تحتفل الجزائر هذه الأيام ب''شهر الطفل'' من خلال إقامة العديد من الفعاليات الثقافية التي استحسنها البعض في حين أعاب عليها الآخر عدم إيلائها أهمية لأكبر مشكل يطرح في كل مناسبة تحتفل بالبراءة وهو كتاب الطفل الذي لايزال يثير الجدل في الجزائر في ظل غياب هيئات رقابية تفحص ما يصدر للأطفال. يعد كتاب الطفل إحدى الوسائل الأساسية للاتصال الثقافي بالأطفال من أجل تنمية مواهبهم للوصول إلى بناء شخصيتهم بصورة متوازنة. وإن كانت النتائج المسجلة في ميدان التعليم والتكوين بعد الاستقلال إيجابية خاصة من الناحية الكمية بفضل سياسة مجانية التعليم، فإن النتائج المسجلة في ميدان نشر الكتب بصفة عامة ونشر كتب الأطفال خارج الإطار المدرسي بالعدد الكافي والنوعية المطلوبة، يبقى ضعيفا ولا يواكب الحاجات المتزايدة للعدد الهائل للأطفال. وفي هذا الإطار أجمع غالبية المشتغلين في حقل الأدب والنشر الذين استطلعت ''البلاد'' آرائهم حول كتاب الطفل، على أن هذا الموضوع يعد من بين الإشكاليات التي ظلت لسنوات محل نقاش وجدل كبير كونه لم يرق لحد الآن إلى مستوى المعايير المعتمدة عالميا في هذا الجانب. وفي هذا الإطار يؤكد الروائي والمدير السابق للمكتبة الوطنية أمين الزاوي أن النشر الخاص بالأطفال يحتاج إلى سياسة واضحة وحكيمة واستراتيجية تأخذ بعين الاعتبار عدة أساسيات يجب توفرها من بينها تخصيص فضاءات للقراءة في المدارس كونها هي التي تستوعب مثل هذه النوعية من الكتب المنشورة، إضافة إلى الحرص في انتقاء تلك الكتب ومراقبة مضامينها، قبل أن يضيف ''بقدر ما نحرص على نشر كتاب للطفل فإنه هذا الكتاب يعد قنبلة موقوتة قد تنفجر على وجوهنا في أي وقت إذا لم نستثمرها، فهو جيد وخطير في نفس الوقت''. وحسب الزاوي، فإنه يتوجب الحرص في انتقاء مضامين الإصدارات الموجهة للأطفال على مستوى الفكر والايدولوجيا واللغة المكتوبة بها. واعتبر محدثنا بأن الناشر الذي يشتغل في مجال كتاب الطفل يختلف تماما عن الناشر الذي ينشر للكبار، حيث أن ناشر كتاب الطفل يجب أن تكون له ثقافة عالية وفنيات كبيرة وثقافة تربوية وبسيكولوجية كبيرة ولديه خبراء ''لكن للأسف نجد أن الفضاء الثقافي الخاص بالطفل في الجزائر ضعيف جدا''. ويعتبر أمين الزاوي أن الذين يكتبون في أدب الطفل يجيئون صدفة إلى عالم الكتابة للأطفال، فليس هناك مسار حقيقي وطويل لكتاب يكتبون لهذه الفئة، وهي ظاهرة في العالم العربي بشكل عام ''ونحن نعرف أنه في الآداب العالمية، يمتلك الأدباء الذين يكتبون للأطفال تجربة 40 سنة أو 50 سنة في الكتابة للكبار حتى يصلوا إلى قامة الصغار في الكتابة''، على حد تعبيره. ومن جانبه، أكد الروائي مرزاق بقطاش أن كل من هب ودب صار يكتب في شؤون الطفل دون معرفة أو دراية. وبدل الخوض كثيرا في انتقاد هؤلاء، طالب محدثنا بضرورة استحداث هيئة علمية تعطي الموافقة والترخيص بنشر مختلف الكتب الموجهة للطفل من قصص أو كتب شبه مدرسية. واقترح محدثنا أن تتوفر هذه الهيئة على أخصائيين وأساتذة في علم النفس والاجتماع و''التركيب الأسلوبي'' الذي يتناسب مع مجتمع الأطفال. كما طالب بعدم النظر إلى الأطفال على أنهم فئة ذات عقل محدود، ذلك أن هذا التصور، حسبه، يعد خطأ كبيرا، فكل مايتعلق بالمطبوعات الخاصة بالطفل، ينبغي تمريرها على مثل هذه الهيئات بدل التلاعب بمستقبل وعقول أطفالنا، كما دعا صاحب رواية ''خويا دحمان'' إلى التخلص مما سماه ب''السوق التجارية'' التي يتهافت عليها ناشرون و''كتبة'' لا يعنيهم كتاب الطفل بقدر ما يهمهم الربح السريع، كما جاء على لسانه. كتاب الطفل ضحية الأسعار وانتهازية الناشرين أعرب الروائي والمترجم محمد ساري في حديث ل''البلاد''عن استيائه من واقع النشر الموجه للطفل في الجزائر، وقال إنه لابد من تسليط الضوء أكثر على اهتمامات الطفل في المطالعة باللغة العربية حتى لا يقع في التطرف بسبب بعض الكتب الدينية التي تؤثر على سلوكاته ومعاملاته في الوسط الأسري والمحيط الاجتماعي، مضيفا أن الطفل من سن 10 سنوات إلى غاية العشرين، يحتاج إلى تنمية قدراته الفكرية وإشباع فضوله في المعرفة من خلال الكتب المتخصصة في المجال العلمي، وهو الأمر الذي لن يتأتى، يقول محدثنا، إلا إذا تم توسيع مجال ترجمة الروايات العلمية إلى اللغة العربية وتوفير المواد العلمية بلغة الضاد التي من شأنها أن تقلص رغبة الطفل في التوجه إلى المطالعة باللغة الفرنسية على حساب العربية. من ناحية أخرى تحدث ساري عن واقع التلميذ الجزائري وعلاقته بالمطالعة التي تكاد تكون منعدمة بالنظر إلى اهتماماته التي لا تعكسها بعض القصص المطبوعة باللغة العربية، فيما تفتقر سوق الكتاب في الجزائر إلى بعض الروايات المترجمة وقصص الخيال العلمي، وهي الكتب التي تخضع إلى الترجمة وتتطلب بدورها إمكانيات احترافية متطورة ومادية لأن الناشر لا يستطيع بمفرده تغطية كل هذه التكاليف، على حد تعبيره. ومن جانبه، أوضح مدير ''المكتبة الخضراء'' عبد الحليم صالحي الذي يعد الناشر الوحيد الذي يصدر كتاب الطفل، أن النشر الموجه لهذه الفئة في الجزائر يخضع ل''البزنسة'' ووصل الأمر إلى أن هذه النوعية من الكتب صارت تخضع للعامل التجاري بالدرجة الأولى بعيدا عن المواصفات الحقيقية للنشر في هذا الميدان، مضيفا أن أولياء التلاميذ والقارئ بصفة عامة يتحكم فيه سعر الكتاب بالدرجة الأولى فينبهر به عندما يكون معقولا ويضع كامل ثقته في الناشر ويقتنيه بصرف النظر عن الكوارث التي قد يحملها الكتاب. واقترح محدثنا مجموعة من الحلول لتطوير قطاع النشر الموجه للأطفال في الجزائر وذلك من خلال عمل مبرمج ومنظم بين وزارتي الثقافة والتربية من أجل وضع مقاييس لكتاب الطفل، إضافة إلى فتح وتنظيم أمكنة خاصة لترويج الكتاب الموجه للطفل، واجتهاد دور النشر في هذا المجال من خلال تنظيم لجان داخلية حتى يكون العمل احترافيا، على حد قوله.