بعد ساعات من السيطرة على بلدة بني وليد المعقل السابق لمعمر القذافي فتحت ميليشيات من مدينة مصراتة المنافسة النار بشراسة على مبانيها العامة الخاوية. وسعى المقاتلون الذين أخذوا يكبرون معلنين نهاية معركة بني وليد لترك بصمتهم بنيران البنادق والقذائف الصاروخية على بلدة يقولون إنها لا تزال توفر ملاذا لكثير من أتباع الزعيم الليبي الذي أطيح به. وأظهرت المشاهد الانتقامية المتسمة بالفوضى ضعف سلطة الحكومة الجديدة على الميليشيات المعارضة السابقة التي تدين بالولاء للحكومة الجديدة لكنها تفعل أساسا ما يحلو لها. وأحدثت رصاصات ثقوبا في لافتة مبنى بنك مكتوب عليها “الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى” الاسم الرسمي لليبيا في عهد القذافي. وكانت الشوارع الرئيسية خالية إلا من المقاتلين الذين ملأوا الشوارع باحتفالاتهم العنيفة. وقال علي محمود وهو مقاتل من مصراتة في شاحنة صغيرة في ساحة بوسط بني وليد “المقاتلون الموالون للقذافي طردوا من بني وليد.” وتابع قائلا وفي الخلفية صوت الأغاني الوطنية “بعض الناس هنا مازالوا يريدون القذافي .. يجب أن نظهر لهم أنه انتهى.” وسيطرت ميليشيات متحالفة مع وزارة الدفاع والتي يضمها تجمع يعرف باسم درع ليبيا يوم الأربعاء على بلدة بني وليد بعد أيام من القصف الذي دفع آلاف العائلات إلى الفرار من البلدة الواقعة على قمة تل في مشاهد تذكر بمشاهد الحرب في العام الماضي. واندلع القتال الأحدث في البلدة والذي سقط فيه عشرات القتلى ومئات الجرحى بسبب مطالبة الحكومة لبني وليد بتسليم من قاموا بخطف وتعذيب مقاتل سابق من المعارضة يدعى عمران شعبان الذي عثر على القذافي مختبئا داخل أنبوب للصرف الصحي في سرت مسقط رأسه العام الماضي. وتوفي شعبان في مستشفى في باريس الشهر الماضي متأثرا بجراح أصيب بها أثناء احتجازه لمدة شهرين في بني وليد. وشعبان من مصراتة وهي مدينة تعرضت لحصار شديد على يد قوات القذافي. ودعت الأممالمتحدة إلى ضبط النفس عندما تجمعت الميليشيات حول بني وليد بعد أن رفض سكانها تسليم المطلوبين للجماعات المسلحة بينما لا يزال نظام العدالة في ليبيا يعاني من الفوضى. وينتمي كثير من أهالي بني وليد لقبيلة ورفلة القوية التي كان معظم أهلها موالين للقذافي. وتخشى البلدة وسكانها النازحون الآن الذين ظلوا معزولين عن بقية ليبيا لفترة طويلة الانتقام ويتساءلون عن المصير الذي ينتظرهم في مرحلة ما بعد القذافي. وتقدم سرت مثالا مقلقا حيث يشعر سكانها بأن حكام ليبيا الجدد يهملونهم قائلين إنهم يدفعون ثمن كونهم المعقل الأخير للقذافي الذي قتل هناك يوم 20 أكتوبر عام 2011. ولم يتم بعد التحقيق في وفاته. وبعد أيام ألقى سكان سرت باللوم على معارضين يسعون للانتقام في جانب من الدمار الذي حل بمدينتهم. وفي حين شكلت الحكومة لجانا لمعالجة قضايا الأمن والخدمات وعودة النازحين إلى بني وليد يقول قادة الميليشيات إنهم سيبقون في البلدة “لتأمينها”. وقالت كلوديا جازيني من المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات “مثل هذه الجماعات لها خلفية ورؤية محددة لما يجب أن تكون عليه ليبيا ولا تتطابق بالضرورة دائما مع رؤية المسؤولين المنتخبين في المؤتمر الوطني العام (الحاكم).” ومضت تقول “هذه المخاطر تصد جهود المصالحة التي كان من الممكن تعزيزها بشكل أفضل سلميا بين بني وليد وبقية ليبيا.” وتسلط محنة بني وليد الضوء على التحديات التي يواجهها حكام ليبيا الجدد لمصالحة جماعات تشكو من مظالم قديمة واحتضان الذين اختاروا عدم تأييد الانتفاضة إما خوفا أو لأنهم أيدوا القذافي أو لأنهم استفادوا بشكل أو بآخر من حكمه. وتعلم الحكومة أنه يتعين عليها الآن عمل توازن مناسب وألا تخاطر بترحيل المشكلات للمستقبل. وكانت بلدة بني وليد التي يقطنها 70 ألفا والواقعة على بعد حوالي 170 كيلومترا جنوبي العاصمة طرابلس واحدة من أواخر البلدات التي استسلمت للمعارضة العام الماضي. ونظم سيف الإسلام نجل معمر القذافي والمعتقل الآن دفاعه الأخير في البلدة قبل أن يفر منها إلى الصحراء. وبينما اشتكى مقاتلون من مصراتة مما اعتبروه تحديا متواصلا من قبل بني وليد ومن مزاعم بأنها تأوي موالين سابقين للقذافي، يقول سكان البلدة إنهم وصموا ظلما بأنهم “مؤيدون للقذافي”. وقال المتحدث باسم الحكومة الليبية ناصر المانع في مؤتمر صحفي إن بني وليد أصحبت ملاذا يفر إليه المطلوبون للعدالة وقال إنه يمكن القول إن هؤلاء خطفوا البلدة. وعبرت جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان عن قلقها من أوضاع بعض مراكز الاعتقال التي تديرها الميليشيات لاسيما في مصراتة. وقال بعض هذه الجماعات إن الهجوم على بني وليد هذا الشهر يرقى إلى حد الانتقام من جانب مقاتلي مصراتة الذين سارعوا للانتقام وبوحشية أحيانا من البلدات التي اعتبرت موالية للقذافي، وكثير من الميليشيات التي هاجمت بني وليد من مصراتة.