشريف، أول أمين عام لهيئة أركان الجيش الوطني الشعبي بعد الاستقلال.. استضافته قناة «النهار» الفضائية، لتناول موضوع، ظاهره كان موعد خمسينية استقلال الجزائر، لكن يبدو أن موضوعه تحول إلى تناول مسؤولية العقيد أحمد بن شريف، القائد السابق لسلاح الدرك الوطني، في ملف إعدام أصغر عقيد في الثورة الجزائرية، العقيد محمد شعباني، رحمه الله، الذي قضى إلى ربه وهو لم يكمل سن الثلاثين عاما. ورغم أن الحصة الكاملة لم تبث بعد على القناة الفضائية، (وربما قد لا ترى النور أصلا) إلا أن المقتطفات «المختصرة جدا» كانت كافية لإشعال نار حامية، تهدد بالامتداد أكثر فأكثر، بالنظر إلى حساسية الموضوع.. والاتهامات الخطيرة التي أطلقها السيد الشريف ضد السيد بن الشريف.. ! هذه الواقعة، تؤكد للمرة كذا، أن عددا من الملفات التاريخية ماتزال تلغم مسيرة الحاضر وترهن المستقبل، وستظل كذلك إلى أن يتحلى من بقي من صناع تاريخ الثورة التحريرية بالشجاعة الكافية والمسؤولية الأخلاقية والأدبية ويسلطوا الضوء على الزوايا التي ماتزال معتمة من تاريخ ثورتنا المجيدة، التي لن يشوهها حادث فردي مهما كان مؤلما عند ضحاياه.. في موضوع العقيد شعباني (رحمه الله تعالى) مايزال أحد أعضاء المحكمة التي قضت بإعدامه،، حيا يرزق، وهو الرئيس الشاذلي بن جديد، فلماذا لا يتحدث؟ بل إن رئيس «المحكمة الثورية» الذي نطق بحكم الإعدام، وهو محمود زرطال، صرح في ديسمبر 2008 بأنه «ليس نادما أبدا على ما قام به»..فماذا لو تحدث اليوم، وأعطى مزيدا من التفصيلات عما حدث! اليوم الخامس من جوان، السنة 1962، المكان منطقة الشارف والمناسبة احتفال جماهيري وشعبي كبير بالاستقلال كرمت به منطقة الشارف بالجلفة لتحتضنه بحضور قائد الناحية العسكرية السادسة العقيد بن الشريف التي تضم كل من ولايات "بسكرة، واد سوف، المسيلة، الجلفةوالأغواط"، بالإضافة إلى كل من الرواد "عمر صخري وسليمان لكحل وشريف خير الدين"، بالإضافة إلى الضابط "بركات" الذين شاركهم منصة الاحتفال مسؤول منطقة الجلفة حينها الضابط "أحمد بن براهيم"، الاحتفال كان كبيرا ومتفردا وتاريخيا والعروض العسكرية ضمت جنود جيش جبهة التحرير اتحدت في لباس واحتفال واحد مع كتائب متفرقة كان يشار إليها بالبنان على أنها "مصالية" الفكر والمعتقد، ليعلن العقيد شعباني في احتفال الشارف انضمامها إلى جيش التحرير ويشكر وينوه بقائدها الرائد المدعو "عبدالله السلمي"، كما أعطاه الكلمة في المنصة في توثيق للعهود والمواثيق التي قطعها العقيد شعباني كمسؤول عن المنطقة مع السلمي وجيشه الذي قدرته أوساط شعبية بأكثر من 700 جندي من مختلف الأعمار، التحقت بركب الاحتفال والعرس لتقدم عروضها العسكرية جنبا لجنب مع جنود جيش التحرير، وحكاية الأمان ومنديل الأمان قصة لذاتها وبذاتها والحكاية المخزونة في ذاكرة المنطقة تحكي أن العقيد شعباني بصفته قائدا للناحية العسكرية السادسة باشر مفاوضات عسيرة وجادة وحقيقية مع فصائل المصاليين عشية الاستقلال ليضمهم إلى مشهد التآلف والتحالف، وقد كانا جيشين أحدهما مرابط بمنطقة زكار بولاية الجلفة ويرأسه المدعو "البشير الأغواطي" بمعية كل من "على بن علية العيفاوي" و«محاد بن الطاوس" و«محمد الباق" و«أحمد بن سلامي" و«البار عمر"، ويضم ما يقارب ال350 جنديا، حسب شهادات عدة. أما الفصيل الثاني وهو الأكبر فيرأسه "عبدالله السلمي " ويرابط بمنطقة "راس الضبع" التابعة لمنطقة "احجيلة" ببوسعادة ويصل عدد جنوده إلى 700 جندي ، هذا العدد الكبير من الجنود، اختار العقيد شعباني طريق الحوار معهم عن طريق علماء ومشايخ المنطقة كان من ضمنهم عالم الجلفة الجليل الشيخ "مسعودي عطية" المعروف بتقواه وورعه، بالإضافة إلى تلامذته على رأسهم مفتي الولاية الحالي "عامر محفوظي" والمرحوم الإمام الكبير "الشطي" وتم التوصل إلى اتفاق أمان يصبح بموجبه كل المرابطين في منطقة زكار ورأس الضبع جزء من الجيش يأتمرون بأمره ويحفظ لهم العقيد شعباني دماءهم ولأن في الأمان كلمة علماء ومشايخ أجلاء ومجاهدين معروفين من أمثال الحاج لخضر الساسوي الذي كان حاضرا، حسب شهادات البعض للعهد المقطوع، فإن الأمان صدق وجيش زكار وراس الضبع دخلا بعدتهما وعتادهما ليشاركا في احتفالات النصر ومعهم مواثيق الأمان.. لكن المشكلة أو الكارثة أنه بالموازة مع التنويه وإعلان الفرحة التي أطلقها العقيد شعباني بانظمام كتيبة البشير الأغواطي وفيلق "عبدالله السلامي" وحينما كان هذا الأخير يخطب والناس ترقص للتحالف، كانت مؤامرة أخرى تطبخ لإزالة المصاليين الآمنين عن بكرة أبيهم بعدما يبدأ تلاعب العقيد شعباني بضحاياه كما تلاعب بكلمة علماء كبار من أمثال الشيخ "سي عطية" الذي تم خداعه على طريقة "أبو موسى الأشعري" و«عمر بن العاص" في موقعة صفين.. فكيف انقلب شعباني على من أعطاهم الأمان ليتم خنقهم أو ذبحهم بعد تفريقهم بين الولايات وما الذي جرى حتى يباد ما يقارب الألف جزائري دون محاكمة ولا تهمة ثابتة عدا المصالية؟ «المطروش".. مرة أخرى عمي اعمارة كما ينادونه التقيناه فوق حماره في دار مهترئة بحي فقير بمسعد، ولأنه واحد من الذين فروا بحياتهم وجلدهم من الطعنات والتصفية، خاصة أنه "ميصاليست" ولا يزال، سألناه عن الحكاية وعن ذكرياته فكانت حكايته عبارة عن سلسلة من الوقائع التي لا يمكن لأي كان أن يشكك في صحتها أو يطعن فيها، فرغم أن "المطروش" أو عمي اعمارة قد بلغ من الكبر عتيا ويشارف سنه على الثمانين حولا، إلا أن ذاكرته ودموعه وهو يروي لك سقوط رفاقه بين يديه إبان الثورة يكشفان أن العجوز لايزال يعيش المشاهد مشهدا مشهدا وواقعة واقعة ومأساة مأساة، هو من مواليد 1934حمل السلاح سنة 1956 وحكم عليه الجنرال "بلونيس" بالإعدام رفقة إثنين من رفاقه وذلك على خلفية أسره لمحافظ بلونيس السياسي المدعو " نواري بلبوال" رفقة كاتبه "بختي" وحارسيهما الشخصيين "محمد الفرجاوي وبوعلام الدزيري" وذلك بناء على أوامر من الضابط مفتاح الذي قاد انقلابا ضد بلونيس سنة 1958 ، عمي اعمارة يعرف مناطق بوكحيل حجرا حجرا ومعركة معركة كما يعرف جبل "التامسة" ويحكي لك وهو دامع وباكي على دفنه بيديه ل136 جثة لمجاهدين سقطوا في معركة "زمرة" بمنطقة أمجدل ببوسعادة، حيث حاصرت فرنسا 200 مجاهد بناء على وشاية، وكان ذلك سنة 1959 ليدخل المجاهدون في معركة كبيرة سقط على إثرها 136 شهيدا. فيما تكبدت فرنسا خسائر في الأرواح قدرت ب900 جندي ليخترق الأحياء من المجاهدين الحصار وقد خلفوا وراءهم شهداء منهم أربعة قادة هم "عبدالقادر بن دحمان، محمد لبيض البسكري، رابح الدولة، بن جدو الفرجاوي"، البقية عادوا بعد ليلتين من معركة زمرة ليدفنوا الشهداء ال136 في جبل التامسة ببوسعادة، وعمي اعمارة قال إنه كان يدفن أصحابه ومع كل واحد منهم دموعه تغسل رفاق الأمس.. المعارك التي شارك فيها صاحب الحمار الذي لا يحمل اعترافا، لا تحصى ولا تعد ومن الجلفة إلى بوسعادة إلى "بودنزير" والديرة بسور الغزلان، حيث كان المسؤول "عبدالقادر القبايلي" يحكي المدعو "المطروش" عن تاريخ طويل من كفاح ومعاناة أمة قدمت الغالي والنفيس في سبيل استقلالها، لكن بين كلام ذلك المجاهد المنسي عن معارك أصحابه وشهادتهم في ساح الوغى ضد فرنسا وبكائه على ما يسميها معركة "قذرة" مات فيها أصحابه من طرف إخوانهم عشية الاستقلال تجد نفسك مرغما على احترام دموع العجوز، كونها لم تبك الشهداء كما بكت دموع المغدورين بفعل حسابات السياسة أو الزعامة .. يذكر العجوز اعمارة أنه كان جنديا في استعراض الشارف وأنه كان شاهدا يوم رحّب ونوه العقيد شعباني بالبشير الأغواطي والرائد "عبدالله سلمي"، وكيف أن "السلمي" ورفاقه كانوا فرحين بالاستقلال والأمان كما الأطفال الصغار. كما يذكر أن ما نّجاه من الخنق أو الذبح أنه أصيب بوعكة صحية ألزمته الفراش فكانت نجاته في مرضه، ليكتشف بعدها أن المصاليين تم تفريقهم على عدة مدن في خطة إبادة فبعضهم تم أخذهم إلى منطقة "القاهرة " بمسعد وآخرين تم أخذهم إلى بوسعادة وإلى الشلالة بتيارت. أما البقية فتفرقت بين الأغواطوبسكرة لتكون المذبحة فكيف تمت؟ في الحلقة القادمة: شعباني.. وصف ضحاياه بالمجاهدين والوطنيين ثم أمر بتصفيتهم