قال علماء إن أنواعا من الغربان، تتخذ من جزر في شرق أستراليا موطنا لها، حيرت العلماء منذ زمن بعيد بسبب ذكائها الشديد، أثبتت نبوغها الآن من خلال قدرتها على حل لغز واحد على الأقل في مستوى طفل عمره سبع سنوات. ومثلها مثل غيرها من الأبحاث، فإن هذه الدراسة التي تركز على المهارات الإدراكية لغير البشر، تسلط الضوء على مفاهيم منها تطور القدرات المعرفية، والذكاء، وما إذا كان تباين القدرات المعرفية يتمخض عن إمكانات فذة، أو بمعدلات تختلف تمام الاختلاف حسب الأنواع. وتشير النتائج، التي أعلنت الأربعاء، إلى أن فهم الأسباب وتأثيراتها ربما يكون قد نشأ في مراحل مبكرة نوعا ما. وفي سياق هذه الدراسة الجديدة، التي نشرتها دورية "بلوس وان" العلمية نجح العلماء في اصطياد 6 من غربان منطقة كاليدونيا الجديدة وهي الطيور التي تعرف بالاسم العلمي (كورفوس مونيديولويدس)، وعثر عليها تحديدا في منطقة غراند تير في أرخبيل كاليدونيا الجديدة. وهذه الأنواع من الغربان هي الكائنات الوحيدة خارج رتبة الرئيسيات التي يمكنها صنع أدوات في البرية، إذ تتميز هذه الطيور بقدرتها الفريدة على كسر الأغصان وتهذيبها ونزع الأوراق المدببة أو ذات الأشواك لاستخدامها كخطاطيف تبحث بالاستعانة بها عن الحشرات. وفي المعامل نجحت هذه الطيور الذكية في ثني الأسلاك لاستخدامها في الحصول على الغذاء البعيد عن متناولها. وتحدى العلماء الغربان في مهمة مستلهمة من الأسطورة الإغريقية القديمة المعروفة باسم (خرافات إيسوب) لاسيما رواية (الغراب والإبريق) التي تحكي قصة غراب ظمآن وجد إبريقا به قليل من الماء في قاعه يتعذر الوصول إليه، ثم واتته فكرة ذكية بأن ألقى بالأحجار داخل الإبريق حتي ارتفع منسوب الماء ليصل إلى منقاره. وبعد أن تم تدريب الغربان على التقاط الأحجار تم تحدي الطيور بتجارب أخرى شبيهة بأساطير الحكيم الإغريقي إيسوب بأن وضعوا مكعبات من اللحوم ملتصقة بالفلين داخل أنابيب شفافة، على أعماق يتعذر على الغراب الوصول إليها بمنقاره. هنا تألق ذكاء الغربان، إذ وضع الباحثون أنبوبتين أمامها، إحداها مملوءة جزئيا بالرمال، والأخرى مملوءة جزئيا بالماء، ولم يهدر معظم الغربان الوقت بإسقاط الأحجار بلا طائل في أنبوبة الرمال، واختار 76 بالمائة من الغربان خلال التجربة إلقاء الأحجار في المملوءة جزئيا بالماء. وقال الباحثون إنه في معرض فهم هذه الطيور للمبادئ الطبيعية، وكيف تحل الأجسام محل الماء وتزيحه من الحيز الموجود به، أمكن مقارنة مستوى ذكاء الغربان بطفل عمره بين خمس وسبع سنوات، إذ يبدو أن الطيور أدركت الفرق بين مختلف الأجسام المجوفة والصلبة، وهي المرة الأولى التي تتوصل فيها الأبحاث إلى هذه النتائج. وقالت أماندا سيد، من جامعة سان أندروز في اسكتلندا، الخبيرة في مجال تعلم الحيوان، إن التجارب المتعلقة بأساطير الحكيم الإغريقي إيسوب تمخضت عن "بعض النتائج المثيرة إذ أن توليفة النجاح في بعض الأحوال، والفشل في ظروف أخرى مفيدة بدرجة كبيرة في فهم تطور آليات المعرفة." وفي هذا السياق أظهر نجاح الطيور فهما لعلاقة السببية بين مختلف الأفعال، وهو من الملامح الرئيسية في الإدراك لدى البشر.