عرفت الثقافة الجزائرية قفزة كمية وأحيانا نوعية منذ السنوات الأخيرة وبالأخص في العام الماضي حيث كانت الجزائر عاصمة الثقافة العربية، نجم عن ذلك تنظيم الكثير من النشاطات الثقافية من بينها الندوات والملتقيات والموائد المستديرة التي تناول فيها المشاركون الذين قدموا من مختلف أصقاع العالم، العديد من المواضيع المختلفة ، ويعد هذا خطوة كبيرة لصالح الثقافة الجزائرية من خلال الاحتكاك بالثقافات الأخرى والخروج من العزلة التي طالما عانت منها ثقافتنا، إلا أنه ومع ذلك لم يكن لهذا الفعل الأصداء المنتظرة منه والسبب هو قلة التنظيم وأحيانا انعدامه في هذه المناسبات وانحصاره في الشكليات لا غير، حيث يستدعى لتنشيط هذه التظاهرات الثقافية عدد كبير من المثقفين والأدباء المختصين من مختلف بقاع العالم كالصين واليابان وألبانيا وأمريكا هذا زيادة على البلدان العربية والأوروبية، ويجبرون على تقديم عصارة فكرهم في الموضوع المجتمع عليه في فترة زمنية لا تتعدى 10 دقائق وأحيانا قليلة 15 دقيقة، ولو تجاوزوا هذه الفترة المحددة، يتعرضون إلى التعجيل والإسراع، فلا يمكن لهم أن يقدموا ما جاءوا لأجله وفي أغلب الأحيان لا يتطرقون إلى صلب مداخلتهم ويتصرفون بارتباك كبير، وكأن المكلف بإدارة الندوة تختصر مهمته في تعجيل المتدخلين ومن ثم التعقيب على أقوالهم حيث يعطي لنفسه الوقت الكافي لذلك وفي هذا الحال لا يمكن لأحد أن يوقفه لأن مهمة التعجيل من مهامه لا من مهام الآخرين، أيضا في الكثير من الأحيان يطلب من المتدخل أن يعرض أفكاره التي لم يتمكن من عرضها في مداخلته في الفترة المخصصة للنقاش التي تلي المداخلات ولكن الحقيقة غير ذلك فالنقاش عادة يقوم فيه الحضور بتقديم أنفسهم وأرائهم لتكون بذلك مداخلة أخرى أو حتى يقدمون الشكر لفلان وعلان، فيضيع الوقت أكثر ولا أحد يستفيد. بالمقابل، يأتي المنظمون في بعض النشاطات بمفكرين وأدباء غير متخصصين في موضوع الندوة أو الملتقى المنظم فيكون "زي الأطرش في الزفة" وهو ما حصل نهاية الأسبوع الماضي في ندوة حول "إشكالية القراءة والقارئ في الجزائر" التي نظمت في إطار "المهرجان الثقافي الدولي الأول للأدب وكتاب الشباب" حيث استدعي للندوة أستاذ ياباني مختص في تاريخ المغرب العرب فقدم مداخلة لا علاقة لها بالموضوع بعد أن طلب منه أن يختصر وأن لا يتجاوز 10 دقائق وهو الذي قدم من اليابان إلى الجزائر لعرض موضوعا وإن كان مهما فانه ليست له أي علاقة مع الندوة فهل جاء الياباني للنزهة أم لكي يستفيد ونستفيد؟ صحيح أننا في عالم السرعة وأن المرء يتضايق من المداخلات الطويلة والتي تفقده تركيزه ، ولكن ما فائدة في دعوة مفكر من أقاصي العالم ولا يسمح له حتى بتقديم عصارة أفكاره في زمن أطول، وبدلا من ثلاثة أيام للملتقى فإما إطالة مدته وهو ما لا يريده البعض لأنه يزيد من نفقات تنظيم النشاط، أو دعوة أسماء محدودة ومختصة تماما في الموضوع حتى نستفيد جميعنا ولا تكون هذه التظاهرات مجرد شكليات بل تكن مضمونا أكيدا، وحبذا لو يتم إحداث نمط جديد من الندوات تكون فيها الكلمة لجميع المتدخلين من خلال تحديد وقت معين وطويل نوعا ما ليقدموا ما لديهم من علم وأدب وفكر ولن يكون ذلك بالأمر الممل لأن سيضم نقاشا مثمرا يشارك فيه حتى الحاضرون ويصيب الهدف الحقيقي من تنظيم مثل هذه التظاهرات وفي الصميم أيضا.