أيمن. س/ وكالات تخوض دول عربية في مطلع عام 2013 تجربة كتابة وإقرار دساتير جديدة لها، بعد أن نجحت في تغيير أنظمتها السياسية وجاءت بأخرى بديلة، ومن الدول من قضى دستورها ومنها من ينتظر، وتجارب تونس وليبيا واليمن لم تتبلور حتى الآن بعد أن سبقتها مصر بدستور جديد ومجلس تشريعي مؤقّت. ومنذ الانتفاضات الشعبية التي اندلعت في 2011 وأدّت إلى إسقاط أنظمتها؛ تمر مصر وتونس واليمن وليبيا بمرحلة انتقالية هامة سادتها أجواء من التوتر والجدل بين الحكومة التي أفرزتها الانتخابات التي تم إجراؤها عام 2011 ومطلع 2012، من أهم المساءل الخلافية والتي أدّت في كثير من الأحيان إلى صدامات بين الحكومة والمعارضة مسألة إعادة صياغة الدستور التي تعتبر حجر الأساس في عملية تصحيح المسار وبناء الدولة الديمقراطية في كنف ضمان الحقوق والحريات. وفيما حسمت الحكومة المصرية أمر الدستور من خلال طرح استفتاء على دستور لم يحض بالتوافق، في ما لايزال هذا الموضوع في تونس وليبيا واليمن محلّ نقاش وتحاور. وتحتفل تونس في 14 جانفي الجاري بالسنة الثانية لانتفاضتها التي كانت الشرارة الأولى التي انتشر لهيبها في مصر ثم ليبيا واليمن وقد أدّت إلى سقوط أنظمة هذه البلدان التي كانت في السابق تحكم بقبضة من حديد؛ كما كان لهذه الانتفاضات التي عرفت باسم “الربيع العربي” تأثير على دول عربية أخرى ولكن لم تكن بنفس القوة والمطالب الشعبية. دستور تونس بعد رحيل بن علي وفي تونس، دخلت معركة الدستور الجديد مرحلة الحوار الوطني مع منظمات المجتمع المدني في مختلف الولاياتالتونسية، بهدف تعزيز مشاركة المواطن في عملية نقاش الدستور وتأمين التواصل بين السلطة التشريعية والمجتمع وإضفاء الشرعيّة على الدستور لكي يحظى بالقبول والثقة والاحترام. وبدأ الحوار في 23 ديسمبر 2012 ومن المقرر أن ينتهي في 13 جانفي 2013 من خلال تقسيم الولايات إلى أربع مجموعات، كل مجموعة مكوّنة من ستّ ولايات، ثم ترفع نتائج هذه الحوارات إلى لجنة صياغة الدستور لدراستها والبحث في إمكانية تضمينها في المسودّة الأخيرة للدستور. وأنهت لجنة صياغة الدستور أعمالها الخاصة بصياغة المسودّة الأولى ليتمّ عرضها على هيئة التنسيق والصياغة التونسية لتبدى ملاحظاتها بشأنها وتعيد صياغة موادها، ويشتمل الدستور التونسي على خمسة أبواب أساسيّة. ويناقش الباب الأوّل منها والمكوّن من 33 مادّة الحريّات والحقوق العامة للمواطن التونسي والحق في تكوين الأحزاب والنقابات، والحق في تحديد الدين واختيار العقيدة وممارسة الشعائر الدينية، فيما جاء الباب الثاني خاصا بالسلطة التشريعية والتي يكلّف بها البرلمان التونسي وتحدّد مهامّه في 9 مواد أساسيّة، بينما تناول الباب الثالث السلطة التنفيذيّة ومهامّ رئيس الجمهورية والحكومة في 30 مادّة ويناقش الباب الرابع السلطة القضائيّة ومهام المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمحكمة الدستوريّة، بينما جاء الباب الأخير لينصّ على مهامّ الهيئات المستقلّة. وشهد الدستور التونسي معارك حقوقيّة بين المنظمات المدنية من جهة وحزب النهضة الإسلامي من جهة أخرى خاصة ما يتعلق بالحريّات ووضع المرأة، ففي مطلع أوت الماضي اعتمدت “لجنة الحريات والحقوق” في المجلس التأسيسي مشروع قانون تقدمت به حركة النهضة الإسلامية، ينصّ على مبدأ “التكامل” بين الرجل والمرأة عوضا عن “المساواة”، ما أثار احتجاجات في صفوف المعارضة ومنظمات المجتمع المدني. كما شهدت الأيام الماضية تظاهرات لعدد كبير من المعارضين التونسيين وعلى رأسهم أحزاب الترويكا التونسية المعارضة والتي تضم عددا من الأحزاب الليبرالية واليسارية التونسية من أجل الضغط على الحكومة التونسية وحزب النهضة لإنجاز الدستور الجديد. لجنة الستين ومصير الدستور الليبي في ليبيا تبدو الأمور أكثر تعقيدا، فاللّجنة المنوط بعهدتها العمل على صياغة مواد الدستور الليبي الجديد وهو أول دستور يكتب في تاريخ البلاد، لجنة الستين، يجب أن تخرج من رحم المجلس الوطني، لكن الخلاف حاليا حول طريقة اختيار أعضاء هذه اللجنة، بالتعيين أم بالانتخاب. ولحين الوصول إلى شكل هذه اللجنة أكّد الدكتور محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطني الليبي العام، أن المؤتمر يميل إلى التريّث في خطاه نحو اختيار لجنة صياغة الدستور الليبي الجديد، ويسير باتجاه حوار مجتمعي تشارك فيه كل القطاعات ومؤسسات المجتمع المدني في ليبيا والقوى السياسية المختلفة وجميع شرائح المجتمع الليبي وجميع الأطياف السياسية، داعيا في البداية إلى مراجعة وتعديل وتغيير القوانين والتشريعات الليبية، التي كانت من رواسب النظام الليبي السابق، وتعتبر من الماضي، مشيرا إلى أنّه في مقدمة مهام المؤتمر الوطني الليبي العام حاليا. وناقش المؤتمر في جلساته الأخيرة موضوع تشكيل لجنة الستين وأحيل إلى لجنة مختصة لدراسة الموضوع تزامنا مع القرار المرتقب من المحكمة العليا للبتّ في قضيّة تعديل القرار الخاص بها، وتشير التوقعات إلى تعيين اللجنة من قبل المؤتمر وليس انتخابها، مع مراعاة الشرائح والكفاءات، والاتفاق حول ذلك من قبل أعضاء المؤتمر. وكان الشيخ الصادق الغرياني مفتي الديار الليبية تحدث في وقت سابق عن ضرورة أن يكون الدستور الليبي الجديد موافقا للشريعة عملا لا نصا، وأن المرحلة المقبلة تتطلب بناء دولة حديثة تكون المفاضلة بالخبرة والعطاء والإخلاص وليس بالولاء والجهوية والقبلية، مطالبا بتحكيم الشريعة والمحافظة على ثوابت الدين وصياغة دستور لا يكون ذا معايير أو ضوابط هشة تنص على تطبيق الشريعة دون تطبيقها. ودعا لأن ينصّ الدستور الجديد صراحة على تحكيم شرع الله ويكون هناك نص واضح ومضبوط جامع ومانع مفاده “دين الدولة الإسلام ولا يجوز إصدار أيّ تشريع يخالف أحكامنا وغير ذلك باطل”. كما شدد الغرياني على حاجة ليبيا الماسّة لإعداد جيل لتحكيم الشريعة والحفاظ على الثوابت الوطنية، وتأمين انتخابات برلمانية نزيهة وأن يكون رقيبا على تطبيق الدستور بوضعه السليم. دستور اليمن رهن الحوار الوطني أما في اليمن، فإن تصورات الدستور الجديد مرهونة بمؤتمر الحوار الوطني الشامل، كما أن عملية صياغته وإنشاء لجنة الصياغة وتحديد عدد أعضائها واقتراح التعديلات الدستورية سيتم بناء على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المؤرّخة. ومن المقرّر أن يتم خلال مؤتمر الحوار، الذي لم يحدد موعده بعد، إنشاء لجنة دستورية تعمل خلال ستة أشهر من انتهاء المؤتمر على صياغة مشروع دستور جديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إنشائها، وتقترح خطوات مناقشة الدستور، والموافقة عليه وعرضه على الشعب في استفتاء عام. ويحرص اليمن على الاستفادة من أخطاء الدول المحيطة في كتابة وصياغة دساتيرها للتغلب على المعوقات والثغرات التي واجهتها وقد تواجهها في المستقبل، وتمتلك خطوطا عامة حول أسس الدستور تتضمن أهدافه الرامية إلى بناء دولة القانون، وتوفير شروط الانتقال الديمقراطي، والتداول السلمي على السلطة، وإقامة النظام الديمقراطي التعددي، وتعزيز ضمانات حقوق الإنسان، وحرياته الأساسية في كافة المجالات المدنية والسياسية والاقتصادية. وفي سبيل ذلك، من غير المستبعد أن تستعين اليمن بخبرات عربية وأوروبية لها في كتابة الدساتير ومنها على سبيل المثال فرنسا، والتي جرى الاتفاق على أن تقدم مساعدة فنية في صياغة دستور اليمن الجديد، على أن تكون الصياغة يمنيّة خالصة، فيما سيقتصر الدعم الفرنسي على الجوانب الفنيّة، وقد ناقشت السفارة الفرنسية في صنعاء مع الحكومة اليمينة التحضيرات الجارية لعقد مؤتمر الحوار الوطني، واستحقاقات المرحلة الانتقالية للتحول السياسي في اليمن، وكذا الدعم الدولي الممكن تقديمه في هذا الجانب، بما في ذلك ما يمكن أن تقدّمه باريس من مساعدة فنية في صياغة الدستور الجديد الذي يلبي تطلعات وطموحات اليمنيين في بناء الدولة الحديثة.