شكلت الزيارة الخاطفة التي قادت الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي للجزائر، مفاجأة للرأي العام، بعد أن تم الإعلان عنها دون ترتيبات أو مقدمات، فقد كشفت القاهرة عن موعد الزيارة في وقت متأخر من يوم أمس الأول، بينما لم يصدر في الجزائر قبل ذلك أي بيان رسمي بشأنها لاعتبارات قد تكون أمنية في مجملها على ضوء الترتيبات الخاصة التي رافقت تنقل السيسي في العاصمة. وإذا رافق الزيارة تباين في المواقف وسط الشارع الجزائري، فإنها ذات دلالات سياسية وأمنية واقتصادية قوية على المستوى الرسمي، فهي تؤسس لمحور أمني في منطقة شمال إفريقيا وجنوب البحر المتوسط، فضلا عن الأبعاد الاقتصادية التي تشكلها زيارة السيسي، الذي يعتمد على الدبلوماسية الهادئة البعيدة عن الأضواء من أجل تحسين صورة نظامه المتضرر جراء الإطاحة بالرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي. أمنيا فإن الوضع في ليبيا والحدود الليبية التي يتقاسمها الطرف المصري والجزائري تفرض تنسيقا أمنيا واستخباراتيا قويا بين البلدين، بعكس الجمود والانقطاع الذي كان حاصلا بين البلدين خلال فترة حكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك الذي عمل ولسنوات على تجييش الإعلام المصري ضد الجزائر بخلفيات سياسية تستعمل الرياضة كواجهة للتصعيد في العلاقات بين البلدين والشعبين. وإذا كان النظام المصري يريد تحسين صورته التي بدت للعالم قاتمة جراء القرارات الصادمة والأحكام القاسية التي يصدرها القضاء المصري في حق المعارضين والنشطاء والصحفيين والسياسة المتبعة ضد خصومه منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، فإنه يدرك ضرورة العمل في إطار مصالحة مصرية من أجل السماح لشركائه بالتحرك بعيدا عن الاعتبارات التي تفرضها الكثير من الظروف والمعطيات الدولية التي تلزم الحكومات باحترام حقوق الإنسان وترقيتها. أمنيا دائما فإن مصر توجد اليوم في مربع خطير بين التوتر في ليبيا وخطر الحدود مع إسرائيل والوضع المتوتر في السودان والخلافات والتهديدات القادمة من إثيوبيا بسبب سد النهضة، وهي تتقاطع أيضا مع الجزائر في الهموم الأمنية، حيث تحيط ببلادنا مجموعة من المخاطر الأمنية في الحدود التي تشكل تهديدا حقيقيا للاستقرار والأمن القوميين، وإذا ما أخذنا في الحسبان التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب، فإن التنسيق الأمني المصري الجزائري يمكن أن يثمر عن نتائج مهمة للغاية خصوصا ما تعلق بالجانب الليبي والإفريقي، وزيارة السيسي هي جزء من هذا الاهتمام المشترك الذي ستلعب فيه التسهيلات الجزائرية في ملف الطاقة من النفط والغاز على وجه الخصوص الورقة الرابحة في مشاورات ومفاوضات الطرفين مستقبلا، إذ تعتبر الزيارة طرقا للباب الجزائري ستترجمها السلطات المصرية بواسطة زيارات وزارية، خاصة ما تعلق فيها بالتموين بالغاز وهو المشكلة المصرية الكبيرة التي تؤرق سلطات القاهرة. بينما يعتبر الدور الجزائري في رفع قرار التجميد عن عضوية مصر في الاتحاد الافريقي دورا مهما في مسار العلاقات بين البلدين على ضوء منهجية وتصورات وحاجات نظام السيسي في التعامل مع الجزائر.