هو أصغر المترشحين لرئاسيات ربيع .2009 الدكتور جهيد يونسي أب لستة أطفال، لم تشغله هموم السياسة ومسالكها الوعرة في أن يحيطهم بفيض وافر من الرعاية والحنان، وهو الذي ذاق مرارة اليتم، بعد أن سقط أبوه شهيدا في ساحات الوغى وهو جنين في بطن أمه لم يرى النور بعد، ولد بعنابة سنة 1961 وبها ترعرع واغترف من معين مدارسها تعليمه الأول ليتدرج بتفوق ملحوظ في مستوياتها المتعاقبة. وبخلاف المعتاد في كون غالبية زعامات التيار الإسلامي من خريجي معاهد العلوم الشرعية، فإن يونسي شذ عن القاعدة باعتباره أحد خريجي الجامعة الجزائرية بشهادة مهندس دولة، قبل أن يلتحق بجامعة لويس باستور بستراتسبورغ الفرنسية لينال دبلوم الدراسات المعمقة في الصوتيات، ومنها إلى المدرسة المركزية بباريس، حيث تحصل هناك على شهادة الدكتوراه في الروبوتيك وعلم الإلكترونيات، ليقرر بعدها العودة إلى أرض الوطن محملا برصيد كبير من الشهادات والخبرة التقنية، حيث شغل منصب أستاذ بمعهد الهندسة التابع لجامعة فالمة، ثم رئيسا للمجلس العلمي وأخيرا مديرا لنفس المعهد. بالموازاة مع هذه المسيرة العلمية الحافلة، كان إبن مدينة عنابة وهو الشاب المحسوب على جيل الاستقلال الذي لم تعركه تجارب الحقبة الاستعمارية ونيرانها، يخط بيده معالم توجه سياسي لم تكن قد ارتسمت خيوطه بعد في تلك الفترة، لكن التحاقه المبكر بصفوف العمل الإسلامي واحتكاكه المباشر بمن سمّوا حينها شباب الصحوة الإسلامية، جعله ينحى تجاه المشاتل السياسية والفكرية للتيار الإسلامي الذي كان يشهد أوج انتشار له خلال هذه المرحلة، حيث انظم نهاية السبعينات للجماعة الإسلامية بمدينة عنابة ثم عند الإعلان عن ميلاد حركة النهضة كان واحدا من الرعيل الأول الذي سار في ركاب جماعة الشرق التي مثلها آنذاك عبد الله جاب الله... شغف وطموح جهيد في السياسة لم يقف به عند حدود المناضل النهضوي في قيادات الصف الثاني، بل تعداه إلى عضوية مجلس الشورى الوطني عقب مؤتمر 1994 ليكلف على إثرها بمسؤولية الإشراف على مجموعة ولايات الشمال القسنطيني، وهو ما تكلل في مرحلة لاحقة بانتخابه نائبا برلمانيا لعهدتين متتاليتين إبتداء من سنة ,1997 تولى خلالها في العهدة الثانية منصب نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني مكلف بالمراقبة المالية. وتعصف رياح التغيير داخل النهضة على غير ما يشتهي زعيمها جاب الله، ليجد التلميذ يونسي نفسه مجبرا على اتباع شيخه الساعي إلى البحث عن إطار سياسي آخر يجبر فيه كسر عقوق أتباع الأمس، فكان الدكتور من ضمن النواة الصلبة التي أسست حركة الإصلاح منتصف جانفي ,1999 ليشرف على تولي إدارة الحملة الانتخابية لمرشح الإسلاميين في ثاني رئاسيات تعددية تشهدها الجزائر بعد تلك التي خاضها مؤسس حمس الراحل الشيخ محفوظ نحناح. تصاريف القدر ودروب السياسة المتسمة بعدم الثبات وتغير الأهواء والمواقع، جعلت هذه المرة خبير الروبوتيك في مواجهة مباشرة مع شيخ الطاقية والكوستيم حول كرسي زعامة الحزب الوليد حديثا، ويبدو أن مناخ الواقع رجح الكفة هذه المرة أيضا لغير صالح الشيخ، بحيث تصدر يونسي لأول مرة واجهة الحركة التي شكلت القوة الإسلامية الثانية بعد حركة حمس، عقب لقاء الحراش ومؤتمر عين البنيان في جوان 2005 الذي تمخض عن انتخابه أمينا عاما لحركة الإصلاح الوطني، رافعا شعار إعادة رسم خط سياسي متميز للحركة أساسه التشبث بالمبدئية والأصالة والاتجاه العقلاني والخطاب الواقعي المنفتح على مكونات الساحة السياسية والشرائح الاجتماعية، هذه الرؤية ساهمت في تكوين قناعة لدى نهضاويي الأمس بضرورة التحرك لمد الجسور مع جميع مكونات التيار الإسلامي، وهو ما تجلى في توقيع إتفاقية التنسيق الإسلامي الإسلامي مع حركة ربيعي. ونجح هذا الإسم الصاعد في سماء السياسة أن يجد لنفسه حيزا محترما في سباق التموقع للرئاسيات المقبلة، لينفرد بتقديم نفسه كمرشح عن التيار الإسلامي الذي لم يعتد التغيب عن المشاركة في جميع الاستحقاقات الهامة التي شهدها البلد. فهل ياترى بإمكان إبن عنابة الذي فشل في تحصيل مقعد نيابي بمسقط رأسه، أن يحدث المفاجأة ويكون بذلك أصغر رئيس من غير جيل الثورة يحكم جزائر ما بعد الاستقلال، خاصة وأن عالم اليوم تجتاحه موجة من التشبيب على غرار أوباما وأردوغان وأحمدي نجاد وأخيرا ليس آخرا قبل أيام الرئيس السلفادوري الشاب موريزيو فوناس.