ابن مدينة آفلو بالأغواط، الذي تلا على الرئيس بومدين نصا عربيا فصيحا في إحدى المناسبات، فأُعجب به واصطحبه إلى العاصمة وأجلسه في مكاتب قصر المرادية، ليتحول بعد فترة وجيزة إلى أحد كبار رجالات الدولة في الجزائر.. هذه باختصار مسيرة عبد العزيز بلخادم الذي لم تُغير العاصمة وبهرجها كثيرا في شخصيته، فتمسك بثقافته المحافظة وتشبعه باللسان العربي رغم إتقانه الفرنسية والإنجليزية معا.. اسمه الآن مطروح بشدة ليكون أحد الفاعلين في موعد 2014 .. فهل سيكون الرئيس القادم للجزائر؟ لا يجرؤ عبد العزيز بلخادم على التصريح برغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، حرصا منه على إظهار الوفاء للرئيس بوتفليقة إلى آخر المطاف، ومراعاة لمتطلبات هذا القرار الذي يتحدد غالبا في الجزائر بعيدا عن صاحبه، لكن التلميحات التي ظهرت من كلام بلخادم خلال عديد المناسبات، تُظهر أن الرجل تملؤه رغبة عارمة في أن يكون الجالس القادم على كرسي المرادية. ولئن كان طموح بلخادم السياسي مشروعا في أن يختم مشواره السياسي بتبوؤ المنصب الرفيع في البلاد، بعد أن تقلد أرفع المناصب في الدولة كان آخرها منصب رئيس حكومة وممثل شخصي لرئيس الجمهورية، فإن عوائق جمة قد تبرز في وجه هذا الطموح وتحوله إلى مجرد حلم بعيد المنال يسكن فقط خيال هذا السياسي "العنيد" بينما يستحيل أن يتحقق واقعا. احتفظ بلخادم أيضا بلحيته الخفيفة التي يرفض حلقها مثلما يفعل رجالات الدولة في الجزائر، وتمسك بعباءته التي يصر على ارتدائها حتى في بعض المناسبات الرسمية، مما جعل الكثيرين يصفونه بالسياسي الذي يخفي داخله انتماء لأفكار التيار الإسلامي والعروبي، حتى وإن كان الرجل محسوبا على التيار الوطني الذي يمثله حزبه، وولّد ذلك اتجاهه خصوما من الرافضين للتيار العروبي الإسلامي تماما مثلما جلب له أتباعا ومعجبين. هذه الخصومة التي يتبادلها أبناء ما يسمى في الجزائر التيار الفرنكوفوني المتنفذ والتيار العروبي المحافظ، ظهرت بشكل جلي في حرب التصريحات التي اندلعت بين الجنرال نزار من جهة وبلخادم من جهة أخرى، حول أسرار وخلفيات توقيف المسار الانتخابي في سنة 1992، ووصلت إلى حد تبادل التهم بالكذب بين الطرفين. ومع أن تلك التصريحات لم تصل إلى حد التنابز "الإيديولوجي" بين بلخادم الذي كان يشغل آنذاك منصب رئيس المجلس الشعبي الوطني وبين نزار الذي كان وزيرا للدفاع، فإنها أبرزت حجم العداء الدفين بين التيارين المتصارعين في الجزائر على الاستحواذ على مراكز النفوذ في الدولة والتحكم في مفاصلها، إلى جانب أنها أظهرت خلافا بين السلطة الفعلية ذات النفوذ الواسع في صناعة القرار وبين بلخادم، ما قد يحول في النهاية دون تحقيق حلمه بأن يصبح سادس رئيس للجزائر. ما لا يلعب في صالح بلخادم أيضا، أن أزمة الأفلان الأخيرة أضعفت بشكل كبير من رصيده داخل الحزب، حيث جردته من الأمانة العامة عقب صراع مرير انتهى بسحب الثقة منه، وشن خصومه قبل ذلك حربا مركزة في وسائل الإعلام لهدم صورته، فوصفوه بالرجل الفاسد الذي اختطف الحزب وحوله إلى ملكية ينتفع منها مقربوه والمتزلفون إليه. كانت تلك الاتهامات تحاول "اغتيال" شخصية بلخادم لدى الرأي العام، بينما كان هو يقاوم بضراوة ويرفض الاستسلام، إلى أن رجّح أربعة وزراء انقلبوا عليه في آخر لحظة الكفة لخصومه، ووجد بلخادم نفسه مجرد عضو بسيط في حزب يعتبر أقوى جهاز مساندة للمرشح الأكثر حظا للفوز للانتخابات الرئاسية في الجزائر، طبعا بعد أن يتم الاتفاق خارج هذا الجهاز غالبا على هوية هذا المرشح. يدخل بلخادم السباق الرئاسي إذا ما دخله بعيدا عن مراكز المسؤولية في الدولة أيضا. فقد أجهز التعديل الحكومي الذي أجراه الرئيس بوتفليقة في أكتوبر 2012، على آماله في أن يصير رئيسا للحكومة أو أحد وزراء حقائبها السيادية على الأقل. ومع أن حزبه الأفلان "كهرب" الساحة السياسية -على حد تعبيره- ب220 فولط عدد المقاعد التي حصل عليها في التشريعيات وكان ينتظر المكافأة على ذلك، إلا أن ذاك التعديل كان مخيبا للأفلان ولم يراع الأغلبية البرلمانية التي حاز عليها، مما جعل الكثيرين يعتقدون أن الرئيس بوتفليقة استغنى عن خدماته، وساهم في إضعاف صورته لدى الرأي العام. وفضلا عن كل ما سبق، يؤاخذ على بلخادم عدم تحكمه في دواليب التسيير بالشكل المطلوب، فلم يعرف عنه خلال تقلده منصب رئيس حكومة خلال فترتين متقطعتين في العشرية الأخيرة، قرارات كبرى علقت بالأذهان، وكانت دائما كفة المقارنة بينه وبين الرجل القوي في السلطة سابقا أحمد أويحيى تميل إلى هذا الأخير. كما لا يعرف عن بلخادم الضليع في السياسة الإلمام ذاته بالملفات الاقتصادية التي تستشرف مستقبل الجزائر، خاصة أن الرهان في المرحلة القادمة اقتصادي بالدرجة الأولى في جزائر تعاني من ظمأ شديد في مجالات التنمية الصناعية وتحاول يائسة الانعتاق من أسر المحروقات الذي يكبلها من كل جانب. لا شك أن خصوم بلخادم العقائديين وأزمة حزبه المستفحلة وموقف الرئيس بوتفليقة وباقي المتنفذين في الحكم منه.. كلها عوامل قد لا تلعب في صالح الرجل، لكن الرئاسة بتعبير الرئيس الفرنسي السابق جيسكار ديستان هي "موعد بين رجل وقدره". فهل سيتوافق قدر بلخادم مع قدر الجزائر المتشوفة لرئيسها القادم في 2014؟