دشّن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أمس، عهدته الرئاسية الرابعة بدعوتين، وجههما لفئتين من أبناء الشعب، يشكلون عودة الاستقرار في الوطن، الأولى دعوة وجهها إلى من سماهم "أبناؤنا الضالون"، داعيا إياهم إلى العودة مجددا إلى الديار، وقال بأن يد الجزائر ما زالت ممدودة لهم، والثانية، وجهها إلى الطبقة السياسية والمجتمع المدني، داعيا إياهم إلى المساهمة في مراجعة "توافقية" للدستور، وقال بأن القوى السياسية والمجتمع المدني ستستدعى قريبا إلى سلسلة مشاورات جديدة حول الموضوع، وأعلن رئيس الجمهورية، أنه سيعيد عما قريب فتح ورشة الإصلاحات السياسية التي ستفضي إلى مراجعة الدستور مراجعة "توافقية"، مؤكدا أن تقدم البلاد لا يحتاج فقط إلى "استقرار داخلي" وإنما إلى"وفاق داخلي". ورسم الرئيس بوتفليقة في أول خطاب له خلال أول يوم له من العهدة الرئاسية الجديدة، المحاور الأساسية التي ستقوم عليها سياسته في إدارة شؤون البلاد خلال هذه العهدة. فعلى الصعيد الأمني، أكد بوتفليقة مواصلة المصالحة الوطنية لتحقيق الاستقرار، وعلى الصعيد السياسي أعلن عن إشراك الطبقة السياسية في تحضير دستور توافقي، كما أعلن عن مواصلة الإصلاحات في جميع القطاعات وفتح مزيد من الورشات. أوضح الرئيس بوتفليقة في خطاب مكتوب تضمن 11 صفحة، وزع على ممثلي الصحافة، الذين حضروا مراسيم أداء اليمين الدستورية بقصر الأمم أنه يعتزم إعادة فتح ورشة الإصلاحات السياسية قريبا من أجل مراجعة الدستور، قائلا "إنني من منطلق ما يحذوني من إرادة حازمة بتعزيز وفاقنا الوطني وجعل الديمقراطية تقطع أشواطا نوعية جديدة، سأعيد عما قريب فتح ورشة الإصلاحات السياسية التي ستفضي إلى مراجعة الدستور مراجعة توافقية". مشاركة جماعية لصياغة دستور توفقي وأكد في هذا الشأن، بأن الطبقة السياسية وأبرز منظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية ستستدعى عن قريب للمساهمة في هذا العمل، "البالغ الأهمية" وشدّد بوتفليقة بالقول إن المراجعة المقبلة للدستور ستكون "في كنف احترام المبادئ التي يمنع الدستور بالذات المساس بها ودون إضرار بمواقف المشاركين في الاستشارة التي سنجريها". وعن أهم المحاور التي سيركز عليها التعديل الدستوري المقبل أشار بوتفليقة إلى تعزيز الفصل بين السلطات وتدعيم استقلالية القضاء ودور البرلمان وتأكيد مكانة المعارضة وحقوقها وضمان المزيد من الحقوق والحريات للمواطنين، كما أبرز ضرورة الذهاب إلى "دستور توافقي". وخاطب بوتفليقة الجزائريين "إنني لما استجبت لنداءاتكم الكثيرة التي دعتني للترشح أصبحت مدينا لكم كذلك بتعهدات والتزامات"، وأضاف "الآن وقد انتخبتموني رئيسا، فعلي أن أؤكد لكم، بدءا من يوم الناس هذا، تلك التعهدات والالتزامات، على أن تكون لي الفرصة، خلال الأسابيع والأشهر المقبلة بإذن الله، للعودة إلى كل منها بالتفصيل، أولا بأول، بالتساوي مع ما سيباشر من أعمال لتجسيدها". وقال رئيس الجمهورية في هذا الشأن "إنني، إذ أجدد أمامكم بعض هذه الالتزامات الكبرى، إنما أحرص، قبل كل شيء على الجزم لكم بأن البرنامج الذي منحتموني على أساسه أغلبية أصواتكم هو التزام مقدس مني تجاهكم، إننا سنعمل معا على تنفيذه، ومعا سنجسده بعون الله". القانون سيضرب بيد من حديد كل اعتداء إرهابي وجاء في كلمة الرئيس "إنني أباشر هذه العهدة التي خولتموني إياها من حيث هي تضحية في سبيل الوطن، الذي أفنيت زهرة عمري في خدمته، وبرهان آخر على وفائي لرفاق النضال الذين استشهدوا في ميادين الوغى دون أن تقر أعينهم بالجزائر المستقلة". وتعهد بوتفليقة بأنه سيكون رئيس جميع الجزائريين، أيا كانت انتماءاتهم الحزبية أو السياسية، داعيا الجميع إلى مساعدته في خدمة الوطن في كنف الهدوء والطمأنينة اللذين لا شيء يتحقق أو يدوم بدونهما حسب الرئيس والعمل سويا للتغلب على كافة الآفات التي تنال من الشعب ومن ثرواته ومنها فقدان الحس المدني، والبيروقراطية والفساد. كما دعاهم إلى الانخراط سويا في بناء جزائر الحداثة في كنف التمسك بالثوابت الوطنية ومقومات هويتنا الوطنية من إسلام وعروبة وأمازيغية. أما على الصعيد الأمني، فقد أكد بوتفليقة أن أولى التزاماته خلال هذه العهدة هو العمل مع الجزائريين على الحفاظ على استقرار البلاد، وقال في هذا الشأن "إن يد الجزائر ما تزال ممدودة لأبنائها الضالين الذين أجدد لهم الدعوة للعودة إلى الديار"، وأضاف "إن المصالحة الوطنية تبقى أولويتي، باسم الشعب الذي اعتنقها وتبناها، إلا أنه أضاف "القانون سيضرب بيد من حديد كل اعتداء إرهابي يستهدف أمن المواطنين والمملتكات"، مؤكدا أن الجزائر ستبقى، شريكا مخلصا في محاربة الإرهاب. ولدى تطرقه إلى دور الجيش ومصالحه الأمنية في حماية البلاد من أي محاولة تخريبية أو إجرامية دعا رئيس الجمهورية المواطنين إلى أن يضعوا مصلحة الوطن "فوق أي خلاف أو اختلاف سياسي حتى وإن كان الخلاف والاختلاف - كما قال- من الأمور المباحة في الديمقراطية"، مؤكدا أنه لا يمكن لا للديمقراطية، ولا للتنمية، ولا لأي مطمح وطني آخر أن يتحقق له التقدم دون استقرار داخلي، بل ودون وفاق وطني وطيد يكون أفضل حماية للبلاد من أية عملية مناوئة قد تهدده من الخارج. عملية إصلاح العدالة ستتواصل كما توقف رئيس الجمهورية مطولا عند ملف الإصلاحات والورشات التي سيتم فتحها، وأعلن بالمناسبة أنه سيفتح ورشة أخرى لتحسين جودة الحكامة والقضاء على البيروقراطية خدمة للمواطنين والمتعاملين الاقتصاديين ومن أجل ترقية لا مركزية تقوم على ديمقراطية تشاركية للمجتمع المدني في المساهمة في التسيير المحلي، كما أشار إلى أن عملية إصلاح العدالة ستتواصل وكذا محاربة الجرائم الاقتصادية وفي مقدمتها الفساد وحماية الإطارات المسيرة في أداء مهامها، وتعزيز أمن المواطنين، وممتلكاتهم ضد كافة أشكال الإجرام والعنف وكذا مواصلة التنمية لأجل بناء اقتصاد متنوع يكون مكملا لإمكانات المحروقات. وتطرق الرئيس بوتفليقة من جهة أخرى إلى مواصلة الجهود من أجل تطوير الفلاحة والمناجم والسياحة وغيرها وكذا دعم المؤسسات والمستثمرين العموميين والخواص وإشراك الأجانب في عملية التنمية الوطنية وتقويتها على أساس المصلحة المتبادلة ونقل الخبرة والتكنولوجيا. كما وجّه بوتفليقة شكره وتقديره إلى المترشحين الذين نافسوه في الانتخابات الرئاسية، وكذا أعوان الدولة، في صفوف الجيش الوطني الشعبي، ومصالح الأمن والوظيف العمومي، الذين سهروا على تنظيم هذا الاقتراع وتأمينه وضمان حسن سيره، وكذا للمنظمات الإقليمية والمنظمات غير الحكومية على قبولها تلبية دعوة الجزائر بإرسال ملاحظيها ليشهدوا على الظروف التي جرى هذا الموعد الانتخابي في كنفها. الدولة ستبقي على دعمها وأكد بوتفليقة أن البرنامج الخماسي المقبل للاستثمارات العمومية سيكون برنامجا مكثفا لصالح سائر القطاعات وكافة مناطق الوطن وسيشمل تدابير جديدة لفائدة ولايات الجنوب والهضاب العليا، إلى جانب المناطق الجبلية لتدعيم محاربة الفوارق الجهوية، كما أعلن رئيس الجمهورية عن أن الدولة ستبقي على دعمها للفلاحة وللمؤسسات والمستثمرين العموميين والخواص دون أي تمييز، مؤكدا أن إسهام الشركاء الأجانب سيبقى مطلوبا من أجل مرافقة تنميتنا الوطنية وتقويتها، على أساس المصلحة المتبادلة، ونقل الخبرة والتكنولوجيا. وقال في هذا الشأن "نتوقع من شركائنا وأصدقائنا تفهم طلباتنا لفائدة العاملين الجزائريين، حيث يكون التبادل الأكثر قوة الذي نتجه إليه منصفا ومتبادل المنفعة. كما أكد الرئيس أنه سيحرص على جودة التنمية البشرية في مجال التعليم والتكوين والصحة خاصة، والعناية، بحقوق المواطنين المحرومين وبواجبات المجتمع تجاه الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وأنه سيسهر على ترشيد النفقات العمومية لتجنب التبذير وحتى يذهب دعم الدولة بشتى أشكاله إلى مستحقيه وتواصل تخصيصه لمن هو أهل له حقا، لا سيما في مجال السكن والتعليم والعلاج، وللمتقاعدين وللقدرة الشرائية للمعوزين. ووعد بوتفليقة بالعمل على إدماج الشبيبة في عالم الشغل وتوفير التكوين الجيد لهم، ودعم التشغيل في قطاعات الاقتصاد المختلفة، وتوفير الدعم والمرافقة للشباب من أجل تمكينهم من إنشاء نشاطاتهم الخاصة والإسهام بذلك في تنمية البلاد. وعلى الصعيد الخارجي، جدد رئيس الجمهورية التزام الجزائر في بناء الوحدة المغاربية، والمساهمة على الدوام في منظمات دولية منها الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي وترقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن الجزائر "ستظل وفية لمبادئها وللصداقات التي تجمعها مع بقية العالم". وقال بأن الجزائر ستبقى فاعلا ملتزما في المجموعة الدولية لصالح السلم والأمن والتعاون في العالم ومن أجل نصرة القضايا العادلة. وستكون على الدوام عضوا ملتزما في جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي لصالح تحقيق أهدافهما في دعم القضايا النبيلة ومنها القضية الفلسطينية، ولصالح الوحدة والأخوة والاندماج الجهوي.