صدر مؤخرا، للمؤلف الجزائري، محمد جديدي، كتابا معنون ب الحداثة وما بعد الحداثة في فلسفة ريتشارد رورتي عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت يتناول من خلاله فكرة عميقة، تدور حول الأوساط الفكرية والفلسفية والأكاديمية العربية، التي اعتبرها فقيرة من ناحية المدخل النظري الذي ينبغي سلوكه لفهم الفكر الأمريكي الحديث واختار الكاتب جديدي، الفيلسوف الأميركي، ريتشارد رورتي على وجه التحديد، لاعتقاده الراسخ بأنه الأكثر تعبيراً والأصدق تمثيلاً للثقافة الأمريكية في بعدها الفلسفي المعاصروللكتاب أهمية استثنائية، باعتباره يشكل إحدى الدراسات القليلة وربما النادرة، في الوطن العربي، التي من شأنها أن تفتح ملف ما يسمى ''الفلسفة الأمريكية'' الحديثة، على نحو غير مسبوق وفي حديثه عن الشكل البراغماتي للفلسفة الأمريكية، انطلق الكاتب من مسلمة مفادها أنها وليدة فائض القوة الأمريكية بشخصيتها المهيمنة على العالم ويبدو هذا التوجه من قبيل الخرافة الفكرية ومردّها إلى أن مظاهر التسلط والعنف والاستعلاء التي تمارسها الولاياتالمتحدة بوقاحة لا تؤدي في الغالب إلا إلى أنماط فلسفية هي من نسيج هذا التشبث بالبطش والاستهانة بالآخرين وطرح خلال عرضه للحقائق، تساؤلا حول ما إذا كانت ثمة صورة واضحة للفلسفة في أمريكا قد توحي، بشكل أو بآخر، بأنها تمتلك معالم أساسية في نشأتها وتطورها والنتائج النظرية المترتبة عليها وللإجابة على هذا السؤال المعقد والغامض في الأساس، ربط جديدي تحليله بفلسفة رورتي وما توصل إليه من آراء على هذا الصعيد• وهو يقارب هذه المسألة، في بعدها الواقعي بإثارة مرحلتين اثنتين: أولاهما، الواقعة بين الحربين العالميتين، وقد تميّزت بظهور القيادات الملهمة، والأخلاقية وهي الفترة التي شهت الانطلاقة الأولى للفلسفة البراغماتية على يد المفكر الأمريكي الكبير، جون ديوي والثانية، وتتناول المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ومن أبرز ما يميزها، ابتعاد الفلسفة عن الناس، بدليل أن المناقشات الفلسفية في تلك الأثناء كانت تدور بين فئة محدودة جداً من المثقفين داخل الجامعات وعلى صفحات المجلات