يعكف المجلس التأسيسي التونسي على تدارس مسودة الدستور الجديد الذي يؤسس للجمهورية الثانية ويضع قواعد المؤسسات الدستورية القارة لضمان الانتقال الديموقراطي وتجاوز المرحلة الانتقالية بعد الاطاحة بالنظام السابق يوم 14 يناير 2011 . ولقد ناقش النواب خلال عدة جلسات المبادئ العامة التي تتضمنها مسودة الدستور والتي تنص على مدنية الدولة التونسية ونظامهاالجمهوري كما تدارسوا الاحكام التي تنص على حرية المعتقد وتضمن حياد دور العبادة عن الدعاية الحزبية . ويبرز مشروع الدستور تامين مكتسبات حقوق الانسان وضمان الحقوق والحريات الفردية منها والعامة كما يركز على الحياد السياسي للمؤسسة العسكرية والتزامها بحماية البلاد ووحدة ترابها فيماركز النواب تدخلاتهم على اهمية الجعل من السلم القائم على العدل اساس العلاقات مع الدول و الشعوب . ويلاحظ من خلال توطئة الدستور ان حركة "النهضة الاسلامية" التي فازت باكبر عدد من المقاعد في انتخابات المجلس التأسيسي خلال شهر اكتوبر 2011 قد سحبت مقترحاتها المتعلقة بالجعل من الشريعة الاسلامية مصدرا اساسيا ووحيدا للتشريع في البلاد . وكانت خلافات حادة قد وقعت بين مكونات الطبقة السياسية التونسية وكذلك بين الكتل البرلمانية حول تضمين الدستور المرتقب لمبادئ الشريعة الاسلامية حيث ابدت القوى اليسارية واللائكية "مخاوف" من تقليص الحريات الاساسية واكدت "تشبتها "بمدنية الدولة و"بالقيم " الديموقراطية" والتداول" السلمي على السلطة ودعت إلى" الاكتفاء "بالتنصيص على ان الاسلام هو دين الدولة التونسية حسب دستور 1959 . وبخصوص النظام السياسي المستقبلي للبلاد الذي سيكرس عبر الدستور المقبل فان اجماعا قد حصل من اجل تبني النظام السياسي المزدوج الذي يجمع بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي والذي يضمن التوازن بين منصبي رئيس الجمهوية ورئيس الحكومة ويتم بموجبه توزيع الصلاحيات داخل السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية والوزير الاول في ظل نظام رئاسي مزدوج "متوازن قصد اقامة دولة المواطنة " . وبذلك تكون حركة النهضة الاسلامية التي تقود الحكومة المؤقتة قد سحبت مقترحاتها التي كانت ترتكز على اقرار النظام السياسي البرلماني المحض. وحول اسلوب تبني الدستور الجديد اكدت دوائر قانونية ان المصادقة على نص الدستور الجديد لا يمكن ان يتم إلا بتوفر ثلثي أصوات أعضاء المجلس التأسيسي البالغ عددهم 217 عضوا أي ضرورة توفر 144 صوتا على الأقل لتمرير الصياغة الجديدة للدستور. وتنتظر حركة النهضة الاسلامية التي يبلغ عدد أعضائها 89 عضوا انضمام كتل برلمانية أخرى إليها للحصول على الأغلبية المطلقة إلا أن هذا الأمر غير مضمون بالنظر للاختلافات السائدة بين الكتل البرلمانية الحاكمة منها والمعارضة حول الكثير من الملفات وفق اراء قوى المعارضة . وبخصوص مسألة التنصيص على تجريم التطبيع مع اسرائيل في الدستور التونسي المرتقب فقد اثارت هذه المسالة نقاشا واسعا على مستوى المجلس التأسيسي الذي اختلف اعضاؤه حول صياغة بند في الدستور حول هذا الموضوع من عدمه . وتسعى العديد من الاطراف السياسية التونسية إلى تضمين الدستور التونسي المرتقب بندا ينص على تجريم التطبيع مع إسرائيل فيما اكدت حركة النهضة الإسلامية وحزب "المؤتمر" وحزب "التكتل" الشريكين في الائتلاف الحاكم ان الشعب التونسي برمته يرفض التطبيع وبالتالي فلا داعي للتنصيص على هذه المسالة ضمن الدستور الجديد. لكن رئيس كتلة حركة النهضة الاسلامية في المجلس التأسيسي السيدالصحبي عتيق صرح أن الخلاف لا يكمن في تجريم التطبيع وإنما في التنصيص عليه في الدستور مقترحا ادراج تجريم التطبيع مع اسرائيل في إطار قانون وليس في إطار الدستور مبرزا ان حركة "حماس "الفلسطينية نصحت بعدم التنصيص على تجريم التطبيع مع إسرائيل في الدستور التونسي الجديد . ويرى المرقبون ان موقف حركة النهضة الإسلامية التونسية يتناقض مع الموقف الذي اتخذته في البيان الختامي لمؤتمرها التاسع الذي ابرز ضرورة "تحريم التطبيع مع الكيان الصهيوني" كما بينوا ان تغير موقف حركة النهضة الإسلامية بخصوص مسألة التطبيع مع اسرائيل يعود إلى " نصائح " قادة حركة " حماس".