تلقت الساحة السياسية مسودة تعديل الدستور، كما وعد بذلك رئيس الجمهورية خلال اجتماع مجلس الوزراء في ال7 من ماي الجاري، هذه الوثيقة التي حملت عديد المقترحات في مختلف أبواب وفصول الدستور الحالي، وستنظم لقاءات مع الجهات التي أرسلت إليها هذه الدعوات، خلال شهر جوان المقبل، على أن يتم لاحقا الاتفاق على تحديد تواريخها. دسترة السلم والمصالحة الوطنية تطرقت مسودة تعديل الدستور إلى العديد من النقاط الحساسة مست كل من الديباجة، المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، وتنظيم السلطات، وأول مقترح جاء ليمجد الشعب الجزائري باعتباره هو من أقدم على تشييد دولة عصرية كاملة السيادة في الوقت الذي ينص الدستور الحالي في الديباجة على أن جبهة التحرير الوطني هي التي شيدت هذه الدولة، ويأتي هذا بعد الجدل الذي أثارته مجموعة من الأحزاب التي طالبت بإحالة الحزب العتيد على المتحف. كما اقترحت المسودة دسترة "السلم والمصالحة الوطنية" من خلال إدراجها ضمن أهم المقاطع الدستورية المتمثلة في الديباجة، ليضاف إلى ثوابت الأمة التي ينبغي البذل من أجل الدفاع عنها، في ظل الأصوات التي ارتفعت مؤخرا والمطالبة بترقية المصالحة الوطنية. محاربة الفساد بنصوص دستورية وكرست مسودة الدستور التي تلقتها الأحزاب السياسية، محاربة الفساد بكل أشكاله من خلال تعديل المادة 08 وإضافة فقرة تنص على حماية الاقتصاد الوطني من أي شكل من أشكال التلاعب، أو الاختلاس، أو الرشوة، أو التجارة غير المشروعة، أو الاستحواذ، أو المصادرة غير المشروعة، وبذلك تكون المسودة استجابة لمطلب مكافحة الفساد من خلال دسترة ذلك بعدما كانت النصوص، خاصة قانون العقوبات هو الذي ينص عليها. كما كرس ذلك من خلال إعادة النظر في صياغة المدة 21، حيث إن كل من يتم عن طريق الرشوة مهما كانت طبيعتها يكون محل مصادرة طبقا للقانون. مادة جديدة تكفل حق التظاهر سلميا وبخصوص الحقوق والحريات، عملت مسودة الدستور على تجسيد "المناصفة" بين الرجل والمرأة "كغاية قصوى". كما أن حرية ممارسة الشعائر الدينية مضمونة. فيما أكدت المادة 41 على أن حريات التجمع والتظاهر سلميا مضمونة للمواطن، وخصت المسودة الإعلام بالمادة 41 مكرر تنص على أن حرية الصحافة مضمونة، وغير مقيدة بأي شكل من أشكال الرقابة الردعية المسبقة. تفويض ممارسة السلطة التنفيذية للوزير الأول عادت مسودة الدستور إلى تحديد العهدات الرئاسية وتعديل المادة 74 على أن تكون مدة العهدة الرئاسية خمس سنوات ويمكن تجديد انتخاب رئيس الجمهورية مرة واحدة، فهل كرست هذه المقترحات النظام الرئاسي القائم؟، خاصة وأنه يتحدث عن الوزير الأول وليس رئيس الحكومة، وسكت عن كيفيته تعيينه!، وبعدما لم تغير إلا الفقرة الثامنة من المادة 77 المتعلقة بمهام الرئيس، والتي نصت على أن الرئيس يوقع المراسيم الرئاسية ويمكنه أن يعرضها، عند الاقتضاء، على مجلس الدولة لإبداء رأيه فيها مسبقا، وقد غاب عن هذه المسودة مقترح نائب الرئيس بعدما كثر الحديث عنه، غير أنه أضيفت مادة أخرى هي المادة 81 مكرر التي تنص على أنه يمكن الوزير الأول أن يتلقى من رئيس الجمهورية، ضمن الحدود التي يضعها الدستور، تفويضا لممارسة السلطة التنفيذية، فهل هذه المادة تعوض نائب الرئيس؟ توسيع صلاحيات مجلس الأمة كما وسعت المقترحات التي تلقتها الأحزاب السياسية من صلاحيات السلطة التشريعية، بعدما أوجبت على المجلس الشعبي الوطني تخصيص، في كل دورة، جلسة لمراقبة عمل الحكومة بحضور الوزير الأول. مع العلم أن المادة 119 نصت على توسيع صلاحيات مجلس الأمة من خلال منح أعضائه "حق المبادرة بالقوانين"، غير أنه تم تحديد مجال الاقتراح في مادة جديدة 119 مكرر وهي "مشاريع القوانين المتعلقة بالتنظيم المحلي وتهيئة الإقليم والتقسيم الإداري"، حيث لا يمكن لهم اقتراح قوانين إلا في هذه المواضيع. ولم يكن في الحسبان أن يعاقب الدستور على التجوال السياسي الذي عانت منه بعض التشكيلات السياسية وألحت أخرى على ضرورة تجريمه، لتضاف المادة 100 مكرر لتنص على أنه "يجرد من عهدته النيابية، بقوة القانون، المنتخب في المجلس الشعبي الوطني أو مجلس الأمة المنتمي إلى حزب سياسي، الذي يغير خلال عهدته، الانتماء السياسي الذي انتخب بعنوانه من قبل المواطنين، كما تطرق أيضا إلى تعويضات النواب التي سيحددها قانون عضوي. قرارات المجلس الدستوري ملزمة لكل السلطات وفي الباب المتعلق بالرقابة والمؤسسات الاستشارية، تم اقتراح الرفع من عدد أعضاء المجلس الدستوري إلى 12 عضوا بعدما كان 9 ورفع مدة العهدة إلى 8 سنوات بعدما كانت 6، على أن يجدد نصف أعضائه كل أربع سنوات. كما تم إضافة مادة جديدة 164 مكرر 1 تنص على أن يؤدي أعضاء المجلس الدستوري اليمين أمام رئيس الجمهورية قبل مباشرة مهامهم. كما تم توسعة إخطار المجلس إلى سبعين نائبا وأربعين عضوا في مجلس الأمة، وهي النقطة التي طالبت أغلب التشكيلات السياسية بمراجعتها. كما أن قرارات المجلس الدستوري نهائية وملزمة لكل السلطات العمومية والإدارية والقضائية بموجب الفقرة 2 من المادة 169. للإشارة، أكدت رئاسة الجمهورية في بيانها، أن المقترحات موجهة على سبيل التنوير فقط، إذ لا تخضع ورشة مراجعة الدستور إلى أية حدود مسبقة، باستثناء تلك المتعلقة بالثوابت الوطنية وكذا بقيم المجتمع وبمبادئه.