باشرت لجنة رئاسية شكّلها الرئيس بوتفليقة مطلع شهر مارس المنقضي، تحقيقات ميدانية في فضيحة فشل "خارطة الصحة الجوارية" عبر الوطن التي ابتلعت ميزانية تفوق 15 مليار دينار من الخزينة العمومية دون أن تتمكن المؤسسات الاستشفائية المنبثقة عنها من التكفل بالمرضى. وسجلت تقارير وصلت مصالح الرئاسة من جهات مختصة تحوّل تلك الهياكل إلى عبئ كبير للصحة العمومية، حيث سجلت بها أكبر نسبة وفيات رغم الإخطارات التي رفعت للسلطات المركزية منذ عهد الوزير الأسبق عمار تو دون أن تجد الوضعية حلا. ويرمي العمل الاستقصائي الجاري حاليا لإعداد "ورقة-مشروع" لرد الاعتبار للصحة الجوارية الذي يعد هدفا محوريا ضمن مشروع الخارطة الصحية المستقبلية بالجزائر" حسب وزير الصحة الحالي عبد المالك بوضياف. وأوضحت مصادر مقربة من لجنة التحقيق عالية المستوى أن الخبراء أعابوا عدم قيام الدائرة الوزارية التي تعاقب عليها قرابة أربعة وزراء في العهدة الرئاسية الأخيرة بعدم تقييم الخارطة الصحية التي استنزفت أكثر من 15 مليار دينار من الخزينة العمومية لحد الآن، دون تحقيق نتائج مرضية، داعية إلى مراجعة السياسة الصحية المنتهجة. وكشفت مصادر واسعة الاطلاع من وزارة الصحة، أن المؤسسات الجوارية، التي انبثقت عن الخارطة الصحية التي وضعت في عهد وزير الصحة الأسبق، "عمار تو"، واستمرت إلى عهد الوزيرين "عبد العزيز زياري" و«عبد المالك بوضياف" تشهد حاليا تعثرا كبيرا، على اعتبار أن أكثر من 60 بالمائة من مديريها يزاولون مهامهم دون أي صلاحيات تنظيمية، بسبب رفض مديرية الوظيف العمومي الاعتراف بهم واستمرار التماطل في تسوية وضعيتهم. رغم إخطار الوزير لدى الوزير الأول المكلف بإصلاح الخدمة العمومية، محمد الغازي. وشددت المصادر أن لجنة تابعة لرئاسة الجمهورية كلفها الرئيس بوتفليقة مطلع شهر مارس المنقضي للتحقيق في أسباب ‘فشل هذه الخارطة الصحية على حد قولها باعتراف الرئيس بوتفليقة الذي انتقد ووبخ القائمين على القطاع في عدة مناسبات، حيث مرت سنوات على الشروع في تجسيدها ميدانيا ‘'ولازالت الجهات المختصة ترفض تقديم حصيلة تقييمية أولية". ونصت الخارطة الصحية الجديدة على إنشاء 1495 عيادة متعددة الخدمات و5117 قاعة علاج، بهدف تقريب المريض من مراكز العلاج وتخفيف الضغط عن المستشفيات. وتهدف بالمقابل إلى تحسين نوعية الخدمات من خلال إنجاز 88 مستشفى عاما، و94 مستشفى متخصصا، وأربعة معاهد محلية مختصة، فضلا عن 311 عيادة متعددة الخدمات و221 مركز صحي آخر، بالإضافة إلى وضع جميع الآليات للتكفل بالأمراض الوبائية من خلال 26 برنامجا خاصا بالوقاية، وثمانية برامج علاج وأربعة برامج دعم بتكلفة إجمالية قدرها 92 مليار دينار جزائري. والملاحظ أن هذه المؤسسات الجوارية المنشأة حديثا لم تلعب الدور المنوط بها، كما خطط لها، بسبب نفور المرضى منها لعدم حصولهم على الراحة والعناية المطلوبين وأحيانا تم تسجيل حالات وفاة بسبب نقص الإمكانات وعدم توفر أطباء الاختصاص، مما دفع بالفرق الصحية التي قامت بإنجاز التحقيق إلى التساؤل عن الجدوى من إنشاء مؤسسات جوارية لا تقوم بالعمل الجواري، خاصة بعد أن تأكد بأن حوالي 60 بالمائة من مديري هذه المؤسسات أطباء لا يحوزون على محضر تنصيب رسمي، بمعنى أنهم يزاولون مهامهم بطريقة غير قانونية. من جهة أخرى، كشفت مصادر متطابقة أن وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات لم تعين لحد الآن مديري الصحة بمراسيم رئاسية في 10 ولايات، لأسباب تبقى مجهولة، رغم ربطها من قبل البعض بامتيازات منحت لهؤلاء المديرين بالنيابة حتى يحالوا على التقاعد برتبة مدير بالنيابة، لأن الشروط القانونية لتولي الإدارة لا تتوفر فيهم. المصدر ذاته أكد أن هذه الولايات تعاني فيها الطواقم الطبية وشبه الطبية والعمال من مشاكل لا يستطيع مديرو الصحة بالنيابة التكفل بها محليا دون العودة إلى الوزارة الوصية.