لا يختلف اثنان على أن مستشفى الجلفة، يعتبرأوسخ من شوارع مدينة الجلفة. والدليل على ذلك ليس مجرد كلام عابر ولكنه تصريحخطير جدا لوزير الصحة السعيد بركات الذي كان قد أطلقه في وقت سابق، معتبرا أن الشوارع أنظف من المستشفيات، وأكيد أن مستشفى الجلفة هو أحد هذه المستشفيات، وبالتالي فإن شوارع المدينة أنظف منه، استنادا للإسقاط الوزاري. والقضية لا تحتاج إلى اجتهاد لتأكيد ذلك، فالوزير أثبت الأمر وثبّت القضية ولم يستثن ولا مستشفى من اتهامه الصريح والموثق. من هذا المنطلق، عمدت جريدةالبلاد إلى اختراق هذه الصرح الصحي دون طاقية إخفاء، في محاولة لتسليط الضوء على ما يحدث، ومعاينة وضعية الأوساخ داخل المستشفى عن قرب وعلى المباشر بعيدا هذه المرة عن الشكاوى المكتوبة، ولنقل وقائع ثابتة كان مسرحها العديد من المصالح الطبية لا تحتاج بالضرورة إلى مجهر فضائي لرصدها، والبداية كانت من الواجهة الأولى المسماة مصلحة الاستعجالات الطبية، التي لا تبعد عن الإدارة سوى أمتار، ومع ذلك تظل على حالة من الإهمال والتسيب ولم يتغير وضعها برغم تغير تسمية المستشفى. مسفوك دمه ومفجوخ رأسه في قائمة الانتظار بمصلحة الاستعجالات. لأن واجهة أي مستشفى هي بالدرجة الأولى مصلحة الاستعجالات الطبية، لذا كان لزاما أن يكون تعريجنا الأول على هذه المصلحة المهمة والهامة لكونها المرتبطة مباشرة بالمواطن، وبمجرد الدخول، تصطدم بعشرات الحالات الممدة داخل الرواق في رحلة الألف ميل من الانتظار. والمثير في الأمر أن زيارتنا تزامنت مع حالات حرجة كانت لا تزال في طابور الانتظار، منها حالة الطفل ن.مصطفى الذي كان رأسه ينزف دما إثر تعرضه لضرب بحجرة بحي الوئام. وعلى الرغم من خطورة حالته إلا أنه أُجبر على انتظار دوره لأن المصلحة ببساطة لم يكن بها سوى طبيبة واحدة رفقة ممرض واحد كانا غارقين في حالة حرجة أخرى تقطر دما. ولنا أن نسأل عن حقيقة الأمر، وعن حالة هذه المصلحة التي من المفروض أنها تقدم خدماتها لأكثر من 300 ألف نسمة، إلا أن واقع الحال يكذب ذلك بدليل أن المصلحة كانت في حالة خواء وافتقار ويديرها في تلك الليلة طبيبة وممرض واحد لا غير، ليكون الوضع خارج قاعة الفحص، مأساويا جدا.. أنين، آهات.. إضافة إلى سب وشتم وأشياء أخرى، والكل يريد أن يكون الأول، لكن واقع المصلحة التي من الفروض أن اسمها استعجالية، لم يكن يستوعب تلك الحالات الكثيرة التي كانت في حالة الانتظار والتي وصل عددها إلى 20 شخصا محشورين في قاعة واحدة !! مع العلم أن ساعة تواجدنا داخل المصلحة كانت السابعة مساء فقط، مما يطرح العديد من علامات الاستفهام والتعجب عن وضعية المصلحة في ساعات أواخر الليل، وذكر المدعو، بن علية سعد، الذي أصر على ذكر اسمه بالكامل بأنه جاء رفقة والده المسن بعد أن اشتدت عليه الآلام وهو ممدد على هذه الحالة منذ أكثر من 40 دقيقة، وظهر الشيخ، المدعو أحمد، غارقا في آلامه، فوق سرير متحرك، جلبه أحد الممرضين وانصرف، ليتركه على حالة الانتظار تلك، وكانت علامات الغضب بادية على الابن محمد الذي تاه بين الأروقة من مصلحة الاستعجالات الغارقة في اكتظاظها، إلى المصالح الطبية الأخرى، الأمر جعل محمد يسب ويشتم على كافة الجبهات والجهات "هذي فوضى هذي، يذهب يدور يرجع، ليذهب ليدور ويرجع من جديد، سيره وغضبه وشتمه وسبه كله كان في حلقة مفرغة، ليجبر في الأخير على الانتظار فلا حل له غير ذلك. تركناه يسب يشتم وينطق بأكثر من ذلك وهذي فوضى هذي كان لسان حاله وحال الكثيرين المنتظرين أمام قاعة فقيرة يملأها الفراغ وطبيبة وممرض واحد!! وتسمى اصطلاحا مصلحة الاستعجالات الطبية لعاصمة الولاية؟؟.. ساعة واحدة من المعاينة المباشرة كانت كافية جدا لرسم صورة واضحة وجلية على ما يحدث بهذه المصلحة الموجودة على بعد أمتار من مقر الإدارة. مصلحة الولادة.. الحقيقة المُغيّبة والوجه الآخر.. قبل أسبوع، تطرقت البلاد إلى حالة مُهربة من رحم مصلحة الولادة، زوجة في ربيعها 31، دخلت في حالة طبيعية سليمة، ودليلها على ذلك تأكيدات من أطباء مختصين على رأسهم طبيبة في أمراض النساء والتوليد بباب الزوار بالعاصمة ت.زرهوني وكذا الطبيب خالدي بالجلفة المختص في أمراض النساء .. كلاهما أكد لها سلامة الجنين وأن الولادة ستكون طبيعية وهو ما يبينه الكشف بالأشعة الذي تحوزالبلاد نسخة منه. الطبيبان المختصان بصموا على أن الولادة ستكون عادية وأنه لا خوف عليها ولا هم يحزنون، لكن الذي حدث عكس ذلك: الجنين نزل ميتا والرحم تم استئصاله، فماذا حدث؟ الواقعة تسردها الضحية الزوجة على لسان الزوج، زيادة على الشكوى التي تم إيداعها لدى وكيل الجمهورية والتي تم التطرق إلى تفاصيلها، وأثارت حفيظة إدارة المستشفى عبر رد طويل نُشر كما هو، يكذب الزوج والزوجة، ويحمل المسؤولية ل"البلاد" بأنها تحاملت على المستشفى وأن في الأمر صراعات وخلفيات.. الزوج أثاره الرد المذكور أكثر مما أثارته حادثة موت الجنين واستئصال رحم زوجته، لكونه اعتبر ذلك طعنا فيما حدث وتكذيبا للأمر جملة وتفصيلا وتكذيبا للزوجة بحد ذاتها التي كانت الطرف المهم في واقعة موت الجنين واستئصال الرحم، وتعلم ما حدث بالتفصيل قبيل دخولها في غيبوبة، لتستيقظ على حقيقة أنه لا مولود هناك، وعلى الحقيقة المخفية الأخرى التي رفض الزوج أن يفصح عنها في الحين والمتعلقة باستئصال الرحم، حيث أخفى عنها الأمر مخافة صدمة أخرى.. الزوجة وعلى لسان الزوج ح. محمد، قالت إنها دخلت إلى مصلحة الولادة بمستشفى الجلفة على الساعة الثامنة والنصف في مرحلة جد متقدمة من آلام الوضع، تم عرضها على القابلة التي أكدت لها أن حالتها طبيعية وأنها لن تجد صعوبة في الولادة، لتوجه إلى قاعة الانتظار بحجة أن وقت ولادتها لم يحن بعد، الزوجة كانت تصرخ وتتألم، كانت تتعذب، كانت تذهب وتجيء إلى قاعة الفحص، تستنجد .. تطلب تدخلا وإسعافا، إلا أن ذلك لم يثر الحاضرين، لتنهار في قاعة الانتظار عبر صرخة مدوية، زلزلت القاعة وزلزلت الحاضرين والمداومين هناك، ليُسارع إليها، حملوها إلى المصعد، المصعد كان بدوره في حالة الانتظار أو حالة النوم، الجنين يتخبط.. يتخبط يستجدي الحياة يضرب بطن الأم.. يريد الخروج، إغماء في قاعة الولادة ومنها لا تدري ما حدث .. فور استعادتها الوعي سألت عن المولود، والجواب أنه مات، هي لا تعلم في حينها أن رحمها قد مات أيضا.. تأكيد الزوج على أنه أدخل زوجته على الساعة الثامنة والنصف إلى مصلحة الولادة بتاريخ 24 فيفري 2009، يقابله أن المولود نزل ميتا على الساعة الثانية والنصف صباحا من اليوم الموالي وهو ما تؤكده رخصة الدفن الصادرة من مصالح البلدية تحوز البلاد نسخة منها، مما يعني أن الزوجة ظلت تصارع آلامها وعذابها حسب الزوج لأكثر من 6 ساعات كاملة من دخولها إلى المصلحة، قضتها بين الصياح والصراخ والتأوه والذهاب والإياب بين قاعة الانتظار وقاعة الفحص والولادة. هو الإهمال والتسيب وعدم التعامل مع الموقف بالجدية المطلوبة التي يؤكدها المعني وشكواه، بأنه حدث داخل مصلحة الولادة خلال الفترة المذكورة، أي أن عمر الإهمال والتسيب الذي كان من نصيب زوجته 6 ساعات كاملة، كانت كافية لتكون نتيجتها موت الجنين واستئصال الرحم عن طريق العملية الجراحية من طرف الأطباء الكوبيين. الزوج المصدوم من الحادثة بحد ذاتها ومن تفنيد مدير المستشفى للواقعة أكد في تصريح جديد ل"البلاد" أنه ذاهب بقضيته إلى أعلى المستويات من باب تبيين الحقيقة ومن باب الحفاظ على أجنة قادمين وعلى أرحام أمهات أخريات، وأنه في سبيل أن تأخذ قضيته الإطار القانوني يسعى إلى تعرية مثل هذه الممارسات التي راح ضحيتها جنينه السليم والطبيعي ورحم زوجته المستأصل مع سبق الإهمال والتسيب. حالة أخرى غريبة ومثيرة هُربت من المصلحة المذكورة، تتعلق بدخول امرأة إلى المستشفى من أجل وضع حملها، ليتم إخبارها بأنها قد وضعت رضيعا ذكرا، لكن بعد حوالي ساعة جاءت القابلة لتخبرها بأن في الأمر خطأ وأن الرضيع أنثى، لكن الغريب والمثير ما تعلق بالخبر الآخر، حيث أخبروا الأم بأن الرضيعة نزلت ميتة، وهو ما أدى إلى تطور وتسارع الوضع، هل الرضيع ذكر أم أنثى وإن كان أنثى هل هو ميت أم حي؟؟ خاصة أن هناك فارقا زمنيا معتبرا بين الخبرين؟ ..الحادثة عرفت تطورات أخرى بحضور مدير الصحة والسكان وحضور مدير المستشفى وأب الرضيع وتم فتح تحقيق في القضية، وأغلق الملف هنا. والمهم في إعادة سرد هذه الحادثة هو تبيين حجم التسيب ومن خلاله تداخل الأجنة والمواليد، بل وصول الأمر إلى غاية عدم تحديد الجنين الميت من الحي ..إنها الفوضى بكل ما تحمل الكلمة من معنى؟! وزيادة على ذلك نعرج على قضية الرضيع الذي تم اختطافه من داخل المستشفى، حيث تفاجأت إحدى الأمهات باختفاء ابنها في ظروف غامضة، وبعد تحقيق أمني تم التوصل إلى فك طلاسم هذه الحادثة، والتي كانت بطلتها إحدى المنظفات فقط، تمكنت من اختطاف الرضيع والخروج به من المستشفى بكل سهولة، وهو ما يطرح مسألة الرقابة داخل هذه المصلحة بالتحديد.. مصلحة الأمراض المعدية ..تجوّل بحرية لكن الزيارة ممنوعة.. مجرد لفظ عبارة مصلحة الأمراض المعدية يتبادر إلى الذهن أنها مصلحة مستقلة، تخضع لإجراءات استثنائية، لا يسمح لأحد بأن يقترب منها، لكن الحقيقة الثابتة التي وقفنا عليها أنه بمجرد الولوج إلى مصلحة الاستعجالات بإمكان أي كان التوجه إلى أي مصلحة، خاصة مصلحة الأمراض المعدية دون أي مشاكل فالطريق إليها آمن وبإمكانك التجول دون أن يسألك أحد. الزيارة ممنوعة لكن التجول داخلها كان في غاية البساطة، آهات صادرة، معاناة في كل غرفة، واسأل ما بدا لك دون أي إحراج، حالات حرجة تقاطعت تصريحاتها بأن المداومين من الأطباء أو الممرضين لهم أوقات معينة يأتون ويفحصون فيها، لينصرفوا بعدها، وتألم كما تشاء فلن ينتبه إليك أحد حتى تأتي فترة الفحص الأخرى. وبالعودة إلى موجة التيفوئيد التي اجتاحت المدينة، أواخر الصيف الماضي، يتأكد أن الوضع لم يتغير بتاتا، حيث عرفت هذه المصلحة توافد المئات من الحالات المصابة، لكن المثير أن الحالات المصابة كانت مرفوقة بأفراد العائلات، ليبقى التساؤل مطروحا عن موقع مصطلح الأمراض المعدية فيما حدث وما يحدث. ومع الجولة التي قادتنا إلى محيط المصلحة المذكورة وسهولة الدخول والخروج إليها، يتأكد أن الوضع لم يتغير وأن مصلحة الأمراض المعدية لا تحمل من الوصف سوى الاسم، والأبواب مفتوحة والتجول مسموح به لكن الزيارة ممنوعة. والي الجلفة يعاين المهازل ويبعث تقريرا إلى الوزارة في ختام هذه الورقة السريعة، تشير مصادر مطلعة ل البلاد إلى أن والي الولاية. وفي زيارة خاصة لا تحمل أيبروتوكولات رسمية إلى مستشفى الجلفة عاين على المباشر حالة التسيب والإهمال، وتجول بكل حرية في بعض المصالح الطبية، ليبعث بتقرير إلى مصالح وزارة الصحة والسكان حول الوضعية التي وقف عليها بأم عينيه، الأمر الذي أدى بالوزارة إلى إيفاد لجنة تحقيق وزارية، جالت وصالت في أروقة المستشفى، لكن الثابت في الأخير أن الأوضاع لا تزال على حالها. الوالي في أكثر من تصريح سابق كان آخره من منبر المجلس البلدي قال إن المدينة موسخة يا جماعة ويقصد بذلك الشوارع، وباستعمال الإسقاط الوزاري المذكور آنفا يتبين أن شوارع المدينة أنظف من مستشفى الجلفة وبركات لم يخطئ، لكن السؤال المطروح في الأخير ماذا بعد؟ فالأمر فعلا يستلزم مكنسة كبيرة؟!