لم يكن تصريح مديرة مسابقات الجمال بفرنسا سابقا إلا التعبير العلني لما يقال في السر بين صنّاع القرار الفرنسي على مستوى الكثير من الدوائر، وغير بعيد عن توقيت هذا التصريح، كشف آخر استطلاع للرأي نشرته يومية "لوفيغارو" الفرنسية عن إمكانية فوز جان ماري لوبان زعيمة اليمين المتطرف برئاسيات عام 2017، وفي مفترق هذين الحدثين أكثر من دلالة تعكس تنامي الحقد الفرنسي إزاء كل ما هو خارجي عموما وجزائري تحديدا، حيث لازالت الدوائر الفرنسية تعتبر الجزائر من محمياتها، ومناطق نفوذها التاريخي والسياسي، وذلك لعدة أسباب تتعلق بفشل الدولة الوطنية كما يقال في تفكيك هذا القيد اللعين الذي ظل يطارد الجزائريين برغم ضريبة الاستقلال والتكلفة الباهضة التي دفعوها. تصريح "شمطاء الجمال الفرنسي"، "جونوفياف دو فونتوني" هو في حقيقة الأمر إذن ترجمة صريحة لمعتقدات سياسية في باريس، ولا يعقل أن يحاول منظمو مهزلة الخلاعة التي ضربت المجتمع الجزائري في الصميم استغفال الشارع بالقول إنها مجرد "زلة لسان" لأن "زلة اللسان" لا تأتي من العدم بل هي كما يقال "تعبير صادق عن مكنون النفس والمشاعر الحقيقية المخبئة أو المكبوتة لسبب أو لآخر"، لذلك لا يمكن اعتبارها مجرد هفوة يجب التغاضي عنها، بل رسالة سياسية "صادقة" كانت ترجمة حقيقية لما هو متعارف عليه لدى الفرنسيين الذين لم يستوعبوا بعد الجغرافيا الجديدة في المنطقة، وقد نتجت هذه القناعات الراسخة لدى السياسيين الفرنسيين بسبب حالة "الاسترخاء" التي ركنت إليها السلطة لسنوات طويلة في تعاطيها مع ملف العلاقات الثنائية، وبرغم محاولة الجزائر الوصول بتلك العلاقات إلى مستوى من الاحترام المتبادل، فإن الفرنسيين لا يريدون الاعتراف بالواقع الجديد الناتج عن الوعي الشعبي ووسط ملايين الجزائريين الذين يرفضون رفضا قاطعا أي وصاية أو تبعية جزائرية لفرنسا، حيث إن الأمر لا علاقة له لا بجيل الثورة ولا بجيل ما بعد الثورة، بل إن شبابا من موالد التسعينيات يتمتع برؤية سياسية لم تكن متوقعة، فهو يرفض الانسياق وراء التغريب والفرنسة السياسية للقرار الجزائري، بل يطالب بضرورة أن يتم اتخاذ مواقف حاسمة في التعاطي مع هذا الملف جملة وتفصيلا، وقد كشفت عن ذلك المواقف العاصفة التي عبّر عنها الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي عشية المشاركة الجزائرية في احتفالات عيد الاستقلال الفرنسي الأخير.