قبل أن تثار كل هذه الضجة البيومترية حول موقع الأذنين أهما فوق الرأس أم تحته أو بمحاذاته كمقعرين هوائيين يلتقطان ما لذ وطاب من الوعود والعهود المفلسة، وقبل أن أعرف أن تكنولوجيا القرية العالمية قد اكتشفت أن هوية وأصل الإنسان يعرف من أذنيه مثله مثل أي دابة في الأرض تحمل أسفارا أو أصفارا، كنت أظن أن الأذنين قضية ومشكلة داخليتان بين الإنسان ورأسه، إن شاء سمع بهما وإن شاء أكل بهما وإن شاء توسدهما ونام مطمئن النفس من ''الرفس'' و''العفس''.. لكن ولأن الأذن تحولت بين ليلة و''رحاها'' إلى قضية دولة وقضية أمة و''غمة'' استنفرت وزارة الداخلية ووزيرها زرهوني بما سببته له من متاعب وطنية ودولية، بمجرد أن لمح أن كشف ''الأذنين'' المؤنثتين واجب وطني أملاه المناخ الدولي المؤمم عالميا، بمجرد ذلك فإنني اكتشفت أني كنت المخدوع الأول في هذا الوطن ومن طرف من؟ من طرف أقرب الأقربين إليّ.. وأقصد حرمي المصون التي خدعتني ببطاقة هوية تقليدية لا ''أذنان'' فيها، لأصحو بعد سنوات من ''هات المصروف''، أن من شاركتني حياتي مطلوب منها أن تثبت لي هويتها من خلال ''أذنيها'' وإلا فإن أمن العالم وأمني العام مهدد ومبدد ما لم تكشف تلك ''المخنوقة'' مني أذنيها على أبواب مطارات دولية، أشك كل الشك أنها ستطأها يوما.. وزارة زرهوني ترد بسرعة ''العرق'' والبرق على قناة فضائية مكشوفة الأذنين والساقين، وتُسخِّر إمكانياتها لكي تضع النقاط فوق حروف فتوى زرهوني البيومترية التي فسرها البعض على أنها حلقة أولى من عملية كشف بدأت ب''وريلي وذنك'' والتي وصلت في أوروبا وأمريكا إلى ''حاب أنشوف الرقبة كي ناصلة'' لتنهي بإلزامية رؤية الصدر وتوابعه من مرضعات.. ولأن أول السيل قطرة فإن أول ''عري'' للمسلمين بأوروبا وأمريكا بدأ بكشف الأذنين، فتعرية الشعر الغجري المسافر بلا حجاب ولا نقاب لترسو سفينة المقالب الدولية على واقع أن ''الحجاب''، ولا نقول ''النقاب''، تحول إلى علامة من علامات الإرهاب الواجب نزعه حماية للأمن العالمي الذي يعتبر لحية الشيخ القرضاوي المخففة شبهة تستدعي ''التحليق''، فيما لا تثير لحية ذرية كارل ماركس أي شبهة كون لونها أصفر فاقع الاحمرار، والحال أو المحال نفسه مع محجبات الكنيسة من آل الأم ''تريزا'' اللواتي في حاجبهن وقار وإجلال، فيما حجاب الدكتورة الشهيدة، مروة الشربيني، تهمة جزاؤها القتل من طرف معتوه ببهو محكمة بألمانيا، ما لم يخلع، رغم أن كلا الحجابين مصنوع من القماش نفسه ولا يظهران من صاحبته إلا وجهها وكفيها.. لكنه الأمن العالمي من يتهم ''قماشا'' دون آخر بتهديد استقرار المطارات والطائرات... بالطبع زرهوني لا علاقة له بالحرب الأممية المعلنة على الحجاب، وهو ليس جزءا منها، كما أن الجزائر التي قالت عنها مكشوفة ''الأذنين'' لويزة حنون إنها ليست دولة إسلامية لا يطعن أحد في إسلام وسلام أهلها، فالرجل الحديدي فُهم كلامه خطأ، والصحافة فسرت تصريحاته اعتمادا على حاسة ''الأذنين'' لتجعل من ''الحبة'' قبة، وينقسم المجتمع الإعلامي والسياسي بين عاشق لكشف ''الأذن'' قبل الخصر أحيانا، وبين رافض رفضا مطلقا لأن يكون للأذن شأن غير شأن السمع من وراء حجاب.. مشكلتنا مشكلتان: المشكلة الأولى في وزارة الداخلية ذاتها التي لم تتحرك للتوضيح والتصريح إلا بعدما خرمت آذانها ''قناة'' فضائية معادية لتتكفل رسميا بالرد عليها، في تواضع رسمي لا يحدث إلا حينما نهاجم من صحافة خارج الديار. والمشكلة الثانية، وهي الأهم، أن حادثة ''الأذنين'' كشفت لنا للمرة ''الألف'' أننا عاجزون، فمن ''الجحر'' نفسه لدغنا مرتين وفي ظرف زمني لا يتجاوز الشهرين، واللدغة الأولى كانت في موقعة ''القاهرة'' وما فعلته ''المزابل'' الإعلامية المصرية في تاريخنا ووجودنا، واكتفاؤنا بدور المتفرج الذي لا يملك قناة للرد على مهاترات أم ''السفلى'' أو ''الدنيا''. أما اللدغة الثانية فإنها من الجحر الفضائي نفسه، ولكن من قناة عارية أخرى تمكنت من افتكاك إشهار مجاني لها بعدما فرضت على وزارة بحجم وزارة الداخلية أن ترد عليها فضائيا، وذلك لأن دولة بحجم الجزائر ومكانتها مازالت تفتقد قنوات تدافع وترافع عنها.. ولأننا لا نملك سوى سلطة رد فعل لا فضاء له، فإنه فمن العادي جدا أن تخرج علينا قناة أخرى بتصريح وهمي لوزير الداخلية وهو يفكر في إلغاء أو تأجيل ''رمضان'' هذه السنة تسهيلا لمشروع البطاقات البيومترية.. فحرروا الإعلام البصري أيها السادة، فلقد تحولنا إلى مسخرة حقيقية.. فكل يوم ''دولة'' بحجم ومكانة وثراء الجزائر تعارك قناة صرف للأخبار القذرة.. ونهاية الأمر أن وزارة الداخلية أوضحت ردا على البهتان الإعلامي أن الوزير لم يتكلم عن تعرية الرأس ولكن عن ملامح الوجه، وللمواطن أو المواطنة حرية أن تكون أذناها جزءا من الوجه أو من الرأس المغطى.. لذلك فطلبه لا لبس شرعي فيه، ووظيفة ''أذني'' حرمي المصون حتى هذه اللحظة لاتزالان مقتصرتين على السمع دون تصوير.. ولا تحوير أمني يعطيهما أكثر من بعدهما العادي كونهما أداة سمع وموقعهما بعيد عن ''الكفين'' جعلهما ''عورة'' مفروض إخفاؤها عن أعين الغرباء حتى لا يكتشفوا ما تحمل أذنا نسائنا من أخبار يندى لها الجبين.. وللأذن.. نكتة يحكى، والعهدة على رواة ''الأذن'' وحدهم، أن فتى وقحا لا يتحرج في التعليق على أي شيء في أي مكان وتحت أي ظرف، أقنع والده الذي يعرف ''وقاحته'' بأن يخطب له فتاة ما. الوالد اشترط على ابنه أن يلتزم الصمت طيلة الجلسة، وهو الشرط الذي قبله الفتى على مضض، لكن المفاجأة التي كانت بانتظاره أن الفتى صدم بوالد فتاته وهو بلا ''أذن'' يسرى، وقد حاول الفتى أن يلتزم بعهده لأبيه، وكاد يفلح في أن يظل صامتا لولا أن صهره المستقبلي قال له: ''أريد أن أسمع صوتك''. وأمام الإصرار والإلحاح اضطر الفتى إلى أن يقول لصهره المستقبلي: ''أنصحك أن تأكل ''الجزر'' بكثرة''.. فلما سأله الصهر عن السبب أجابه: ''هو مفيد للعينين.. وإذا لم تأكله فإن بصرك سينقص، وإذا نقص بصرك فستضطر إلى لبس النظارة وحينها لا تستطيع.. كون أذنك اليسرى ''ماكش'' فتسقط النظارة''..النكتة اجتماعية بحتة ولا علاقة لها بمن لا يملك أذنا ''يتصور'' بها خدمة للبطاقات البيورمترية...