مستوى هذه النهائيات كان متوسطا ولم يكن عاليا مثلما تعودنا عليه في النهائيات السابقة، لم نر بعد المباريات المقبلة، وأقصد مباريات الدور نصف النهائي والنهائي، لكن ما وقفنا عليه بودنا في البداية أن تعطينا ولو حصيلة أو تقييما عن المونديال من خلال المباريات التي تابعتها وحللتها؟ مستوى هذه النهائيات كان متوسطا ولم يكن عاليا مثلما تعودنا عليه في النهائيات السابقة، لم نر بعد المباريات المقبلة، وأقصد مباريات الدور نصف النهائي والنهائي، لكن ما وقفنا عليه حتى الآن من مستوى لم يكن رفيعا، وهو ما يعود ربما إلى الخروج المبكر لمنتخبات عملاقة كانت مرشحة للذهاب بعيدا في هذه المنافسة على غرار المنتخبين اللذين نشطا نهائي الطبعة الماضية، فرنسا وإيطاليا اللذين غادرا في الدور الأول، ناهيك عن خروج الأرجنتين والبرازيل من ربع النهائي، وهو ما حمل مفاجأة كبيرة من أكبر المفاجآت التي عرفها المونديال الجاري، ومع ذلك هناك بعض الإيجابيات، ومن بينها تألق المنتخب الألماني وبروزه على الساحة بعدما لم يكن يراهن على بروزه أحد، ألمانيا أمتعتنا، أبهرتنا من كل الجوانب، تكتيكيا وفنيا، وحتى بفضل روح المجموعة التي يتحلى بها شبان هذا المنتخب، وطريقة لعبهم الجماعية المذهلة، هم يدافعون بطريقة جيدة، يهاجمون بطريقة مذهلة. من هم اللاعبون الذين لفتوا انتباهك في هذا المنتخب الألماني؟ “خضيرة” و”شفاينشتايغر” كلاهما عودنا على اللعب في وسط الميدان الهجومي مع فريقه، لكنهما يؤديان حتى الآن دورهما الدفاعي كمسترجعين للكرات في وسط الألمان بطريقة أدهشتني كثيرا، دون أن ننسى الدور الذي يقوم به الثلاثي المتقدم في خط الوسط، وأخص بالذكر أوزيل، وبودولسكي ومولير، هؤلاء يساهمون في التغطية في الوسط ويتحولون إلى مهاجمين بأتم معنى الكلمة عندما تكون الكرة بحوزة الألمان رفقة “كلوز”، هذا الأخير ورغم المعاناة التي تعرض لها مع فريقه “البايرن” هذا الموسم بعدما أجبر على البقاء لفترة طويلة على مقعد البدلاء، إلا أن الثقة التي وضعها فيه المدرب الألماني، جعلته يتألق ويبرز بشكل ملفت للانتباه وما الأهداف الأربعة الحاسمة التي وقعها حتى الآن لخير دليل على ذلك...أهداف جعلته يبرهن بأنه من أحسن الهدافين الذين عرفتهم الكرة الألمانية وحتى العالمية أيضا. وماذا عن المنتخب الإسباني من كل هذا؟ منتخب إسبانيا حتى الآن لم يظهر بصورة المنتخب القوي، لم يظهر بصورة المنتخب الذي يسعى حقا للتتويج باللقب، صحيح أنه يحقق الانتصار تلوى الآخر، لكن بصعوبة بالغة ومن دون إقناع كبير مثلما تفعل ألمانيا حتى الآن. وكيف تتوقع أن تكون المباراة بينهما؟ رغم أن ألمانيا أقنعت حتى الآن، ورغم أن إسبانيا اكتفت بالفوز دون إقناع كبير، إلا أنني أتوقع أن تكون مباراة مثيرة، صعبة للمنتخبين، ولا أتوقع أن يجد الألمان السهولة نفسها التي وجدوها في السابق، لأن قوة إسبانيا تكمن في الوسط أيضا، ولأن لاعبيها يعتمدون على الاحتفاظ بالكرة كثيرا، وعلى اللمسة الواحدة عند تمرير وتبادل الكرة فيما بينهم، أمر من شأنه أن يقلق لاعبي ألمانيا كثيرا. لندع هذا الآن ولنتطرق إلى قارتنا السمراء، خمسة منتخبات من ضمن ستة إفريقية شاركت، غادرت المونديال في دوره الأول، هل هي خيبة أمل بالنسبة لك بصفتك تونسي؟ تريد أن أكون صريحا معك، الأمر لم يفاجئني كثيرا، كنت أتوقع خيبة الأمل هذه، ربما الخيبة الكبيرة كانت بالنسبة لمنتخب كوت ديفوار، بالنسبة للجزائر كنت على دراية من الأول بأن مجموعتها صعبة للغاية، بل أن مجموعتها كانت أصعب من مجموعة كوت ديفوار. كيف ذلك؟ لأن كوت ديفوار أقوى من البرتغال وكان بوسعها تجاوز عقبته دون عناء، ولو تمكن من ذلك لبلغ الدور الثاني، أما بالنسبة للجزائر فمجموعتها كانت تضم منتخبين قويين كمنتخبي إنجلتراوالولاياتالمتحدةالأمريكية، ومع ذلك كادت تحدث المفاجأة بالوصول إلى الدور ثمن النهائي لو أنها تجاوزت عقبة المنتخب السلوفيني في الجولة الأولى، لكنها للأسف الشديد خسرت بسذاجة أمام أضعف وأسهل منتخب في المجموعة، قبل أن تصطدم بمنتخبين قويين من طينةالولاياتالمتحدةالأمريكية الذي أبان عن قوة كبيرة في كأس القارات الأخيرة، وصار من بين أفضل المنتخبات في العالم، بالإضافة إلى المنتخب الإنجليزي الذي وما عدا خسارته المفاجئة برباعية أمام ألمانيا، الكل كان يرشحه مند البداية للتتويج باللقب العالمي، هذا بالنسبة للجزائر، أما بالنسبة للمنتخبات الإفريقية الأخرى التي غادرت في الدور الأول، فالأمر كان متوقعا. في الجزائر يقولون إن منتخبنا لعب بحيطة وحذر شديدين، ورفض المغامرة في الهجوم، وهو ما أدى إلى إقصائه، ما رأيك؟ هل كان للجزائر الإمكانات اللازمة من أجل الهجوم؟ هل كان لها رؤوس حربة الذين من خلالهم تصل إلى مرمى المنافسين؟ لا، الجزائر لم يكن لديها شيء من هذا القبيل حتى تسجل أهدافا، الجزائر لم يكن لديها عصاد، ماجر، ولخضر بلومي، ولا جمال مناد القادر على التسجيل في أي لحظة، ولا لاعبين يمتلكون إمكانات هجومية كبيرة كالتي كان الجيل القديم يمتلكها، وفي اعتقادي الشخصي، فإن اللوم لا يقع على سعدان لأنه وظف خططه وفقا لما هو متوفر بين يديه، فلو كانت بحوزته عناصر قوية في الأمام لطالبناه وطالبنا هذه التشكيلة بأكثر مما قدمته، للأسف تلك الإمكانات والعناصر الهجومية كانت غائبة، لا أنكر أن الجزائر كانت رائعة تكتيكيا، سواء أمام سلوفينيا عندما تحكمت في زمام الأمور مثلما أرادت قبل أن يخلط طرد غزال أوراقها، أو أمام إنجلترا عندما لعبت مباراة كبيرة للغاية من كل الجوانب، للأسف أن صاحب اللمسة الأخيرة خانها يومها لتجسيد الفرص أو المحاولات المتاحة لها، وأمام أمريكا كان من الصعب أن تظهر الجزائر بنفس المستوى الذي ظهرت به أمام إنجلترا لأن اللاعبين كانوا قد استنفدوا كل طاقاتهم في ذلك اللقاء، وبدا التأثر عليهم جليا من الناحية البدنية، ولذلك لا أرى أن اللوم على عدم التهديف يقع على رابح سعدان الذي تعامل مع ما هو متوفر بين يديه. حديث العام والخاص حاليا في الجزائر يدور حول مستقبل العارضة الفنية للمنتخب، وأنت الذي عملت مع مدربين أجانب في تونس، هل ترى أن الحل في المدرب المحلي، أم الأجنبي، أم في تجديد الثقة في سعدان؟ أنا شخصيا، لا أعرف سعدان جيدا، لكنه قام بعمل جبار للغاية... لنعد إلى الوراء ونتحدث بواقعية، هل في يوم من الأيام بعدما أجريت عملية قرعة الاقصائيات توقع أي جزائري أن يكون المنتخب حاضرا في المونديال؟ من كان يحلم بذلك؟ من راهن على أن هذا المنتخب سيطيح بمصر ويدخل فرحة عارمة إلى قلوب الجزائريين بوصوله إلى المونديال؟ من كان يحلم أن الجزائر ستحتك مجددا بكبار المنتخبات يومها؟ لا أحد، لكن الجزائر تمكنت من ذلك وتواجدت ضمن كبار المنتخبات العالمية في هذا المحفل الكروي العالمي، لكن ما حدث يحسب لسعدان ولرئيس الاتحادية الجزائرية محمد روراوة. هذا الإنجاز لا يحسب للطاقم الفني فقط بل للجماعة أيضا، والمسؤولين الذين ساهموا بدورهم في وصول الجزائر إلى هذه المحطة. صحيح أن المنتخب في عهد سعدان لم يسجل ولو هدف في المونديال، صحيح أنه عاد بتعادل سلبي فقط، لكن المسيرة لم تكن كارثية، وهذا هو أقصى ما كان للجزائر أن تقدمه في هذا المستوى بهجوم محدود، فحتى لو أشرف عليها هنا “زڤالو أو هيريرا” لما فعلت أكثر مما فعلته، لذلك على الجزائريين ألا ينكروا جميل هؤلاء جميعا، وأن يجددوا ثقتهم في سعدان وروراوة وفي كل الذين ساهموا في الوصول إلى المونديال.. أريد أن أضيف شيئا. تفضّل... ليس أمرا بل هي نصيحة للاتحادية الجزائرية، جدّدوا الثقة في سعدان، التصفيات الإفريقية على الأبواب، والجزائر عليها أن تواصل بالطاقم نفسه لتتواجد من جديد في كأس إفريقيا 2012. قلت لي من قبل إن المدرب الأجنبي لا يمكنه أن يعرف حقيقة كرة القدم المحلية، فهل هذا هو السبب الذي جعل لومير يغادر المنتخب التونسي؟ حتى نعطي الرجل حقه، لومير أشرف على تونس وبقي على رأسها طيلة ست سنوات كاملة، من 2002 إلى 2008، فترة هي الأزهى للكرة التونسية، توجنا باللقب الإفريقي سنة 2004، شاركنا في كأس القارات سنة 2005، شاركنا في كأس إفريقيا 2006 وكأس العالم في السنة نفسها وكأس إفريقيا 2008، قمنا بعمل جبار خلال تلك الفترة، العمل كان جماعيا وبمساهمة كل أعضاء الطاقم الفني، الإتحادية والوزارة، ولولا ذلك لما كتب لنا النجاح، وأبقى أشاطر رأي المطالبين بالمدرب المحلي مع ذلك، وأرى أن ابن “البلاد” ممن يكون مؤهلا ويعرف الدار جيدا وبإمكانه أن يقود السفينة إلى بر الأمان. على ذكر ذلك لماذا لم تتول المهمة وحدك بعد رحيل لومير، لا سيما وأنك تتوفر على كافة المواصفات التي ترشحك لتولي تدريب المنتخب التونسي؟ لا، لأن هناك أشخاصا قطعوا الطريق أمامي وأمام العمل الذي قمنا به خلال تلك السنوات الست، أشخاص وضعوا عراقيل في طريقي حتى لا أبقى لوحدي... هذه هي الحكاية، والنتيجة اليوم بعد رحيلنا منذ سنتين كما تتابعون، غياب عن نهائيات كأس العالم، ومؤخرا خسارة أمام بوتسوانا... ففي سنتين مع المكتب الفيدرالي الجديد تراجعت الكرة التونسية عشر سنوات إلى الوراء. من كلامك نفهم أنك من دعاة الاستقرار في أي منتخب؟ بطبيعة الحال الاستقرار هو سر النجاح. عن قريب سيكون هناك صراع بين الجزائر والمغرب حول تأشيرة الوصول إلى كأس إفريقيا المقبلة، أنت بصفتك من المغرب العربي، هل تتوقع أن يأخذ الصراع أبعادا خطيرة مثل التي عرفها الصراع بين الجزائر ومصر؟ لا، أبدا. ما حدث بين الجزائر ومصر من المستحيل أن يتكرر مع المغرب، مع مصر أشخاص لا يفقهون شيئا في كرة القدم أقحموا أنفسهم وتسببوا في الفتنة التي حدثت. اعذرني لا يمكنني أن أخوض في هذا الموضوع كثيرا، لكني أطمئن بأننا لن نحضر ما حدث يومها. في السابق المباريات بين الجزائروتونس كانت تعرف دوما إثارة شديدة، لكنها ورغم أهميتها لم تعرف يوما أبعادا خطيرة، لماذا في رأيك بصفتك أحد من خاضوا تلك المباريات الحاسمة؟ أبدا، كرة القدم أخلاق ونحن التزمنا بتلك الأخلاق في تلك الفترة، ثم إننا أشقاء والوضع لم يكن يسمح أبدا بأن نتجاوز الخطوط الحمراء، أمر عادي أن أتصل بأخي ماجر هاتفيا، أو بلومي أو فرڤاني... كنا مثل الإخوة، لكن لقاء مصر حوّله الدخلاء إلى حرب، وأقحموا فيه السياسة وأمور أخرى، ما أدى إلى تلك الانزلاقات. الآن وأنت محلل، هل تشعر بالراحة؟ الحمد لله بخير، لكن ما يحز في نفسي أن منتخبنا التونسي لا تسر أحواله أحدا، كنا في أسهل مجموعة شاهدتها في حياتي، ومع ذلك فرّطنا في ورقة التأهل للمونديال في مجموعة كانت تضم نيجيريا وموزمبيق أيضا، هي أسهل مجموعة رأيتها في حياتي، لكن للأسف الشديد المسؤولون الجدد الذين جاءوا منذ سنتين على رأس الكرة التونسية، أشخاص بينهم وبين الكرة فرق شاسع، هدّموا كل ما بنيناه في ست سنوات. نشعر أنك اشتقت إلى الميادين كثيرا؟ نعم، اشتقت وعندما يأتيني العرض المناسب سأعود لا محالة. حتى نختم، من تراه الأجدر بنيل الكأس العالمي؟ لا أحب التكهنات، لكني أراهن على أن إسبانيا ستفوز باللقب.