لم يكن تصريح السفيرة الأمريكية في الجزائر جون بولاشيك عن التقدم الكبير الذي عرفته علاقات الولاياتالمتحدةوالجزائر، مجرد تصريح دبلوماسي عابر، بالنظر إلى الجدل الكبير الذي اجتاح الساحة السياسية الجزائرية خلال الأسبوع الجاري، بعد لقاء تنسيقية الانتقال الديمقراطي الذي يعتبر تكتلا يجمع الكثير من الأحزاب والشخصيات المعارضة بسفير الاتحاد الأوربي بالجزائر ماريك سكوليل، والاتهامات التي أثارتها أحزاب الموالاة للاتحاد بالتدخل في الشؤون السياسية للبلاد، بالنظر إلى المواضيع التي تم طرحها التي تتعلق بالوضع السياسي الذي تعرفه البلاد على ضوء مختلف المبادرات، وأهمها التي تطرحها تنسيقية الانتقال الديمقراطي وتلك التي جاء بها حزب جبهة القوى الاشتراكية تحت مسمى مبادرة الإجماع الوطني. فتركيز السفيرة بولاشيك في حوارها مع وكالة الأنباء الجزائرية على ملفات الاقتصاد ودعم الجهود الجزائرية لحل قضايا دول الجوار في كل من ليبيا ومالي، وتعبيرها عن "رضا" واشنطن من الوضع الداخلي للجزائر، جاء مقصودا للتعبير عن رؤية مختلفة للإدارة الأمريكية إزاء الملفات الداخلية للجزائر، التي تعتمد على التعاون الاقتصادي الذي اعتبرت أنه يبدأ من الاهتمام بتطوير القطاعات الأخرى خارج المحروقات، بالإضافة إلى دعم الدور الجزائري في التصدي للتهديدات الإرهابية في الإقليم وتأييد مبادرات المصالحة التي ترعاها الجزائر في مالي وليبيا، من أجل مساعدة الدول المعنية في بناء أرضية للحوار الداخلي المفضي للمصالحة الوطنية. ويبدو أن السفيرة الأمريكية أرادت أن تستثمر في الجدل الكبير الذي أثارته لقاءات أحزاب وشخصيات المعارضة بسفير الاتحاد الأوربي من أجل ربح المزيد من النقاط، خصوصا أن المنطقة تعتبر ساحة لتنافس غربي محموم على النفوذ السياسي وضمان مزيد من الامتيازات الاقتصادية. وهو ما يفسر اللهجة البراغماتية في كلام السفيرة بولاشيك في التطرق إلى العلاقات الثنائية التي وصفتها بالأحسن على الإطلاق، وهو تعبير يحمل الكثير من المضامين السياسية في اتجاه تقارب أكثر مع السلطة، على عكس الاتجاه الذي جاء منه لقاء سفير الاتحاد الأوربي الذي ركز في نشاطاته على المعارضة، والذي ردت عليه أحزاب السلطة بلهجة شديدة، لاسيما من طرف الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار، الذي شكك في أهداف لقاء التنسيقية مع ممثل الاتحاد الأوربي حول ملفات تتعلق بالوضع السياسي للجزائر. وظاهر أن السفيرة أرادت استثماره في إرسال إشارات ضمنية في هذا الحوار الذي يعتبر أول لقاء مع وسيلة إعلام جزائرية بعد توليها منصب سفيرة الولاياتبالجزائر، في إظهار بلادها بمظهر الشريك الاقتصادي والأمني الذي ينأى عن التجاذبات السياسية الجزائرية، خصوصا أن "التدخل في الشؤون الداخلية للدول" هو التهمة المزمنة لواشنطن في معظم دول العالم.