لطالما شكلت الكتابة النسوية في الجزائر والعالم العربي محور نقاشات خلال الندوات ومختلف التظاهرات، حيث ظل الاعتقاد سائدا حول أن كتابة المرأة تحاول التخلص من عبء التقاليد وأعراف المجتمع الذي ينظر إليها ب''عين الريبة'' أحيانا، و''الحذر'' أحيانا أخرى، فيما ركزت نقاشات أخرى على تصوير هذه الكتابة لعلاقة الرجل بالمرأة سواء كزوجة أو أخت أو حبيبة·· ومن هذا المنطلق قدم الروائي محمد ساري ل''البلاد'' قراءته للمشهد الأدبي النسوي في الجزائر معتبرا أن هذه النوعية من الكتابة ترتبط ارتباطا وثيقا بذاتية المرأة الكاتبة التي تتحدث عن نفسها أكثر من أي موضوع آخر سواء تعلق الأمر بالشعر أو بالنثر، وذلك بعيدا عن الصراحة وباعتماد لغة التشاؤم والسواد الذي يعكس دائما صورة المرأة الضحية والمضطهدة والمغلوبة على أمرها؛ فتكون نهايتها حسب تلك الكتابات، مأساوية بسبب ضغوطات المجتمع والبيت والرجل، وهو الشريك الذي يكون غالبا موضوع الرواية أو القصيدة التي تكتسي، حسب محدثنا، الطابع الذاتي وتنم عن معاناة المرأة التي تبحث لها عن متنفس من خلال الكتابة؛ فتتحول الكتابة من مجرد نص نثري أو شعري إلى سلاح ضد مجتمع مليء بالضغوطات والقيود التي يعتبر الرجل أهمها · وبالرغم من هذا، يقول صاحب رواية ''الغيث''، فإن المرأة الكاتبة تخلصت نوعا ما من بعض القيود، خاصة في السنوات الأخيرة؛ حيث أصبحت تحتل مراكز هامة في جميع المجالات مقارنة بما مضى، ومع هذا تبقى هذه الحرية ''هشة'' بالنظر إلى عدة اعتبارات، كما جاء على لسانه·مستغانمي فشلت عالميامن ناحية أخرى، تحدث ساري عن أحلام مستغانمي مؤكدا أنها تتجه في أسلوبها إلى توظيف عبارات لمشاهير الأدباء أو أبيات لشعراء كبار مما يتعارض مع تقنيات كتابة الرواية التي تبنى أساسا على الأسلوب القصصي· وعلى الرغم من اعترافه بصاحبة ''عابر سرير'' كأهم الأسماء الأدبية البارزة في الجزائر والوطن العربي، إلا أن محدثنا يؤكد أن شهرة مستغانمي لم تتجاوز الحدود العربية ''شهرة الأديب تقاس بمدى نجاح روايته حينما تترجم إلى عدة لغات وهو ما لم تنجح فيه مستغانمي بعد ترجمة رواية ذاكرة الجسد''·ومن جانبها، تتساءل الروائية الجزائرية المقيمة في لبنان فضيلة الفاروق قائلة ''ماذا ينتظر القارئ الجزائري باللغة العربية من شاعرات الجزائر·· وماذا ينتظر الشعراء الرجال منهن''، لتؤكد في حديثها لنا أن ''متاهة الانتقاد'' التي تدور في الموضوع نفسه، تجعلها تطرح سؤالا جادا يستحق المناقشة ''لماذا لا يتغير المجتمع الجزائري نحو الأحسن لتتغير موضوعات الشعر''· ومن هنا تعتقد الفاروق أن الجواب سيكون مؤلما وهو أن المجتمع الجزائري مثل باقي المجتمعات العربية؛ هو الذي يقود الشاعر والمثقف وليس العكس، وهذا يعني، حسبها، أن موضوعات الشعر ستظل نفسها، مضيفة أنه إن كان المنزعجون من موضوعات المرأة التي تظل محصورة حول الجسد والمطالبة بالحرية؛ يطبلون بالموال نفسه؛ فلأنهم هم أنفسهم يمارسون دور السجان لهذه المرأة ويريدونها أن تظل ''معزاة'' تجر في قطيع مدجن، ''ولو أنها طليقة وحرة لأبدعت أشعارا وقصائد أخرى تغوص في عوالم الإنسانية الفسيحة''·وفي السياق ذاته، تعتقد محدثتنا أن بلادنا تمتلك شاعرات متميزات جدا، حيث أن الجزائر كانت دوما تنجب أقلاما جيدة مقارنة بالعالم العربي، لتعود وتؤكد أنه يوجد في الجزائر أيضا ''طواغيت الصفحات الثقافية'' و''طواغيت دور النشر'' و''طواغيت الملتقيات الأدبية'' و''مافيات'' تصر على أن تجعل سير عجلة الأدب والشعر والفن نحو الخلف، على حد وصفها، موضحة أنه في الوقت الذي تمثلنا فيه الشاعرة لميس سعيدي في محافل عالمية، تهمش في الجزائر ويعمل على طمس اسمها بينما تبرز ''شاعرات الركاكة''، وبينما تدرس نصوص نوارة الأحرش في جامعة ''هارفرد''، يعمل البعض في بلادنا على إعمار سور من العراقيل أمامها لتصعيب الحياة عليها· وتضيف محدثتنا بلهجة غاضبة أنه حين يصدر كتاب مثل كتاب يوسف وغليسي عن الشاعرات الجزائريات ويقدم نقدا لأعماق نصوصهن مع ''بيوغرافيا'' لهن لم ينجزها أحد قبله، يقصف حتى لا تتكرر التجربة مرة أخرى، ويتضح أن مجموعة ممن يدعين الشعر لسن بمقام الشعر نفسه، وأنهن لا يردن من الشعر سوى أن تكتب أسماؤهن في الجرائد، ويعشن غير مرئيات في مجتمع لا يقرأ متناسيات تماما أن الشعر ليس جبة ترتدى في عرس، وإنما الشعر نضال ورسالة ثم فن، كما جاء على لسانها·من ناحية أخرى، تعترف صاحبة رواياتي ''تاء الخجل'' و''أقاليم الخوف'' بأنها تجد موضوع الكتابة النسائية ''جارحا'' ويحتاج لمساحة أكبر للتحدث فيه، إذ لا يكفي، حسبها، أن تعطي رأيها بشكل مقتضب في مشكلة جعلتها تراكمات اجتماعية وثقافية عندنا؛ تتحول إلى ورم سرطاني يجب استئصاله ومعالجة الجسد الذي كاد يدمره ف''المشكلة ليس في الشاعرات الجزائريات بل في المجتمع الجزائري ككل، وفي الرجل المثقف تحديدا لأنه لا يزال مجرد حارس درجة ثالثة في سجن مجتمعنا العظيم''، على حد تعبيرها·الزواج يدفن الكتابة النسويةوإن كانت فضيلة الفارق لاتزال غاضبة من واقع المرأة والكتابة النسائية، فإن الروائي والقاص مصطفى فاسي يرى أن الكتابة النسوية في الجزائر لا تختلف كثيرا عن الكتابة في الوطن العربي، أو أنها تأخذ عدة أشكال وتصنيفات بالنظر إلى ثقافة المرأة الكاتبة واهتماماتها في مختلف المجالات؛ وبالنظر أيضا إلى ثقافتها وآفاقها·· وهنا استذكر محدثنا الروائية والوزيرة السابقة زهور ونيسي التي قال عنها إنها رائدة من رواد الكتابة النسوية في الجزائر والوطن العربي، وتشبه الرجال إلى حد كبير في موضوعات كتاباتها؛ حيث تكتب للوطن وقضايا المجتمع الهامة بعيدا عن الذاتية· كما يضرب فاسي مثلا آخر بالروائية أحلام مستغانمي معتبرا إياها واحدة من أهم الأقلام الجزائرية في تناولها لقضايا تحرر المرأة والمجتمع ''وهو ما يميزها منذ بداياتها في الكتابة''، مضيفا أن هناك نوعا آخر من التصنيفات للنساء الكاتبات اللائي يكتبن عن أنفسهن وتجاربهن الخاصة دون أن يفضحن أسرارهن؛ ولكن يكشفن عن اضطهاد المرأة في المجتمع والبيت· ومن هنا فالواقع المعاش، حسب فاسي، سواء كان مأساويا أو ورديا، هو المادة الأولية للكتابة بالنسبة للمرأة والرجل· ويعتقد محدثنا أن الزواج يعتبر واحدا من أهم القيود التي يمكن أن تحول دون حرية المرأة الكاتبة؛ فهذا الرابط يصبح في نظره قيدا أمام تسلط الرجل وكبته لأفكار زوجته الأديبة التي تجد نفسها أمام ''شرطي'' يراقب أفكارها ويصادر قناعاتها ومبادئها فتتحول الكتابة هنا من مساحة للتعبير إلى حيز ضيق يخضع لقناعات الرجل الآمر الناهي، على حد تعبيره·