برزت ظاهرة تجنيد الشباب ضمن للجهاد في الدول العربية والأجنبية في الجزائر في الآونة الأخيرة، لتلحق بذلك بركب دول عربية أخرى كتونس التي تشهد تفاقما خطيرا في هذه الظاهرة التي تهدد عمق المجتمع وتصنع من الشباب كبش فداء لتحقيق الأهداف التي ترسمها حكومات ومنظمات غير قانونية عربية منها وأجنبية. وحسب ما أوردته وكالة "يو بي آي"، فان 274 جزائريا لقوا مصرعهم في سوريا منذ بداية الحرب في مارس 2011، يرجح تجنيدهم لصالح التنظيمات التابعة لتنظيم القاعدة، وهذا ما تم التصريح به فيما يبقى العدد الحقيقي مجهولا، وبالرغم من أن عدد الجزائريين المقاتلين في الخارج لا يمثل سوى نسبة بسيطة من عدد المقاتلين العرب القادمين من دول عديدة، إلا أن هذا لا ينفي خطورة الظاهرة التي أضحت تستدعي دق ناقوس الخطر، والعمل على القضاء عليها في أسرع وقت ممكن، وحسب ذات المصدر فان الجزائريين الذين جندوا في الحرب في سوريا، يمثلون الجالية في الخارج واغلبهم قدموا من دول أوربية، فيما تمكنت الجزائر من توقيف شبكتين في الآونة الأخيرة إحداهما تتكون من تونسيين والأخرى من سوريين كانتا تسعيان لتجنيد شباب جزائريين ضمن المقاتلين في سوريا. ويبقى الجزائريون يمثلون العدد الأقل مقارنة بالعرب، حيث وصل عدد القتلى التونسيين 1902 مقاتل، الليبيين 1807، العراقيين 1432 ، الأردنيين أردني و800 من فلسطيني الداخل (المخيمات الفلسطينية في سوريا)، إلى جانب جنسيات أخرى. وأوضح الخبير في الشأن الأمني بن عومر بن جانة ل"البلاد"، أن عملية التجنيد تتم عن طريق شبكات مختصة تقوم باستهداف الشباب باستعمال عدة وسائل أبرزها الدين، المال والمخدرات، بحيث يتم الزج بهم في حروب لا تعنيهم، ليجدوا أنفسهم متورطين حتى النخاع ضمن تنظيمات ارهابية مثل القاعدة مثلما حدث في أفغانستان سابقا، وأضاف بان الظاهرة وإن مازالت حديثة الولادة في الجزائر، إلا أنها تشكل خطورة على البلاد، مما يستدعي تحرك السلطات الحكومية والأمنية، للبحث عن الأسباب، والإيقاع بالشبكات التي تضم غالبا أشخاصا من جنسيات مختلفة خصوصا العرب المنحدرين من دول الخليج والشرق الأوسط، والذي يعملون على بعث أفكار جديدة باسم الدين بعيدة كل البعد عن الإسلام والعادات والتقاليد، وينجحون في الإيقاع بالكثير من أبناء الوطن الذين يفتقرون إلى الوعي والثقافة اللازمة لإدراك الخطر، داعيا إلى ضرورة تشديد الرقابة للإطاحة بهذه الشبكات التي غالبا ما تعمل وفق أساليب ملتوية وتنقل الشباب إلى سوريا واليمن بطريقة غير مباشرة، بالسفر عبر تركيا،السعودية والعراق. من جانبه، اعتبر الخبير السياسي الدكتور صالح سعود، أن الأسباب المباشرة لظهور هذه الآفة، التقصير في الاهتمام بالجوانب الاجتماعية والثقافية للشباب الجزائر، مما ترك المجال مفتوحا أمام التيارات السياسية والدينية للتأثير فيهم وتوجيههم إلى ما يسمى بالعمل "الجهادي" والاستشهاد لدخول الجنة، وهي تيارات في الواقع لا تعبر عن الدين وإنما تتستر وراءه لتحقيق أهداف دنيئة عبر رفع شعارات جهادية، وأضاف بان السبيل الوحيد لمحاربة الظاهرة الاستنجاد بالمسجد والخطاب الديني لتوعية الشباب وعدم ترك فراغ للأفكار الجهادية، وفرض الرقابة على الجهات السلفية، الوهابية والشيعية التي تحاول ضرب المجتمعات العربية والإسلامية. في السياق، كشف رئيس اللجنة الاستشارية لحماية حقوق الإنسان وترقيتها، فاروق قسنطيني، عن أن اللجنة ستعمل على إدراج ظاهرة تجنيد الشباب في تقاريرها، وتعتمد الإعلانات التوعوية عبر وسائل الإعلام ودور الثقافة، واعتبر أنها ظاهرة دخيلة على بلادنا التي لطالما وقفت في وجه الأفكار المتطرفة وناصرت الاعتدال الديني، محذرا من مغبة تورط الشباب في عمليات إرهابية باسم الدين. واتهم قسنطيني، دولا خليجية كالسعودية وقطر، بتمويل الشبكات الخاصة بتجنيد الشباب في عدة دول، داعيا السلطات الجزائرية إلى ضرورة التحرك سريعا لوقفها، إلا أن الخطر يبقى موجودا ما دامت اغلبها تنشط في دول الجوار وتشكل خطرا على أمن واستقرار الوطن. ولأن تجنيد الشباب في الحروب الأهلية وغير العادلة يتم باسم الدين، وصف رئيس لجنة الإفتاء بالمجلس الإسلامي الأعلى الشيخ محمد الشريف قاهر، الظاهرة بالفتنة وليست بجهاد، موضحا بأن "دماء المسلمين على المسلمين حرام" والإسلام لم يكن يوما دينا لسفك الدماء والاقتتال، داعيا أهل العلم إلى العمل على توعية الشباب حتى لا يسقطوا في فخ تلك التيارات التي تستغل الإسلام لنشر الفتن في العالم. وشدد قاهر، على ضرورة الاستعانة بالمسجد، الذي يعد المدرسة الأولى للمسلمين، من خلال تفسير أسس الدين الصحيحة ومعاني الإسلام والجهاد في سبيل الله، والتحذير من خطورة إتباع فتاوى من لا يملكون العلم والفقه. هدى مبارك