برج الكيفان التي سيرتها جبهة التحرير الوطني لسنوات عديدة، ربما ستكون أول ضحايا هذا التسيير خاصة بعدما دفع رئيس البلدية السابق الثمن بسقوطه في غياهب سجن الحراش، مما سيفتح شهية الأحزاب الأخرى لاعتلاء عرش قصر البلدية. مافيا العقار ببرج الكيفان شكلت لنفسها جمهورية خاصة أدواتها شهادات مختومة مسبقا وآلة متحركة من الجمعيات والشخصيات التي تقتسم الريع، حتى أصبح المتر المربع الواحد يوزن بالقيراط، وأضحى كل من يتسلم رئاسة المجلس الشعبي البلدي مجبرا على خيارين أحلاهما مر: دخوله الصف أو مواجهته مصير منور قميري المير السابق الذي لم يكمل العهدة الانتخابية السابقة حتى "تمرمد" في المحاكم قبل أن يزج به في السجن وهو الذي بدأ مشواره النضالي بالدفاع عن المستفيدين من قطع أرضية بحي ألزينا ببرج الكيفان، الى أن انتهى به المقام إلى بيع "برج الكيفان" في طاكسيفون أو بابتسامة صغيرة من مدام "دليلة" حتى يدرج اسمها في قوائم السكن الاجتماعي أو التساهمي. كما عمد المير السابق الى تقوية رصيده من الفضائح عبر تسيير كارثي دفع ثمنه ثلاثة من أعضاء المجلس البلدي من مختلف التشكيلات السياسية، فالكل أمام الفساد سواء. وفي ظل هذا الوضع دخلت البلدية مرحلة الموت الكلينيكي بمجيء فريد سبع الذي سير باقي يومياتها ب«السيروم"، ولسان حاله يقول "يا رب تنتهس على خير" ولم يمنعه الدعاء من زيارة المحاكم في العديد من المرات بعدما وصلت رائحة الفساد إلى مرحلة متقدمة واختلطت مع النفايات المتراكمة في كل مكان، فيما كان يسمى سابقا بباريس الصغيرة. ولعل الأمر الذي فتح الطريق أمام مافيا العقار، هو تنازل العديد من الفلاحين عن الأراضي مقابل ملاليم لا تغني ولا تسمن من جوع، بالإضافة الى كثرة الوسطاء الذين تواطأوا مع رؤساء البلديات بجلب سكان من البويرة وتبسة وجيجل المعزولة وغيرها لتزيين البلدية ببيوت قصديرية، اتخذت من المقابر والوديان والأراضي المعزولة مكانا لها مقابل دفع إتاوة الإقامة بقيمة الخمسين مليون أو أكثر. وأضحت بلدية برج الكيفان مرادفا لمافيا العقار، فكل عضو من البلدية إلا وفي رصيده قطعة أرض أو سكن أو يرغب فيهما له او جواريه، بدليل أن أغلب المداولات التي تدرس مشكل السكن او العقار او المشاريغ تشهد حضور جميع الأعضاء، في حين ينصرف الجميع الى الكواليس من أجل الهواية المفصلة وهي "المقص والتقطيع" حتى في أعراض بعضهم، وهي الأعراض التي انتقلت من أعمدة الجرائد الى كواليس وكوابيس المحاكم. وبين أروقة التسلل حاولت أحزاب الاستفادة من تشتت الرجل المريض الذي يمثله الأفلان وهما الأرندي وحمس وبدرجة أقل النهضة. فالأول يملك مناضلين وإدرايين مازالت الى اليوم تحوم حولهم الشكوك في مسألة التلاعب بالعقار، بما أنهم احتلوا نيابة رئيس البلدية التي انتقلت الى متصدر قائمة الأرندي الحالي. واستفاد ممثل الأرندي من الفراغ الذي تركه الأفلان من أجل تقوية رصيده خاصة أن الحزب "الذي ولد بشلاغمو" يعتمد على جيش من جمعيات المجتمع المدني الرافعة شعار الدنيا مع الواقف. ويحاول متصدر القائمة محو العديد من الذكريات المتعلقة بالفساد كتلك التي ألقي فيها القبض على شخصية محسوبة على الأرندي ذات يوم في المقبرة المسيحية وهي تقسم القطع الأرضية بالمسطرة والضوء. أما حمس فتملك فرصة تاريخية، بعدما قامت بتصحيح الأخطاء السابقة في قائمة المترشخين، حيث أدرجت آنداك أسماء لم تعرف بنضالها في صفوف حركة محفوظ نحناح، واليوم أدرج اسم من الأسرة التربوية كمتصدر للقائمة، وعضو سابق بالمجلس البلدي الذي يصرح في كل مرة بأنه من يملك أدلة ضده يتقدم. من جانبها عمدت حركة النهضة الى ترشيح الرجل النظيف قدور الذي استفاد من تجربته في المجلس البلدي السابق حيث خرج برصيد أبيض ولم تتلطخ يداه بالفساد.