اعترف الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك في مذكراته الصادرة مؤخرا، بممارسة الاستعمار الفرنسي لأبشع طرق التعذيب في حق الجزائريين أثناء فترة الاحتلال، رغم أن فرنسا الرسمية لا تزال إلى حد الآن ترفض الإقرار بتلك الجرائم. ''كل خطوة يجب أن تكون هدفا''.. هو عنوان مذكرات الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك؛ التي اعترف فيها بجرائم بلده المرتكبة في حق الجزائريين أثناء سنوات الاستعمار. وتأتي هذه الاعترافات ''الضمنية'' في الوقت الذي لا تزال فيه السلطات الفرنسية ترفض الاعتراف بتلك الجرائم وتقديم الاعتذار للجزائر التي طلبت منها ذلك في أكثر من مرة دون جدوى. وها هو شيراك الذي قضى خدمته العسكرية في الجزائر بين سنتي 1956 و1957 يقر بها ويؤكد أنه لم يشارك في ارتكاب تلك الجرائم والاعتداءات ضد الجزائريين، حيث يقول في هذا الصدد ''لا يعني أن هذا النوع من التعامل لم يكن موجودا'' وهو يعتبر اعترافا غير مباشر من شيراك بممارسة سلطات الاحتلال الفرنسي التعذيب للقضاء على الثورة التحريرية في مهدها خصوصا منذ سنة 1956 حيث صار التعذيب ''عملا احترافيا ومنهجية ومنظومة يمارسها المحتل تحت قيادة جنرالاته''. ولا تزال قضية اعتراف فرنسا للجزائر بجرائمها تشكل حجر عثرة في سبيل ''إذابة الجليد'' وتحسين العلاقات وتوقيع ''اتفاقية الصداقة'' بين البلدين. وكان وزير المجاهدين محمد الشريف عباس قد صرح في وقت سابق بأن هناك ''تيارا سياسيا قويا في فرنسا يبذل مجهودات ضخمة للحيلولة دون أي خطوة لاعتراف رسمي بفظاعة الاحتلال الفرنسي بالجزائر، كما أن أصوات ممثلي هذا التيار هي المسموعة حاليا بفرنسا''. من جهة أخرى، يعتبر الكثير من المراقبين أن إقدام شيراك على نشر مذكراته بعد سنتين ونصف من انتهاء عهدته الرئاسية الثانية ''توقيتا مناسبا جدا'' خصوصا أنه لايزال يتمتع بشعبية كبيرة لدى الرأي العام الفرنسي وفق آخر الاستطلاعات، وهو ما جعل الطبعة الأولى من مذكراته تنفد بسرعة من المكتبات، فيما تخطت مبيعاتها أرقاما قياسية ببلوغها سقف 200 ألف نسخة. وليست شعبية الرئيس الفرنسي السابق وحدها من ساهمت في رواج مذكراته، فهناك عوامل أخرى أبرزها الفترة التي صدرت فيها، وهي فترة تعج بالأحداث السياسية على غرار التحضير للاستحقاقات الانتخابية التي ستجري في الأشهر المقبلة، والتهم التي وجهت إلى شيراك حول الفساد وتحويل المال العام خلال فترة رئاسته لبلدية باريس ما بين 1977 و,1995 والمحاكمات والاتهامات التي شملت أيضا أبرز القادة السياسيين أمثال ''دومينيك دو فيلبان'' و''شارل باسكوا''. ويعود الرئيس الفرنسي السابق في مذكراته التي تمتد على مدار 24 فصلا، إلى السنوات ال 63 الأولى من حياته؛ بداية من ولادته عام 1932 حتى انتخابه رئيسا للجمهورية الفرنسية عام .1995 وفيها يتطرق لأهم الأحداث التي عايشها وأثرت في مساره، خصوصا ''فترة المسؤوليات السياسية'' ووصوله إلى ''ماتينيون'' على رأس الوزارة الأولى في عهد ''جيسكار ديستان'' ثم ''فرانسوا ميتران''، في انتظار أن يتحدث عن فترته الرئاسية وسياسة بلاده الخارجية ورفضه الترشح لعهدة ثالثة حال صدور الجزء الثاني من مذكراته. وفي السياق ذاته، يسترجع شيراك في مذكراته علاقاته مع شخصيات سياسية دولية عديدة من بينها صدام حسين، كما أفصح عن أحداث تتعلق بالسياسة الفرنسية الخارجية خصوصا ما تعلق منها بالعالم العربي والجزائر أثناء فترة الاحتلال.