مثلما كان متوقعا، للأسف الشديد، انصب تركيز جمهور كرة القدم في الجزائر على من يكون خليفة للمدرب رابح سعدان، الذي يرون أنه فشل في مهمته على رأس ''الخضر'' في المونديال الإفريقي.. المؤسف في الأمر أن الاهتمام تركز على الأشخاص، بل على شخص واحد، هو رابح سعدان، دون أن نسمع شخصا واحدا في الجزائر يتحدث عن خطط المستقبل وإستراتيجية المرحلة القادمة. حيث تنتظرنا رهانات لا تقل أهمية عن مونديال جنوب إفريقيا، بل إنها ستكون أهم وأكثر تحديا، باعتبارها ستشكل ''محكا'' حقيقيا للكرة الجزائرية لمرحلة ما بعد المونديال، وتحمل الإجابة على سؤال جوهري: هل كان وصولنا إلى بلد العم مانديلا ثمرة جهد حقيقي.. أم أنها كانت ضربة حظ وفقط، كما يقول إخواننا المصريون، منذ أشهر؟! الأهم، اليوم، أن نتعلم الاستفادة من نقائص ما حدث في جنوب إفريقيا، وننطلق إلى المستقبل، لأنه الأهم، سواء بقي سعدان أو جاء رجل من خارج الحدود.. ليقود فريقنا الذي يتشكل من لاعبين جيئ بهم من خارج الحدود أيضا!! وقبل أن نطالب الجماهير بأن تنظر إلى المستقبل وتتجاوز ''صدمة'' الإقصاء من الدور الأول (إن صح وصف الصدمة على المشاركة الجزائرية في المونديال)، على التقنيين الذين يتحدثون كثيرا هذه الأيام، في المقام الأول، أن يتعلموا الاستفادة من دروس المونديال، وأن يحاولوا الإجابة على أسئلة كبرى تتعلق بتطور ممارسة كرة القدم في العالم، وكيف أن مدارس عتيدة تتهاوى، على غرار إيطاليا وإنجلترا وفرنسا، بينما مدارس أخرى تعلمت الاستفادة من أخطائها في الماضي القريب، واستطاعت أن تكون في مستوى الحدث، ومنها ألمانيا، القوية بشبابها وروحها..الألمان- لمن لايعلم- يقودهم في المونديال الإفريقي مدرب شاب لم يبلغ خمسين عاما (فقط)، بفريق هو الأقل سنا في تاريخ ألمانيا بمعدل95,24 سنة، ومع ذلك فهو اليوم يؤدي بطولة كبيرة، قد تحقق حلم الماكينات بالفوز بكأس العالم.. المسؤولون عن كرة القدم في هذا البلد أحدثوا ثورة في أساليب التسيير منذ ''فشل'' منتخبهم في الفوز بكأس العالم، التي نظمت في بلادهم في ,2006 حيث لم يتوقف الأمر عند التخلي عن خدمات المدرب السابق يورغن كلينسمان، بل إن الجميع سارعوا إلى المشاركة في صياغة هدف واحد، هو: ما العمل، لتفوز ألمانيا بكاس العالم 2010؟ واليوم، يسير الجميع في ألمانيا خلف فريقهم لتحقيق هذا الهدف: المدرب يواكيم لوف بتشبيب الفريق وضخ دماء جديدة فيه، واتحاد الكرة بالتأطير الجيد والتنظيم، والقيصر بيكنباور بالدعم المعنوي والإعلامي، وحتى كلينسمان(...) انتقل إلى جنوب إفريقيا ليكون مناصرا قريبا من زملاء القائد فيليب لام. نعم الجميع تحرك في 2006 بهدوء (وليس بفوضى كما يحدث عندنا الآن)، وفي الميدان (وليس على صفحات الجرائد فقط كما عندنا)، وها هو المونديال الإفريقي يقترب من نهايته، وقد شاهد العالم أجمع كيف أن الألمان يعبُرون بقوة وثبات نحو تحقيق حلمهم المشترك.. أعلم أن الفوارق بيننا وبين ألمانيا كبيرة وشاسعة ولا نقدر على تقليصها، لكن ينبغي أن لا يكون فشلنا في التنمية والسياسية والاقتصاد والثقافة ''مبررا'' لأن نفشل في كرة القدم أيضا، فهذه الرياضة تتخطى في أغلب الحالات أعراف السياسة والعلاقات بين الدول، على غرار ما تقوم به البرازيل.. العالمثالثية، أو الأرجنتين التي كادت تسقط في حرب أهلية قبل سنوات قليلة بفعل سوء التسيير، أو حتى غانا البلد الإفريقي الفقير الذي أطاح بالأمريكان..أرباب العالم خارج المستطيل الأخضر..!! الوصفة الطبيعية لنجاح الكرة الجزائرية في المستقبل -وليس بعد المونديال فقط - هي أن نستفيد من أخطائنا: بمعنى أن نقيّم عمل سعدان وعمل روراوة ومردود جميع اللاعبين، وأن نصحح الأخطاء ونثمن المكاسب، وأن يؤدي كل واحد، مهما كان موقعه، دوره في تطوير كرة القدم.. فهل من المعقول أن رئيس نادٍ رياضي معروف لدى العام والخاص بأنه ''أب'' الشكارة وبيع وشراء المباريات..يطل علينا بعد إقصاء'' الخضر'' ليقول إنه حذر من إبقاء سعدان على رأس المنتخب ولكن روراوة لم يسمع تحذيره..للأسف؟!!