استقبل سكان ولاية تيزى وزو المناسبة الدينية العظيمة "عاشوراء" في أجواء تسودها المودة والرحمة وروح التآخي والتآزر. فمنذ القدم لم يفوت سكان ولاية تيزي وزو أي مناسبة دينية لإحيائها والاحتفال بها خاصة أن أغلبية مناطقها تعتبر مجتمعا ريفيا يغلب على نمط حياة سكانهم الطابع القروي، والذي يتجسد في تمسكهم بعاداتهم وتقاليدهم المتوارثة أبا عن جد، والتي لا تزال قائمة إلى يومنا هذا. كل عاشوراء يستقبل سكان منطقة القبائل بولاية تيزي وزو، هذه المناسبة الدينية بطريقة خاصة مميزة بتنظيم العديد من العادات والطقوس، وهي عادات وتقاليد تميزها عن باقي المناسبات الأخرى لاسيما أنها تتميز بإطلاق العنان لمشاعر التسامح والتآخي، لتتوطد صلة الرّحم ولمّ الشمل. فمهما كثرت النزاعات وتفاقمت الخلافات بين الأشخاص، وأفراد العائلة فإن مناسبة "عاشوراء" تلم شمل الأخوين. سكان منطقة القبائل والأمة الإسلامية عامة، يحتفلون باليوم الذي نجّى فيه الله تعالى نبيه موسى من ظلم فرعون وجنوده بالعبادة وصيام يومي التاسع والعاشر من محرم. ويعمد الذين منّ الله عليهم بالمال إلى إخراج زكاتهم في هذه المناسبة الدينية، طامعين في تطهير أموالهم وتزكيتها، حيث ورثوا هذه العادة عن الأجداد والآباء. وإلى جانب ذلك هناك عادات أخرى تتمثل في زيارة الأضرحة ومقامات الأولياء الصالحين للتبرك، وهي الوجهة الأولى لسكان منطقة القبائل وولاية تيزي وزو في التوجه في الصباح الباكر من عاشوراء. ففي منطقة القبائل تنظم "وعدات" والتصدق على الأولياء الصالحين بمجرد حلول أي مناسبة دينية، لاسيما عيد الأضحى وعاشوارء. ورغم موقف الدين الإسلامي الرافض، إلا أن العديد من العائلات في القرى الجبلية تتوافد على اضرحة،اولياء الصالحين خاصة بمنطقة بني دوالة على غرار قرية تقمونت عزوز يقومون بزيارة ضريح الولي الصالح "أمرابض موح" بحضور عدد كبير من الزوار من مختلف قرى ولاية تيزي وزووحتى من الولايات المجاورة وبعض انحاء قطر الوطن ،إلى جانب سكان القرية والمدعوين ،ونقلت بعض ما يمارس في الوعدة أوما يسمى بلهجة المنطقة" أستشي" من طقوس بحكم العادات والتقاليد المتوارثة أبا عن جد، حيث تقوم القرية المضيافة التي يستيقظ سكانها في الصباح الباكر من اجل استقبال الضيوف الذين فضلوا التنقل إلى عين المكان باكرا والمكوث لمدة يومين بضريح "أمرابض موح" من أجل التبرك والتصدق. وجدنا حشدا كبيرا من الوافدين من كل مكان، منهم عقلاء القرية كان لهم الشرف الكبير في حضور جميع الوعدات التي تقام بالمقام منذ أكثر من عشر سنوات ومعظم الأشخاص الذين حضروا الوعدة كانوا من أحفاد الولي الصالح ومن نسله والذين يقطنون بالعديد من المناطق البعيدة، وذلك تبركا بالولي الصالح لأن معظم الأهالي والوافدين يعتبرون حضور "الوعدة" من الأمور الضرورية والتي لا يجب التغيب عنها. وفي الصباح البكر يخرج الرجال الثيران لذبحها وسلخها وتقطيع اللحم لتحضير الوعدة. وجهة أخرى تقوم النساء وفتايات القرية بفتل الكسكسي في أجواء احتفالية مميزة، وفى اليوم الثاني يتم تحضير الوعدة مبكرا فيتم طهي الطعام على نار هادئة. وبعد وصول الأفواج الأولى من الزوار، تتبدأ النسوة في ملء قصاع كبيرة الحجم مع أطراف كبيرة من اللحم. وهي عادة دأب الأهالي عليها ليتناولها الزوار. وبحكم أصول الأهالي الذين ينتمون إلى القبائل الأمازيغية، فإن الوعدة التي تقام من أجل التصدق على روح الأولياء الصالحين بالمنطقة تسمى بلهجتهم "أستشي" بمعنى الوعدة السنوية التي تجمع أحفاد الوالي وزواره يتم من خلالها توزيع الكسكسى باللحم. وبعد أن ينتهى الحاضرون من تناول "الوعدة" يجلس بعض المقربين والشيوخ أمام الضريح لتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم والبقية يستمعون إليهم في خشوع حيث يسود هدوء رهيب لا تقطعه إلا رائحة البخور المنبعثة من قبر الوالي الصالح الذي كان محاطا بشموع ومغطى بإزار أخضر كتبت عليه آيات قرآنية. بعد التلاوة تبدأ الجماعة في ترديد بعض الأناشيد الأمازيغية. وتشهد العملية نفسها منطقة بوهينون حيث يتم تنظيم وعدة "سيدي عقاد". سكان قرية رجاونة المتواجدة على بعد 8 كلم عن مقر مدينة تيزى وزو تنظم وعدة سدي بلوى الوالي الصالح. وفي المناسبة يقوم سكان بلدية إيلولة أومالو التابعة اداريا لدائرة بوزقان بزيارة زاوية الشيخ العلامة "سيدي أحمد بن ادريس" بأعالي قرية "آيت علي أومحند" للاحتفال بهذه المناسبة الدينية العظيمة وهي فرصة لاجتماع النسوة من أجل الترويح عن النفس. ويتم الاستعداد ليوم عاشوراء في هذه الزاوية التي يعود تاريخ تأسيسها إلى منتصف القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) وقبل يومين أو أكثر يجتمع عقلاء القرية عادة داخل المسجد. وفي منطقة بني دوالة يقام كل سنة ما يسمى محليا ب"ثيمشرط" أو"الوزيعة" بمنطقة "أكال أبركان"، وهي عادة سنوية توارثها السكان عن أجدادهم منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة ولا يزال الأهالي يحافظون عليها لحد الآن وتتم في العديد من مناطق تيزي وز خاصة في القرى والمداشر بهدف توحيد العائلات الفقيرة منها والغنية وزرع روح التآخي والتآزر بين الجميع. ويقصد المكان العديد من العائلات من داخل وخارج الولاية لاسيما الجزائر العاصمة يعدّون بالمئات نظرا لقداسة المناسبة الدينية. تنتشر عادة "الوزيعة" عبر عدد من المقامات في الولاية على غرار ما يقام في "آث ولحاج" في دائرة واضية وبمنطقة الأربعاء ناث إيراثن يقوم سكان المنطقة بتنظيم وعدة سي "محند اونوغ" إذ يقوم أعيان القرى بالتحضير للعملية قبل "عاشوراء" بعدة أسابيع بجمع ما تيسر من المال من طرف السكان والمحسنين بشراء عدد من العجول والخرفان التي يتم نحرها ويتم تقسيم اللحم بالتساوي حسب عدد العائلات الموجودة في القرية. كما تشهد العملية بلدية عزازڤة وبالتحديد في زاوية "شرفة نبهلول" يتم في اليوم التاسع إعداد ما يسمى "ثيمشرط" أو"الوزيعة"، حيث يتم ذبح ثيران توزع لحومها على مواطني القرية، ويتم إعداد كسكسي باللحم يقدم في اليوم العاشر للمتوافدين على الزاوية بعد عملية إحصاء دقيقة لتأخذ نصيبها، وتعم الفرحة بين الجميع ويكون الفقير والغني في مثل هذا اليوم متساويين كما هو مطلوب في الدين الإسلامي الحنيف.