على غير العادة، أصبحت أسطوانة "التآمر" حاضرة بقوة في التصريحات الرسمية لعدد من الوزراء في حكومة سلال بشكل ملفت، إذ لا يكاد يمر أسبوع إلا ويسمع المواطن الجزائري عن وزير يشتكي من التآمر عليه من أطراف ما لم يتجرأ أي مسؤول على أن يكشف عن هوية هذا "الطرف المجهول" ولا نوع التآمر. شكاوى الوزراء تأتي في العادة لما يتعرض أحدهم لانتقادات تخص تسيير القطاع الذي يشرف عليه أو بعد تحركات نقابية ضد قرارات المسؤول على القطاع، فمن وزيرة التربية إلى وزير النقل عمار غول مرورا بوزير الطاقة يوسف يوسفي وصولا إلى وزير التجارة عمارة بن يونس، باتت رائحة المؤامرة تبرز بشكل صريح وبإقرار مسؤولين في الدولة، ليبقى العقل المدبر خارج مجال التغطية، وهيمنت نظريات المؤامرة على معظم ردود أفعال المسؤولين في حكومة سلال مؤخرا، حيث علق أكثر من 4 وزراء شماعة فشلهم في تسيير القطاعات المسؤولين(حسب ما يتهمهم به معارضيهم من سياسيين) على فكرة المؤامرة التي أججت القطاعات أو وضعتهم في مواجهة انتقادات لاذعة دون تقديم تعريفات لصاحب هذه المؤامرة التي تتضارب فيها مصالح خارجية وداخلية جعلت من فكرة المؤامرة قوة جذب بين مختلف الوزراء لتبرير فشلهم في تسيير معركة الاحتجاجات، حيث علقت وزيرة التربية نورية بن غبريت تحرك النقابات ضدها بعد عجزها في تلبية مطالب القطاع، مرجعة أعنف إضراب شل القطاع لقرابة شهرين بأنه لم يكن بريئا، وأكدت تعرضها لمؤامرة تستهدف قطاع التربية، متهمة نقابة الكنابست التي حركت الإضراب ومعها أطراف لم تحددها بالاسم، بمحاولة إغراق المدرسة في الإضرابات لضرب وتكسير القطاع للوصول إلى خوصصة المدرسة العمومية من خلال تشجيع التلاميذ على الاستفادة من الدروس الخصوصية والتوجه بعدها إلى مؤسسات التعليم الخاصة. عمار غول الرجل الأول في قطاع النقل لم يتوان هو الآخر في توجيه اتهامات ضد أطراف لم يحددها لكنه اتهمها بالتآمر على قطاعه بعد توالي سلسلة الفضائح التي هزت القطاع واستهدفت شركة الخطوط الجوية الجزائرية، حيث اختزل الوزير كل ما تعرض له في كلمة "مؤامرة" تهدف إلى زعزعة مكانة الخطوط الجوية الجزائرية في سوق النقل الجوي. وأوضح غول أن السيل الهائل من الإشاعات والضغوطات التي طالت هذه الشركة الوطنية لكسر سمعتها خدمة لمصالح أطراف أجنبية، لكن الوزير تحاشى تحديد هوية هذه الأطراف، ملمحا إلى وجود شركات عملاقة تسعى للهيمنة على السوق، وإنهاء حد لمنافسة شركة الخطوط الجوية الجزائرية وتشويه سمعتها عالميا، خصوصا أن الشركة تمكنت -حسب الوزير- من فرض نفسها في السوق الدولية وسط مؤسسات عالمية، وباتت تقلق جهات عدة. من جهته وفي أول رد فعل له على قرار الأول عبد المالك سلال ضد تعليمة بيع الخمور، قال وزير التجارة عمارة بن يونس إن الحملات التي يتعرض لها عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على خلفية قراراته لم ولن تؤثر فيه، مشيرا إلى أن هناك أشخاصا يتعمدون زرع الإشاعات وإثارة البلبلة، وهو يعرفهم شخصيا، في إشارة منه إلى المعارضين، متوعدا بالرد عليهم رغم أنه لم يحدد هذه الأطراف، لكنه توعد بإزعاجهم أكثر في المستقبل مما يوحي بوقوع حرب مصالح بين من يدعم هذا القرار ومن يريد التخلي عنه. الجامع بين كل هذه التصريحات هو عدم وجود أدلة صريحة مادية يكشف أصحابها حقيقة ما يخاط ضدهم والاكتفاء بتقديم خطابات وتفسيرات مبهمة توحي بوجود لوبيات تملك نفوذا مقلقا لدرجة خلق الفوضوى داخل مختلف القطاعات الحساسة دون كشف تفسير لأقوال أو تعرية هذه الجهات المتآمرة، كما أن العزف على وتر "المؤامرة" هو جزء من خارطة طريق تهدف إلى تصفية حسابات داخل أركان النظام وبين رموز السلطة ومعارضيهم في الساحة السياسية. على أي وزير أن يتقبل النقد لأنه شخصية عمومية على أي وزير أن يتقبل النقد لأنه شخصية عمومية اعتبر الوزير الأول السابق أبو جرة سلطاني أن الاتهامات والانتقادات التي يتعرض لها الوزراء أمر طبيعي، حيث قال في تصريح هاتفي ل"البلاد" إن الوزير حينما يفشل في تسيير قطاعه عليه أن يضع في حسابه أن يتعرض للانتقادات، فهو -حسبه- شخصية عمومية، موضحا أن الوعي الذي بلغه الرأي العام الذي بات يتابع ويفهم كل شيء بفعل التطور الإعلامي والتكنولوجي يجعله مخولا لمراقبة تسيير الوزراء بشكل أكبر وبات كل شيء أو كل القرارات قابلة للكشف. المحلل السياسي أرزقي فراد: التخفي وراء فكرة المؤامرة يعكس ذهنية الحزب الواحد من جهته، وصف المحلل السياسي أرزقي فراد أن التخفي وراء فكرة المؤامرة بالنسبة للمسؤولين أو الوزراء يعكس ذهنية الحزب الواحد والتفكير الأحادي، موضحا بأنها تبرير للفشل، والمفترض أن يكون هذا الطرح متبوعا بقرارات جريئة كأن يستقيل الوزير "الفاشل" على غرار ما هو معمول به في مختلف الدول الغربية، واعتبر فراد أن الحكومة الجزائرية ليست حكومة سياسية بل إن الوزراء -حسبه- هم موظفون في مهمة معينة باسم السياسة لأن حتما على أي وزير فاشل أن يواجه الانتقادات والتحرك النقابي، وهو ملزم لعلاج ذلك بتقديم مقترحات أو تصورات كفيلة بإنهاء فشله في تسيير القطاع، أو تقديم الاستقالة، وهو ما لا نجده لدى وزرائنا، وذهب المحلل السياسي إلى أبعد من ذلك بالقول إن فشل الوزراء يعكس فشل الرئيس في تشكيل حكومة سياسية بالمعنى الحقيقي. زهية رافع