من موقعه في أنقاض الغوطة الشرقية في سوريا، يرى عارف عثمان أنَّ المرحلة الحالية من حرب سوريا تسير بشكلٍ وحشي: كلما طال صموده ضد بشار الأسد وحلفائه، ازداد الوضعُ سوءاً، وخاصة على أيدي الروس، حسب تقرير نشرته صحيفة The Guardian البريطانية. يقول عثمان في نهاية واحدة من أشد حملات القصف فتكاً في سوريا خلال السنوات الثلاث الماضية استمرت أسبوعاً كاملاً: "كان من المفترض أن نكون قد استسلمنا الآن. وعندما لم نستسلم، أصبحت القنابل أكبر، والطائرات أكثر انتظاماً، واختلفت الإصابات عن أي شيءٍ رأيناه من قبل، وجميعها أُرسِلَت من موسكو". الحرب الجوية التي تقودها روسيا حالياً هي مُلخص مخاوف السكان المحاصرين في سوريا. إذ يقع الآن ما يصل إلى 400 ألف شخصٍ تحت حصار القوات الجوية التابعة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين دون مكانٍ يهربون إليه، بينما تقترب القوات البرية السورية المدعومة من إيران من أكبر وأهم منطقة مُعارضة جنوبي محافظة إدلب السورية. بالنسبة للأسد وبوتين وفق The Guardian البريطانية فإنَّ الغوطة هي مفتاح السيطرة على العاصمة، والفوز بالحرب. ولكن خارج سوريا، بدأ الأصدقاء والأعداء على حد سواء يعتقدون أنَّ كلا الرجلين قد أخطأ في تقديره. بعد ما يقرب من 18 شهراً من تدخل روسيا لمنع هزيمة الأسد على أيدي جماعات المعارضة التي كانت تُحرز تقدماً في منطقتين شديدتي الأهمية هما مدينتا اللاذقية وطرطوس، من غير الواضح على نحوٍ مُتزايد كيف ستُعوض موسكو ما أنفقته حين تدخلت في الصراع الأكثر تعقيداً واستعصاء في العالم. وفي حين يبدو أنَّ الأسد قد خرج من منطقة الخطر ولم يعد مهدداً بالسقوط، ما تبقى من سوريا لا يبدو مثل دولة ما قبل الحرب التي كان يحكمها. وقد تم تضمين السلطة المركزية في الدولة الشرطية التي كانت في يومٍ من الأيام قوية أولاً من قِبل جماعات المعارضة، ثم من قِبل اللاعبين الإقليميين أيضاً الذين استثمروا بشكلٍ مُتزايد في تشكيل نتائج ما بعد الحرب لتصب في مصالحهم الخاصة، والتي تتفق جزئياً فقط مع ما يريده بوتين. فالأبطال في كلا الجانبين يغرقون في مستنقع لم يروه مُسبقاً.
سوريا في شكلها الحالي غير قابلة للحُكم وبوتين، على وجه الخصوص، يعلم أنَّ سوريا في شكلها الحالي غير قابلة للحُكم. وتبع ادعاءه "بالانتصار" في ديسمبر/كانون الأول الماضي، في قاعدة جوية روسية بالقرب من إدلب، سلسلةٌ مُذهلة من الأحداث التي على العكس، جعلت روسيا تدخل أكثر في الحرب. وفي الوقت نفسه، كشفوا عن الاعتماد شبه الكامل لنظام الأسد على دعم الوكلاء للإبقاء على مراكزها، ناهيك عن تأمين المزيد من المكاسب، حسب The Guardian. ويبدو تصريح بوتين سابقاً لأوانه للغاية، مثله مثل ادعاء جورج دبليو بوش بأنَّ "المهمة أُنجِزَت"، خلال كلمةٍ كان قد ألقاها على متن طائرة "يو إس إس إبراهام لينكولن" في عام 2003 فى نهاية الحرب في العراق. وفي محاولةٍ لعرض القوة العسكرية العظمى لأميركا، كشف الرئيس الأميركي الأسبق بدلاً من ذلك عن قيودها الدبلوماسية. في جميع أنحاء سوريا، وفي المنطقة نفسها، أصبحت التحالفات التي كان من الممكن إلى حدٍّ ما التنبؤ بها الآن مُتشقِّقة وغير واضحة. وبعد أن كانت لوحة الشطرنج يسهل قراءتها، فإنها الآن قد تخدع خبراء الجغرافيا السياسية العالمية. من الغوطة شمالاً إلى الحدود التركية، ومن مدينة حماة السورية في الغرب إلى مدينة دير الزور الغنية بالنفط في شرقي سوريا، حيث قُتِل حوالي 200 من المرتزقة الروس، الذين كانوا يكسبون أرضاً، من قِبل هجوم أميركي مُضاد، في 7 فبراير/شباط، هناك حربٌ ضد نظام إقليمي جديد. وقال أيمن ثائر، المُتطوِّع في مركز مساعدة في الغوطة، حيث قُتِلَ ما لا يقل عن 500 شخص الأسبوع الماضي، بالقنابل الروسية والسورية: "سنُسحق مثل الفئران تحت أقدام الجاموس. لعنة الله عليهم جميعاً". أصبح مجرد الوصول إلى كيفية تحقيق التوازن بين المصالح القوية المتزايدة الظاهرة في سوريا مصدر مشاكل لكل الذين حاولوا ذلك. إيران مستمتعة بالصراع الروسي-الأميركي وقال بسام بربندي، الدبلوماسي السوري السابق الذي كان قد انشق عن النظام في منتصف عام 2013، إنَّ "الفائز الوحيد حتى الآن هو إيران. فهي تُحقِّق ما تريد دون إصدار الكثير من الضوضاء. فإيران مستمتعة بالصراع الروسي-الأميركي لأنَّ هذا الصراع يجعل روسيا أكثر اعتماداً على إيران من أجل البقاء". ولم تذكر موسكو شيئاً عن الاشتباك بين المرتزقة الأميركيين والروس الذين أُرسلوا إلى سوريا، والتي -في ظروفٍ مختلفة- كانت ستشتكي بمرارةٍ في حال قُتِل 200 من مواطنيها على يد قوة مُنافِسة. ولكي يعترف بوتين حتى بأنَّ الرجال كانوا هناك في سوريا، كان هذا سيُناقض ادعاءه بالانتصار والانسحاب من حربٍ لم تعد بحاجةٍ إليه. واعترافه بأنَّهم كانوا يتقدمون نحو معمل تكرير النفط تابع لوكلاء أميركيين أكراد كان من شأنه أن يكون أمراً يصعب إقناع الناس به على حد سواء، في الوقت الذي يظل فيه تأمين سوريا من تهديد الإرهاب والهيمنة الأميركية هي الرواية الرسمية. يعتقد مسؤولو الاستخبارات الأميركية أنَّ الشركة التى جنَّدَت الروس، وتُدعى مجموعة فاغنر الأمنية، يسيطر عليها شخصٌ مُقرَّب من بوتين، وهو يفغيني بريغوجين. وتسيطر إيران على مدينة دير الزور السورية، بعد أن اشتركت معها روسيا من أجل ضمان أنَّ ما تبقى من معارضة الأسد لم يعد قادراً على تحقيق النصر في الحرب. واشتكى مسؤولون روس إلى نظرائهم في تركيا، من أنَّ الأهداف الإيرانية تتعارض بشكلٍ متزايد مع أهدافهم. وقال دبلوماسي تركي كبير لصحيفة ذا أوبزرفر البريطانية، إنَّ موسكو تشعر بالتهديد خاصةً مِمَّا تعتبر أنَّه تصميم إيراني على بناء هيكل أمني للدولة في دمشق على غرار قوات الحرس الثوري، التي تُعتبر أقوى مُؤسسة في طهران بعد 40 عاماً من الثورة الإسلامية. وقال الدبلوماسي: "لكن كيف يمكنهم إيقافهم؟ لن يتمكَّن بوتين من الحصول على ما يريده من هنا. ويمكننا أن نرى أنَّ الروس يشعرون بالانزعاج من ذلك". من منتصف عام 2016، بدأ بوتين في جذب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تحالف مع إيران يهدف إلى إنهاء الحرب. ووصل التحالف بينهم أشده في قمة ثُلاثية عُقدت في مدينة سوتشي الروسية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وكان من المفترض أن تُحقِّق انتصاراً دبلوماسياً يستبعد كل الآخرين، وفي الوقت نفسه تُهمِّش عمليةً على مشرفة الموت كانت مدعومةً من الأممالمتحدة. وفشلت القمة فشلاً محرجاً. وقد انهارت الدبلوماسية منذ ذلك الحين، ويقترب العنف، أولاً في إدلب والآن في الغوطة، من مستويات قياسية. وقد أعادت تركيا صياغة مُشاركتها في الحرب، حيث بدأت بإطاحة الأسد، لكنها تهدف الآن إلى منع الأكراد من السيطرة على الحدود التركية السورية، ويطالب المسؤولون الأتراك أيضا بإنهاء حكم الأسد ويصفون بالقاتل. وفي الشهر الماضي، يناير، أرسلت تركيا قوات إلى منطقة عفرين الحدودية السورية لمحاربة الميليشيات الكردية. وقد وافقت موسكو على هذه الخطوة في صمت، لكن في الأسبوع الماضي، سُمِحَ لقواتٍ موالية للأسد بالدخول إلى عفرين لمواجهة الأتراك. ويظل موقف روسيا من هذا التطور غير واضح. وقال بربندي: "تقول روسيا دائماً إنَّها لا تملك تأثيراً على الأسد بالشكل الذي يتصوَّره العالم. وهذا صحيح، إذ إنَّ لإيران تأثيراً أكبر على الأسد. ببساطة، جاءت إيران للبقاء في كل أنحاء سوريا، ولتتحدى الولاياتالمتحدة عن طريق تهديد إسرائيل. وستكون سوريا مسرحاً للأحداث في أي حرب قادمة بين حزب الله وإيران ضد إسرائيل. أو على الأقل هذا ما يأمله الإيرانيون". وتابع بربندي: "إيران سعيدةٌ بأنَّ روسيا قد أخذت زمام المبادرة في سوريا، وسمحت لهم بتمكين قواتهم من دون إلهاء. ولا يثق أيٌّ من اللاعبين ببعضهم البعض، وما نراه هو عقود قصيرة الأجل، التي قد تتغيَّر في أي وقت. والشيء الوحيد المشترك بينهم هو أنَّهم يريدون أن تخرج الولاياتالمتحدة من سوريا". وفي الوقت نفسه وفق The Guardian فإنَّ روسيا، التي كانت لديها آمال كبيرة في أن تكون سوريا نقطة انطلاق لمنصةٍ جديدة للقوة، بما يضمن بقاء الأسد وتأمين دوره القيادي في تشكيل النظام في المنطقة، وربما أكثر من ذلك بكثير- تركز على تحقيق مكاسب قصيرة المدى بنسبة أكبر. وقال فلاديمير شامانوف، رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي: "أثناء مساعدتنا للشعب السوري الشقيق، اختبرنا أكثر من 200 نوع جديد من الأسلحة. واليوم، جعل مجمعنا العسكري الصناعي جيشنا يبدو في صورةٍ يمكن أن نفتخر به". ومع بقاء القليل فقط من أدوات الضغط، سوف تستمر روسيا في اعتبار حقها في النقض باستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي أداة قوية. وقد اعترضت على قرارات الأممالمتحدة ضد الأسد 11 مرة.