يبدو أن الحكومة عازمة على تجسيد إجراءات حماية الاقتصاد الوطني والتحكم في فوضى الاستيراد التي حولت الجزائر إلى ''مفرغة عالمية'' لمواد استهلاكية أغلبها رديء ولا يستجيب لمعايير الجودة، يتم تحت غطائها استنزاف احتياطات العملة الصعبة وتكسير آلة الإنتاج الوطنية. فقد كشفت مصادر من رئاسة الحكومة عن قرب الانتهاء من إعداد قانون يرمي إلى منع استيراد المنتجات الجاهزة وتم لهذا الغرض تشكيل فريق عمل وزاري بهدف تحديد قائمة المواد المستهدفة. ويهدف الإجراء إلى حماية الاقتصاد الوطني وضبط السوق إضافة إلى وضع آليات لدعم وتشجيع المؤسسات والاستثمارات الصغيرة والمتوسطة من أجل تحسين إنتاجها وتوزيعه في أنحاء الوطن، ما يمكّنها مستقبلا من مواجهة تحديات المنافسة التي سيفرضها انضمام الجزائر للسوق الأوروبية المشتركة ومنظمة التجارة العالمية. وتعاني المؤسسات الوطنية المتخصصة في إنتاج المواد الاستهلاكية من منافسة شرسة وغير نزيهة يغذيها بارونات الاستيراد بالتواطؤ مع شركات عالمية تتربص بالسوق الوطني، حيث أغرى فتح أبواب التجارة الخارجية وغياب الرقابة والضبط الكثير من الدول لاقتحام السوق المحلي وتقاسم ''التورتة الجزائرية''، وبعد الكيوي والموز، أغرقت السوق الجزائرية بأطنان من المواد الغذائية الاستهلاكية من الشوكولا إلى البسكويت، الحلوى، المربى، العصائر وغيرها تأتي أساسا من مصر، سوريا، تركيا، تونس، الصين وحتى باكستان والهند. وشكل وصول هذه المنتجات إلى الجزائر منافسة شرسة للمنتوج المحلي، بفعل انبهار المستهلكين بكل ما يأتي من الخارج، وسعرها المنخفض، الذي يعود حسب المختصين إلى عدم مطابقة أغلبها للمعايير والمقاييس، حيث تكشف إحصائيات إدارة الجمارك عن حجز كميات كبيرة لمواد تجاوزت مدة صلاحية استعمالها.. أما التي يسمح لها بالدخول فالكثير منها على وشك التلف ولا تسمح التشريعات الأوروبية بدخولها إلى بلدان الاتحاد، ما يفسر تسويقها في الجزائر بأسعار منخفضة. الاستيراد العشوائي والمفرد للمواد الاستهلاكية وبغض النظر عن أخطاره الصحية، يشكل من جهة أخرى نزيفا حقيقيا لاحتياطات العملة الصعبة في الجزائر. فإحصائيات المديرية العامة للجمارك تكشف مثلا أن قيمة مواد الاستهلاك الغذائية المستوردة خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية 2010 تجاوزت 5,1 مليار دولار. أما قيمة مواد الاستهلاك غير الغذائية فبلغت 2,1 مليار دولار. وتكشف لنا الإحصائيات ذاتها أن قيمة فاتورة الحبوب والفرينة والسميد بلغت 490 مليون دولار في حين تغلق المطاحن في الجزائر وقيمة الحلويات والسكريات 248 مليون دولار. واستوردت الجزائر في ثلاثة أشهر فقط ثلاجات بقيمة 27 مليون دولار وأثاث بقيمة 36 مليون دولار، رغم أن كلا المنتوجين يصنعان محليا وبجودة عالية. وهذا يعني أن استيراد المواد الاستهلاكية يمثل في ظرف ثلاثة أشهر فقط ثلث فاتورة الواردات الجزائرية بقيمة تقارب 3 ملايير دولار من أصل حجم واردات وصل 4,9 مليار دولار خلال نفس الفترة!.. وكشفت تحقيقات أمنية سابقة أن الكثير من عمليات الاستيراد تخفي نشاط شبكات تشتغل في تهريب العملة الصعبة والمضاربة في فارق السعر بين الصرف الرسمي الذي توفره البنوك للمستوردين الذين يسترجعون الأموال لإعادة بيعها في السوق السوداء بسعر أعلى وهي كلها مبررات دعت الحكومة إلى التفكير جديا في وضع ضوابط وقوانين تنظم عمليات الاستيراد خاصة للمواد الاستهلاكية. وحسب مصادر من رئاسة الحكومة، فإن أولى الإجراءات العملية التي تدخل في سياق هذا المسعى، يتضمنها مشروع قانون المالية التكميلي للسنة الجارية، فقد كشف المشروع الذي درسه مجلس الحكومة أمس، عن نية الدولة إلزام مستوردي القمح الصلب دفع رسم على كل عملية استيراد قمح بسعر عند مستوى 2500 دينار للقنطار. في إجراء لمواجهة استيراد القمح الصلب من الخارج، وإلزام أصحاب المطاحن على استغلال القمح الصلب المنتج محليا. ويأتي هذا الإجراء لمعالجة وضع غريب يتمثل في استيراد آلاف الأطنان من القمح الصلب بالعملة الصعبة لتزويد المطاحن المحلية رغم وجود فائض في الإنتاج المحلي وعجز الديوان المهني للحبوب عن تسويق 6 ملايين قنطار من القمح بعد أن عرفت أسعار القمح ذاته تراجعا في الأسواق الدولية. وحسب المصادر ذاتها، فإن هذا الإجراء وغيره من الإجراءات التي تضمنها مشروع قانون المالية التكميلي، يمثل إرهاصات مشروع نص قانون منع استيراد المنتجات الجاهزة و''القائمة السوداء'' للمواد المستهدفة والذي سيكون جاهزا خلال الدخول الاجتماعي المقبل.