تكشف تحقيقات المصالح الأمنية وجلسات المحاكمة عبر مختلف المحاكم في عدد من الملفات، أن القاسم المشترك فيها هو ورود اسم موظف بأحد القطاعات الحكومية بتهم تتباين بين التزوير والرشوة واستغلال الوظيفة العامة بطريقة غير مشروعة. غير بعيد عن جرائم تندرج في إطار قانون الفساد باتت تنخر الإدارة العامة ومختلف الهيئات، فإننا نجد ملفا آخر ليس أقل خطورة من جرائم الفساد يتعلق بتعاطي المخدرات، حيث إن عددا كبيرا من موظفي الإدارات العامة تحت رحمة هذه السموم، ويمارسون مهامهم وهم تحت تأثيرها، مما قد يعطي انطباعا عن واقع الإدارة بالجزائر ويفسر حالات التصادم مع المواطنين التي تشهدها الدوائر الخدماتية. وأظهرت قضايا مستهلكي المخدرات ومروجيها وجها آخر عن طبيعة الإدارة في الجزائر، حيث إن المحاكم عرت جانبا من حالة موظفينا على مستوى مختلف الهيئات بما فيها الرسمية، فمن البنوك إلى الإدارات العمومية إلى مصالح الأمن وجدنا موظفين يختلفون في المناصب غير أنهم يشتركون في استهلاكهم للمخدرات، وفي وقت توصلت مصالح الأمن إلى تفكيك أباطرة العالم السفلي للمخدرات، ظل تواجد عناصر من الإدارة ملفتا للانتباه بحكم أن مثل هؤلاء الأشخاص مسؤولون وسنحاول نقل بعض هذه القضايا التي استقيناها من محاكم بالعاصمة. موظف بالجيش الوطني الشعبي رهن الحبس لحيازته المخدرات تورط موظف بالجيش الوطني الشعبي المدعو (ب.ع) في قضية الحيازة من أجل الاستهلاك الشخصي للمخدرات بعدما كان قد تورط عام 2000 في نفس القضية وتمت إدانته ب 8 أشهر حبسا نافذا، وتوبع المتهم أمام محكمة سيدي امحمد بالعاصمة شهر مارس الماضي، وذلك بعد أن أحيل ملفه على العدالة بناء على إجراء تلبس من قبل المصالح الأمنية التي ضبطت بحوزته كمية من المخدرات كان بصدد استهلاكها، الأمر الذي أنكره المتهم وحاول إبعاد التهمة كون المخدرات تم العثور عليها ملقاة على الأرض بالقرب منه. دفاعه من جهته طالب بأقصى ظروف التخفيف في حقه إلى جانب العقوبة الذاتية في إطار العمل للنفع العام واعتبرت محاميته أن الحكم الأول المدان على أساسه موكلها متقادمة بتقادم العقوبة. وأمام هذه المعطيات التمس وكيل الجمهورية في حقه 6 أشهر حبسا نافذا. عون حرس ذاتي وآخر بمؤسسة خاصة لحيازة وترويج المخدرات محكمة الحراش هي الأخرى ومن ضمن عدد من الملفات المتعلقة باستهلاك المخدرات، مثل امام قاضيها عون بالحرس البلدي بتهمة حيازة واستهلاك وترويج المخدرات بعد أن ضبطت بحوزته 03 قطع من المخدرات، وكيس من المخدرات نسب إلى متهم فار يدعى “ج. نبيل". المتهم نفى متاجرته بالمخدرات بينما أكد على الاستهلاك، وأكد دفاعه أن المتهم بريء من تهمة المتاجرة، مشيرا على أن رجال الدرك قاموا بإلقاء القبض على المتهم بناء على معلومات حول المجرم الحقيقي الفار الذي كان يقوم بالترويج والمتهم هو أحد زبائنه، حيث إنه قصده من اجل الحصول على كمية من المخدرات، غير أن فرار المتهم الرئيسي “ج. نبيل" هو ما جعل المتهم يتورط في القضية، خاصة مع وجود عدة أشخاص أثناء وصول فرقة الدرك، واستبعد وجود جنحة المتاجرة لانعدام أركانها، وهو نفس الحال بالنسبة للترويج، والتمس البراءة لموكله خاصة أنه يعاني من اضطرابات نفسية بسبب مقتل شقيقه على يد جماعة إرهابية مسلحة ومن ذلك الوقت وهو يعاني من مشاكل نفسية قادته إلى استهلاك المخدرات كما وقفت ذات المحكمة على قضية عون أمن ووقاية بإحدى المؤسسات الخاصة تورط في قضية حيازة واستهلاك المخدرات بعد ضبطه من طرف مصالح الأمن، وأحيل بموجب إجراء تلبس، حيث اعترف المتهم بالوقائع المنسوبة إليه وهذا ما استند عليه الدفاع الذي طالب بأقصى ظروف التخفيف بالنظر لاعترافه باستهلاك سيجارة من المخدرات. عامل بفندق يدمن على المخدرات منذ 22 سنة كما جرت بمحكمة عبان رمضان محاكمة عامل بفندق السفير بجرم حيازة مادة مخدرة من أجل الاستهلاك الشخصي ويتعلق الأمر بالمدعو “ش. شريف" المنحدر من ولاية تيزي وزو وبالضبط من بلدية عزازڤة، والذي التمس له على إثرها ممثل الحق العام لذات المحكمة تسليط عقوبة ستة أشهر حبسا نافذا. تفاصيل القضية حسب ما ورد على لسان المتهم في الجلسة تعود إلى إلقاء القبض على المتهم الذي أحيل على الحبس بعد إيقافه بساحة أول ماي وعثور رجال الأمن على 4,5 غرام من المخدرات كانت بحوزته والتي أكد المتهم أنها كانت من أجل استهلاكه الشخصي لمدة 10 أيام، مشيرا إلى أنه اشتراها بسعر 1500 دينار جزائري، كما أقر المتهم أن الشرطة ألقت القبض عليه بمجرد شراء هذا السم وشروعه في العودة إلى غرفته بالفندق الذي يعمل به، وأكد استهلاكه للمخدرات منذ 22 سنة وهو اليوم لا يمكن أن يستغني عنها والعيش بدونها ليبدي في الأخير رغبته في العلاج حتى يتسنى له العيش مع أولاده الثلاثة المتواجدين على مستوى بلدية عزازڤة بتيزي وزو. موظف بالملاحة الجوية متورط في حيازة وترويج المخدرات وجد موظف يشغل وظيفة تقني سامي بالملاحة الجوية نفسه وراء القضبان بعقوبة 3 سنوات حبسا نافذا، بعد متابعته بجرم حيازة وترويج المخدرات والذي أحيل على العدالة بعدما أوقف من طرف مصالح الأمن خلال دورية لها على مستوى محطة عين النعجة، حيث ضبط المتهم وبقربه كمية من المخدرات وكذا حبوب مهلوسة وقد أنكر خلال المحاكمة الوقائع المنسوبة إليه. رئيس مصلحة بوزارة النقل حُبس بسبب المخدرات أوقفت دورية للشرطة موظف بوزارة النقل “ح.ج" في حالة تلبس بحديقة الجنان الأخضر بالمدنية بحوزته كميات من الكيف المعالج، وأمر وكيل الجمهورية بإيداعه الحبس وجرت محاكمته بتهمة حيازة واستهلاك المخدرات مع حمل سلاح أبيض محظور وقد اعترف المتهم بمجرد مثوله للمحاكمة باستهلاكه للمخدرات، ناكرا حمله لسلاح محظور، مشيرا إلى أن ظروفه الصعبة ومشاكله العائلية هي من دفعته لعالم الإدمان، وعلى هذا الأساس التمس ممثل الحق العام توقيع عقوبة ستة أشهر حبسا نافذا وغرامة مالية تقدر قيمتها ب20 ألف دينار جزائري ضد المتهم (ح.ج). إن ظاهرة تكرار اسم موظف أو أكثر في كل ملف من ملفات المحاكمات يطرح العديد من التساؤلات ويؤكد على أهمية البدء في سن أنظمة جديدة لجميع موظفي القطاعات الخدمية لكبح وإحباط جرائم الفساد الوظيفي، حيث إنه من المتعارف عليه في الأدبيات القانونية، أن الادارة ينظمها القانون وخاضعة له، لكن الحقائق التي عرّتها جلسات المحاكم كشفت وجها آخر عن الإدارة ومسييرها بالجزائر.. يقول المحامي عمار رخيلة، وهو باحث اجتماعي إن من يتابع من يمثل في قضايا الإستهلاك يصطدم بأن تناول المخدرات لم يعد محصورا في فئة محددة لظروف معينة، لكنه يجد إطارات من مختلف المستويات والقطاعات حتى القطاع الديني ممن يقومون بدور الوعظ كما اعتبر الباحث الإجتماعي أن تغلغل آفة المخدرات إلى القطاع الخدماتي يستدعي دق ناقوس الخطر، وقال إنه يتوجب على المؤسسات القائمة على التشريع مراجعة القوانين المتعلقة بالإدارة والمؤسسات الداخلية، وذلك بإدراج مواد قانونية من شأنها أن تجعل من تناول هذه السموم وسط عمال وموظفي المؤسسات الخاصة أو العمال خطأ مهنيا من الدرجة الثالثة يستوجب عقوبات الحبس والفصل من العمل، وهذا للردع من تفشي الظاهرة وسط القطاع الخدماتي بشكل خاص، خاصة أن عمل الموظفين تحت تأثير المخدرات من شأنه أن يؤثر على مصالح المواطنين ويهز القطاع الخدماتي بشكل عام.