تؤكد اعترافات وتصريحات مؤسس تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال حسان حطاب، المآزق الكبرى التي يشهدها الأمير عبد المالك دروكدال في إدارته لربع الساعة الأخير من عمر الجماعة التي ولدت في ظروف خاصة تميزت بنزوع الجيا إلى فكر تكفير المجتمع. وبعد دورة كاملة، لم يجد دروكدال من خيار إلا استنساخ منطق أميره عنتر زوابري في تعميم الردة على المجتمع، والانطلاق في حرب شاملة على المدنيين والأبرياء. وعندما يتحدث حسان حطاب عن دروكدال، فهو ينطلق من معرفة شخصية به، وبطريقة تفكيره وتعامله مع الظروف والوقائع، ولذلك يقول أبو حمزة إن دروكدال (الذي كان يعمل في ورشة لتصنيع المتفجرات تحت إشراف حطاب) ليس هو القائد الفعلي لتنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال، بل إن هناك محيطون به يدفعونه إلى السير في تصرفات ربما لا يكون هو مقتنعا بها..! وما أشبه السلفية بالجيا يقول حطاب، حيث كان كل من عنتر زوابري ورضوان ماكادور وأبو كابوس يسيطرون على جمال زيتوني عندما كان على رأس الجماعة الإسلامية المسلحة (الجيا) قبل أن يقتل على أيدي أتباعه لاحقا. لكن ما وجه الشبه الأكبر بين زيتوني ودروكدال؟ الجواب يأتي لاحقا عبر ثنايا حديث حسان حطاب مع الصحفي كمال الطويل من جريدة الحياة.. إنه الجهل، وضعف الرصيد الشرعي والفكري لكلا الشخصين. وإذا كان حطاب قد استفاض في التدليل على ضعف جمال زيتوني من الناحية الشرعية وعجزه عن محاججة أي أمير يرفع صوته أمامه، مما أدى إلى عدم تحكمه في قيادة الجيا لصالح الثلاثي الدموي (زوابري- ماكادور- أبو كابوس) مثلما حدث مع محاكمة أحد طلبة العلم بتهمة التعامل مع الاستخبارات ثم الحكم بإعدامه دون دليل، فإن جهل دروكدال لا يحتاج- اليوم- إلى دليل، ويكفي فقط أن نتذكر كيف هاجم كبار علماء الاسلام ووصفهم بالعملاء وفقهاء السلاطين لمجرد أنهم أسقطوا مبرراته ودعاويه في وجوب الجهاد في الجزائر. وقد أدى تهجم الجماعة السلفية على العلماء (القرضاوي، العودة، القرني وآخرين) على تبدل مواقف كثير من ''المتعاطفين مع العمل المسلح في البلاد العربية والإسلامية، الذين تأكدوا أن جاهلا، من حجم دروكدال لا يمكن أن يتجرأ على أكبر العلماء إلا إذا كان جاهلا فعلا. وأحال بعض هؤلاء في مواقع متشددة، لاحقا، أنظار دروكدال إلى أن (الظواهري وبن لادن لم يهاجما قط أي عالم من الأمة رغم الفروقات الكبرى بين الأطراف). من ثنايا حوار الصحيفة اللندنية مع مؤسس الجماعة السلفية، يتأكد أن الجبل لم يبق فيه في الوقت الحالي إلا جاهل أو خائف على حياته من التصفية على أيدي عصابة دوكدال، مثلما يظهر في اعتراف المدعو أبو زكريا.. (عضو مجلس أهل الحل والعقد ومن أعيان الجماعة السلفية) الذي قال إنه صعد إلى الجبل عن جهل وعاطفة ونزل منه عن علم، وذلك بعدما طلب منه أحد الأمراء أن يعكف على قراءة القرآن والأحاديث النبوية الشريفة، ليكتشف أنه كان على خطأ منذ البداية في القتال. ومما يعزز واقع التخبط الذي تعانيه الجماعة السلفية يذكر أبو زكرياء قصة محاكمته عندما جهر أمام أحد الأمراء بأنه قادر على النزول من الجبل ومغادرة الجزائر إلى كندا، فنظم له مفتي الجماعة السلفية جلسة لمحاكمته على جريمته هذه، وكيف واجه المفتي بأنه هو من قال له في السر أن يعتزل القتال ويحاكمه الآن، لأنه قال علنا ما لم يجرؤ المفتي على قوله إلا سراً! الانتماء إلى القاعدة.. رواية أخرى وإذا كان الأمراء السابقون للجماعة الإسلامية المسلحة كانوا يسيرون الخلافات التي يواجهونها داخل الجيا بسياسة التخويف والمحاكمات والإعدامات التي كانت تهدد كل من يجرؤ على الانتقاد أو الرفض، فإن القيادة الحالية للجماعة السلفية للدعوة والقتال لا تجرؤ على هذا الأمر- إلا استثناء- لعدة أسباب أهمها أن دروكدال ومجموعته الضيقة لا يتوفرون على رصيد شرعي، أو فكري، يضمن لهم إدارة حتى جلسات المحاكمات لالمتمردين. كما أن دروكدال يخشى أية مواجهة مباشرة مع عناصره (قد تتحول إلى محاكمة له هو!)، ولإيجاد مخرج من هكذا وضعيات متوقعة في تنظيم مغلق كالجماعة السلفية، يبدو أن دروكدال وجد أن أفضل وسيلة للابتعاد عن هذه المشكلات وإشغال عناصره بأمور أخرى استباق الجميع بإعلان الانخراط في تنظيم القاعدة بزعامة بن لادن والظواهري. ففي حال تأكد الإرهابيون في الجبال من قوة هذه العلاقة وجديتها، فإن دروكدال سيجد نفسه في وضع مريح وشروط أفضل لإدارة العمليات الإرهابية، لأن هكذا وضع من شأنه أن يحول الجماعة السلفية أو القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي إلى رقم أساسي في المعادلات السياسية والأمنية في منطقة شمال إفريقيا ودول الساحل بشكل عام. ربما لهذه الأسباب، اختار دروكدال أن يعلن انتماءه إلى القاعدة، رغم أن اتصالات سابقة لم تؤت ثمارها في هذا الاتجاه، كما أن قيادات بارزين في الجماعة السلفية ليسوا مقتنعين تماما بمسارها الحالي، حيث نقل عن مختار بلمختار (خالد أبو العباس) الذي كان يقود الجماعة السلفية من الصحراء أنه أبلغ بن مسعود عزمه على توقيف القتال والاعتزال تماما والاستقرار في الصحراء الكبرى! في انتظار الأسوء.. ربما قد يرى مهتمون بالوضع الأمني بالجزائر أن حطاب لم يقدم معلومات ذات بالفي حواره مع الصحيفة اللندنية، لكن الثابت أن مؤسس .الجماعة السلفية أكد حقائق متطابقة مع شهادات أخرى عن الواقع البئيس الذي يحياه تنظيمه السابق في الوقت الحالي. فعلاوة على ضعف الجانب الشرعي والفكري وتحكم عصب ضيقة في التنظيم المسلح، تواجه الجماعة السلفية اليوم خطرا هو الأكبر.. يهدد كيانها وقدرتها على التماسك والاستمرار في العمل المسلح. هذا الحال، عبر عنه حطاب بقوله لقد تغيرت تصرفات النظام .. فتغيرنا نحن أيضا..(وقد تثير هذه الجملة ردود فعل متضاربة لاحقا). ونعني بالخطر الذي يهدد تماسك تنظيم دروكدال هو تمسك السلطات بالعمل بميثاق السلم والمصالحة مما يعطي فرصا أكبر لمن بقي مترددا من حملة السلاح ليطلق هذا المنهج ويعود إلى المجتمع، تماما كما فعل الأمير أبو حمزة وأمراء ومسلحون آخرون أدركوا في لحظة عقل أن منطق الدماء لن يدفع بالمشروع، خطوة إلى الأمام، بل قد يضر به ضررا شديدا. من رسالة حطاب إلى من بقي يحمل السلاح أنصحكم أن تتجرأوا، وألا تتوانوا في ترك السلاح والالتحاق بأسركم، ولا تخشوا في الله لومة لائم، فالأجدر أن ترضوا الله سبحانه وتعالى قبل كل شيء، وأن تسمعوا لعلماء الأمة فهم خير قدوة لنا، وهم الذين أجمعوا على عدم مشروعية القتال في هذا البلدس، إلى قوله: الله الله في شعبكم وبلدكم، فإني أنصحكم بالكف والتوقف عمّ أنتم عليه والنزول إلى مجتمعكم وأسركم فالمجتمع مستعد لاحتضانكم وتضميد الجراح، فالحق أحق أن يتبع والحق واحد لا يتعدد والحق ضالة المؤمن إن وجده تبعه..