عاشت مدينة العفرون ليلة حمراء، أول أمس، بفعل اشتباكات وقعت بين شباب متظاهرين من المدينة، وقوات مكافحة الشغب، فتحولت المدينة الهادئة، إلى ساحة كر وفر حقيقة، بشكل يوحي للمتأمل من النظرة الأولى أنه يستعيد مشهدا من مشاهد ميدان التحرير في القاهرة أيام الثورة المصرية. وصلت “البلاد" إلى المكان في حدود الساعة الرابعة مساء، من يوم السبت، وكان المشهد العام يتلخص في شباب ملثمين، من أكثر الأحياء شعبية في المدينة، يرمون بالحجارة والزجاجات الحارقة قوات مكافحة الشغب، التي كانت ترد عليهم بقنابل مسيلة للدموع سممت أجواء المدينة. اقتربنا من أحد شباب حي بني مويمن الذي احتضن مسرح الاحتجاجات، وبادرناه بسؤال عن سبب هذه الغضبة، فأجابنا بأن شرارة الاحتجاجات اندلعت بعد مقتل شاب من أبناء الحي على أيدي عصابة مجرمة تنتمي إلى عائلة واحدة، نفذ أفرادها عدة جرائم من قبل، كان أبرزها جريمة كسر حرمة منزل والاعتداء على امرأة بداخله، في رمضان الماضي، إلى جانب عمليات سرقة واعتداءات لا حصر لها. وأضاف الشاب الذي كان يبدو على قسماته الغضب الشديد، قائلا: “رغم أن أفراد العائلة الأشقاء، يتم توقيفهم في كل مرة من قبل مصالح الأمن عقب الاعتداءات التي يقومون بها، إلا أنهم يستفيدون من العفو، ويعودون إلى ممارسة جرائمهم في حق سكان المدينة، مستغلين حالة الانفلات الأمني التي تميز حي بني مويمن بسبب غياب مراكز شرطة أو درك وطني في الحي" . اندفاع الشباب نحو منزل العائلة المجرمة، حرك قوات مكافحة الشغب التي هرعت بكثافة إلى المكان، حيث شوهد ما لا يقل عن 40 سيارة من النوع الكبير تحمل المئات من قوات الأمن، إلى جانب شاحنات تحمل خراطيش المياه الساخنة، واستمرت المواجهات إلى غاية ساعة متأخرة من الليل. وصول قوات مكافحة الشغب استفز سكان الحي الغاضبين، وسمعت صيحات استهجان لأحد الشباب وهو يقول “طالبنا منذ سنوات بتوفير الأمن في هذه المدينة، لكنكم رفضتم المجيء، والآن لما تحركنا لنفرض الأمن بأيدينا في مدينتنا، تأتون لتحموا هذه العائلة المجرمة!". عائلة من المجرمين فوق القانون حاولنا أن نجمع معلومات أكبر عن هذه العائلة التي أثارت كل هذا الغضب العارم، فأوضح لنا بعض الذين سألناهم قائلين: “هذه العائلة يطلق عليها سكان الحي اسم “التيارتية" لأنها وفدت في سنوات الإرهاب من ولاية تيارات واحتمت بسكان الحي من الإرهابيين ، لكن أفراد هذه العائلة نكروا جميل هذا الحي الذي آواهم سنوات الإرهاب، وأصبحوا يمارسون أبشع أنواع الجرائم في حق سكانه المسالمين، كان آخرها جريمة القتل التي ذهب ضحيتها الشاب موسى غازي، الذي قتله أحد أفراد هذه العائلة ويدعى فيصل بدم بارد ونكل بجثته في الطريق". والأدهى من ذلك، يضيف سكان الحي، أن هذا المجرم خرج ملوحا بسيفه ومتوعدا شباب الحي بأنه سينفذ جريمة قتل أخرى، الأمر الذي استفز كثيرا عائلة الضحية، وباقي الشباب في الحي الذين تحركوا على الفور إلى مركز الأمن الذي يبعد عن الحي ب2 كيلومتر، وطالبوا بالتدخل فورا وإيقاف هذا المجرم. غير أن تباطؤ قوات الأمن في وضع حد لهذا المجرم، دفع شباب الحي للخروج في مسيرة ضخمة، باتجاه منزل المجرم لإيقافه، وتدخلت إثرها قوات مكافحة الشغب لإيقافهم، لكنهم مع ذلك تمكنوا من اقتحام دكاكين المنزل وأحرقوا سيارة للعائلة حسب ما ذكر سكان الحي. والملاحظ أن هبة الشباب لقيت تضامنا واسعا من العائلات والسكان، حيث وقفت “البلاد" على مشاهد لعجائز وشيوخ كانوا يمدون المتظاهرين بالليمون والخل حتى يحتموا من أثر الغازات المسيلة للدموع. والدافع وراء ذلك، حسب ما ذكره لنا سكان الحي، أن هذه العائلة طغت في حق السكان إلى درجة أن أفرادها كانوا يفرضون إتاوات على كل من يمر من منزلهم، ورغم شكاواهم المتعددة لمصالح الأمن إلا أن أحدا لم يتدخل لوقفهم، ما جعل السكان يشعرون بنوع من التواطؤ مع هؤلاء المجرمين الذين نغصوا حياتهم، وهم الآن لن يرضوا بغير طرد العائلة من الحي. أعيان العفرون يطالبون بتدخل اللواء هامل يئن حي بني مويمن الذي يحتضن جامعة العفرون، ويناهز عدد سكانه ال10 آلاف، تحت وطأة ظروف اجتماعية قاهرة جراء تفشي كل مظاهر الانحلال والانحراف فيه، حيث أصبحت أحياؤه وكرا لمزاولة كل النشاطات المحرمة. وذكر أعيان من الحي التقتهم “البلاد" أن ما زاد الأمر سوءا الغياب الكلي للدولة في هذا الحي، حيث تغيب مراكز الشرطة، ومراكز الدرك، وأصبح المجرمون داخل الحي يفرضون قانونهم، مناشدين اللواء عبد الغني هامل المدير العام للأمن الوطني بالتدخل العاجل لتوفير الأمن في هذا الحي الذي يحتضن جامعة، أصبحت بدورها وكرا للمجرمين. وأوضح الأعيان أن الأمور بلغت حدا لا يطاق بعد أن أصبحت جرائم القتل والاعتداء بالسلاح الأبيض ترتكب يوميا، ولا يجد المواطنون طريقة للتصدي لها، وأظهروا لنا عريضة طالبوا فيها السلطات الأمنية والولائية بوضع حد لنشاط هذه العصابة المجرمة موقعة من أكثر من 1000 شخص، لكن طلباتهم ذهبت سدى، ولم تلق أي صدى لدى السلطات، ما جعلهم يخرجون عن صمتهم ويقررون وضع حد لهذه العصابة بأنفسهم.. ويقول أحد أعيان الحي: لقد حذرنا من هذا الوضع مرارا، وطالبنا من قبل بالتصدي للمجرمين الذين غزوا الحي، وذهبنا إلى الوالي الذي أشبعنا وعودا ولم نر منه شيئا، حتى حدثت مصيبة قتل هذا الشاب التي كانت القطرة التي أفاضت الكأس". ويضيف “نحن لا يمكننا الآن أن نوقف هذا الشباب الذي انتفض من أجل عرضه وشرفه وكرامته .. ونشهد أمام الله أنهم انتظروا كثيرا وعود الدولة بتوفير الأمن وصبروا لكنهم فجعوا بمقتل الشاب .. فقرروا بحماسهم الانتقام لمقتله من هذه العائلة المجرمة، وأضاف أحد أعيان الحي قائلا: لا يعرف عن شباب الحي التهور لكن ما حدث يفوق الخيال. جامعة العفرون تحولت إلى وكر للمجرمين! الزائر لما يسمى بالقطب الجامعي في العفرون، يقف على واقع مخيف، لا يوحي بتاتا بأن هذا المكان جامعة لمزاولة الدراسات العليا، بل يعطي الإنطباع أنك في وكر للمجرمين وقطاع الطرق حسب ما تظهره وجوه بعض الشباب المتسكع في الجامعة الذين وجدوا فرصتهم لمعاكسة الطالبات وحتى الاعتداء عليهم مثلما حدث منذ شهر، حيث أخرج أحد المجرمين سيفا داخل الجامعة وقام بسرقة طالبات أمام أعين زملائها في الجامعة. شاهدنا منظرا مريعا لخراف وكباش عائدة من الرعي تقاسم الطلبة الطريق نفسه الذي يستقلونه من كليات الدراسة إلى الإقامة الجامعية. وفي الطريق أيضا تمر سيارات قادمة من الطريق السريع، وجدت منفذا لها عبر الجامعة لتدخل إلى مدينة العفرون، رغم أن أصحابها لا علاقة لهم بالجامعة، وليسوا طلبة فيها. هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه القطب الجامعي المزعوم، دفع الطلبة الذين التقيناهم، إلى الشكوى، بعد أن بات الأمن ومشكل النقل يهدد مشوارهم الدراسي، حيث بات يرفض العديد من الآباء السماح لبناتهم الذهاب إلى الجامعة في الدروس الصباحية، خوفا عليهن من اعتداء جماعات الأشرار الذين يغتنمون عزلة المكان لتنفيذ اعتداءاتهم في حق الطلبة. ومن بين الاعتداءات الخطيرة التي وقعت في الحرم الجامعي، هجوم نفذه مؤخرا مجهولون تسللوا عبر المدخل الجنوبي للجامعة وصولا إلى الطابق الثالث، حيث كان الطلبة يحضرون درسهم، حيث فوجئ الطلبة بأحد المجرمين وهو يدخل عليهم شاهرا سيفه، ما أدى حالة فوضى وفزع في صفوف الطلبة، أسفرت عن إصابة عدد منهم بحالة إغماء جراء استعمال المجرم لغاز مسيل للدموع. أما الحرم الجامعي، الذي تجولنا فيه، أصبح سوقا لعشرات الشباب الذين نصبوا طاولات لبيع مختلف المنتوجات والمأكولات دون رقيب أو حسيب، وحسب أحد أعوان المراقبة في الجامعة الذي استفسرناه، فإنه لا يمكن وقف هذه الظاهرة ما دامت مداخل الجامعة ومخارجها مفتوحة لكل من هب ودب. هذه الوضعية المأساوية، دفعت العديد من المنظمات الطلابية إلى دق ناقوس الخطر في الجامعة، حيث تم تنظيم في بداية الموسم الدراسي، إضراب عام، أغلقت إثره كل كليات الجامعة وأجنحتها، احتجاجا على عدم توفير الجو الملائم للدراسة في القطب الجامعي. وأصدر الطلبة بيانا عبروا فيه عن الفظاعات التي يعيشونها في الجانب الأمني، إلى جانب مشاكل الإيواء أو الإطعام، وحتى نقص أدنى شروط ضروريات الحياة في هذا القطب الجامعي الجديد. كما هددوا في البيان ذاته بتصعيد لهجة الاحتجاج، وتمديد الإضرابات، وجعلها مفتوحة إذا لم تستجب إدارة الجامعة والجهات الوصية لمطالبهم.