جاء نفي السلطات الفرنسية لما ورد في مجلة "فوكيس" الألمانية من معلومات تتهم باريس بتقديم فدية مالية قدرت ب18 مليون أورو إلى جماعات متشددة في سوريا من أجل إطلاق سراح صحافييها الأربعة الذين كانوا مختطفين فيها منذ شهور، باردا جدا ولم يتطرق إلى التفاصيل الدقيقة، وكأنه نفي لتفادي التأكيد فحسب. فالمجلة الألمانية نشرت رواية متكاملة حول القضية على أنها تسريبات من مصادر موثوقة في حلف شمال الأطلسي لم تكشف عن هويتهم بدأت من انتقال وزير الدفاع الفرنسي جون ايف لودريون إلى تركيا جوا، ثم إشرافه على نقل مبلغ الفدية عبر عملاء أتراك، في حين تجاوز بيان النفي الرسمي هذه التفاصيل ولم يتطرق إليها، مما يعيد مجددا مسألة ازدواجية المعايير في تعامل باريس الجماعات الإرهابية التي تطلب فدية مالية مقابل الإفراج عن مواطنيها المحتجزين لديها، وهو ما يساهم في زيادة قوة هذه الجماعات وتطور وسائل الأسلحة. فالبرغم من أن باريس في خطابها المعلن تعبر عن التزامها بالاتفاقيات الدولية المبرمة من أجل تحريم دفع فديات إلى المجموعات المتشددة، إلا أنها في السر تسارع إلى عقد صفقات تبادل سرية مع التنظيمات المسلحة مقابل إطلاق سراح مواطنيها، في عهدي كلا من الرئيس السابق نيكولا ساركوزي والحالي فرانسوا هولاند، في محاولة منهما للخروج من الضغوط الشعبية والإعلامية التي تنتج عن سقوط مواطنين فرنسيين في أسر جماعات خارج بلادهم. كما تنضم هذه الاتهامات الموجهة إلى باريس والتي نفتها بطريقة غير مقنعة، إلى قضايا مماثلة ثبت فيها تورط هذا البلد الذي أعلن عن عملية عسكرية ضد الجماعات المسلحة في منطقة الساحل والصحراء، في حين تمثل أموال الفديات التي يدفعها لهم سنويا إلى كنوز ثمينة بيد الإرهابيين، يدفعونها في شراء أسلحة وتجنيد مقاتلين جدد في صفوفها، وهو ما يزيد من خطرها على دول المنطقة ومنها الجزائر، التي لديها دبلوماسيون معتقلون منذ ما يفوق السنتين في شمال مالي، لكنها رفضت أن يتم الإفراج عنهم مقابل تلبية طلباتها التي تنوعت بين تقديم مبالغ مالية وإطلاق سراح إرهابيين معتقلين في الجزائر. وتزيد خطورة الاستراتيجية الفرنسية المبنية على اللجوء إلى الفدية مقابل إطلاق سراح المحتجزين لدى الجماعات الإرهابية مع الدعوات الأخيرة لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري إلى اختطاف مواطنين من جنسيات غربية والمطالبة بفديات مالية مقابلهم، من أجل تمويل نشاطاتها في مناطق تواجد فروعها ومنها ما يعرف بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي يشمل المغرب العربي ودول الساحل الإفريقي. هذه التصرفات الفرنسية التي تصب في مصلحة الجماعات الإرهابية، لا تراها باريس سوى برغماتية من أجل حل أزمات مواطنيها المحتجزين وعائلاتهم، مقابل فتح المجال أمام مشاكل أعوص من الفديات التي تزيد من خطر الجماعات الإرهابية ونفوذها.