قانونيون ومختصون يُجمعون: "جرائم القتل ردّ فعل بسيكولوجي على عنف المجتمع" عجز مختصون اجتماعيون وأمنيون ومختصو علم النفس عن تفسير الدوافع الأساسية التي أصبحت تتحكم في السلوكات العنيفة لدى مختلف شرائح المجتمع الجزائري، التي غالبا ما تحولت إلى جرائم قتل بشعة، حيث لا يغفل عن ذهن جزائري المنحنى السريع لتطور وانتشار مختلف جرائم القتل، خاصة تلك التي تكون لأسباب أقل ما يقال عنها "تافهة" لا تستحق أن تكون دافعا كافيا لارتكاب جريمة القتل، فحسب إحصائيات لمصالح الأمن الوطني تشير إلى تسجيل 51 قضية قتل خلال شهري فيفري ومارس، وهذا على مستوى الأقاليم الحضرية دون أن نتوصل إلى الكشف عن عدد الجرائم المرتكبة في المناطق شبه الحضرية، وعظم هذه الجرائم تصنف كقضايا الضرب والجرح العمدي المفضي إلى الوفاة أي عدم وجود نية أو ترصد للقتل، لكن نية الجاني تتمثل في ارتكاب سلوك عدواني عنيف ومعاقبة خصمه بأقصى العقوبات وإحداث ضرر له. فإذن هي جرائم قتل بشعة اهتّز لها المجتمع الجزائر، حيث عرفت زيادة سنة 2015، وعرفت منحى تطور سريع منذ شهر أفريل، هي قضايا تتمثل في القتل بتوجيه طعنات خنجر أو سكين أو أي وسيلة حادة مثل مفك البراغي أو مقلم الأظافر إلى أعضاء حساسة من الجسم قصد إحداث ضرر للضحية سواء إلى القلب أو الرأس، أو الفخذ أو البطن أو الكليتين وغالبا ما تتسبب في قطع الشرايين وهو ما يؤدي إلى الوفاة، أو عن طريق الذبح مباشرة، أو الضرب المبرح المفضي للوفاة. مجرمون يتفننون في ترويع وقتل البراءة آخرها، قضية الطفل رمزي بالأبيار الذي لم يتجاوز سنه ال 10 سنوات، تعرّض -حسب شهود عيان- إلى الضرب المبرح من طرف شخص بالغ، لم تتحملّ قوامه النحيلة تلك الضربات الموجعة مما أدى إلى وفاته بعد صراع في غرفة العناية المركزة، لتعود إلى الواجهة قضية الاعتداء على الأطفال، بعد أن شهدنا منذ سنتين جرائم قتل بشعة استهدفت البراءة على غرار الطفلة شيماء، سندس، هارون وإبراهيم وغيرهم، وهي جرائم هزّت المجتمع وزرعت فيهم الرعب والخوف والشكوك ولم يعد بإمكانهم مفارقة أبنائهم وأصبحوا يرافقونهم إلى مدارسهم في كل أوقات الدراسة. طفل آخر تعرَّض لترويع نفسي كادت تفضي إلى مقتله بوهران، حيث أقدم أربعة أشخاص على تحريض كلب على الطفل وترويعه، وهو يستغيث ويصرخ، بعكبة أيمن نور الإسلام البالغ من العمر 7 سنوات هو تلميذ في السنة الأولى ابتدائي، كاد أن يكون ضحية كيف لا وأن طفلا بالعاصمة قبل أشهر لفظ أنفاسه على مخالب كلب حوّله إلى أشلاء. جريمة قتل أخرى استهدفت مراهق في مقاعد الدراسة على وشك اجتياز شهادة البكالوريا لهذه الدورة، هي جريمة قتل مروّعة هزّت حي ديار الجماعة الشعبي ببلدية باش جراح بالعاصمة، راح ضحيتها شاب لا يتجاوز سنه الثامنة عشر تلقيه لطعنات خنجر في القلب، وذلك إثر مناوشات بينه وبين مجموعة من الشباب من حيّ آخر اعتدوا على صديق له، فتحوّل الحديث إلى شجار انتهى بإخراج أحد أفراد المجموعة خنجرا غرزه في قلب الضحية فأرداه قتيلا. وقبل هذا لم يكن يدري الشاب مهدي البالغ من العمر 22 سنة بحي شوفالي بالعاصمة، أن لكمة على رأسه سترديه قتيلا، إذ تعود تفاصيل القضية إلى وقوع حادث مرور خفيف وقع بين الشاب مهدي وشاب آخر، ونشبت بينهما مناوشات ليقوم الشخص الثاني بضرب مهدي بلكمة على مستوى الوجه والرأس ليسقط على الفور مغميا عليه من شدة اللكمة ليتبين بعدها أنه لفظ أنفاسه الأخيرة. واستيقظ منتصف شهر أفريل الماضي سكان مدينة بئر العاتر بولاية تبسة على وقع جريمة قتل بشعة، راح ضحيتها شاب يدعى "ج. الساسي" البالغ من العمر 25 سنة بعد تلقيه طعنة خطيرة على مستوى القلب إثر شجار وقع بينه وبين شابين ينحدران من مدينة الشريعة، وذلك على إثر مشاحنات ومناوشات نشبت قبل وقوع الجريمة بين الجاني والضحية لم تعرف أسبابها. وبمدينة بوقادير بولاية الشلف أواخر شهر جانفي الماضي، لقي شاب في العقد الثالث من العمر مصرعه إثر تعرضه إلى طعنة بواسطة بسلاح أبيض محظور، وعثرت المصالح الأمنية على جثة الضحية غارقة في دمائها بعد أن ألقى بها الجناة في مكان بعيد عن الجريمة. وغير بعيد بولاية تيبازة، تعرّض شاب في العشرينات إلى ضرب مبرح باستعمال آلة حادة أردته قتيلا وألقي بجثته على الطريق العمومي ببلدية الدواودة شرق الولاية، مما ترك حزنا عميقا لدى أسرته واهتز السكان على وقع هذه الجريمة البشعة. وقبل أيام، أدانت محكمة الجنايات لدى مجلس قضاء بومرداس شابا بعقوبة 18 سنة سجنا نافذا، لارتكابه جناية القتل العمدي التي راح ضحيتها جاره البالغ من العمر 21 سنة على خلفية شجار بسبب مبلغ 1000 دينار، بعد أن نشب بينهم شجار عنيف انتهى بتلقي الضحية طعنة بواسطة سكين أردته قتيلا. وبمدينة برج بونعامة بتيسمسيلت، لقي تلميذ يزاول دراسته في مرحلة الثانوي ويبلغ من العمر 19 عاما، حتفه على يد شاب عشريني، حيث وجّه للضحية طعنات قاتلة بواسطة مفك براغي على مستوى القلب والقفص الصدري عجّلت بوفاته أمام الثانوية. هي جرائم في معظمها ارتكبها شباب مراهقون وراح ضحيتهم شباب مراهقون وأطفال، لكن كما سبق وذكرنا أن جرائم القتل في المجتمع أصبحت ترتكب من طرف مختلف الشرائح في المجتمع كبار وصغارا، وفي حق الصغار والكبار أيضا، إذ لم تعد الروح البشرية تحمل أية قيمة، في ظل غياب أدنى القيم الإنسانية والأخلاقية والوازع الديني وحتى الروابط العائلية لم تعد عائقا لإزهاق روح قريبه، مثلما حدث شهر فيفري، حيث أقدم رجل على قتل زوجته بتوجيه لها طعنات وضربات خنجر آلة حادة في عدة أنحاء من جسدها حوّلتها إلى أشلاء، وحاول التمويه عن جريمته بافتعال قضية انفجار الغاز في منزله هو سبب وفاة زوجته. 1365 طفلا ارتكبوا جرائم مختلفة في الثلاثي الأول من سنة 2015 تورط 1365 طفلا في قضايا إجرامية خلال الثلاثي الأول سنة 2015، بينهم اثنين تورطا في القتل العمدي وأربعة في محاولة القتل العمدي، و7 أحداث تورطوا في قضايا عنف ضد الأصول وآخرين في قضايا عنف أدت إلى الوفاة. وقد أرجع مختصون أمنيون أسباب العنف المفضي إلى القتل في مجتمعنا إلى تدهور القيم الأخلاقية في المجتمع والغزو الإعلامي عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة في غياب المراقبة إلى جانب لامبالاة الأسرة واستقالة الأولياء وقصور الجماعات المحلية والجمعيات المختصة، حيث أكدت عميد الشرطة ورئيسة المكتب الوطني لحماية الطفولة والأحداث للمديرية العامة للأمن الوطني خيرة مسعودان، مؤخرا، أن مصالح الأمن تقوم بإجراءات قمع مشددة ضد كل من يحاول استغلال الأطفال في الجزائر على وجه الخصوص. وذكرت بأن 1281 طفلا تعرضوا لمختلف أشكال العنف خلال الثلاثة أشهر الأولى من سنة 2015 بينهم، 756 تعرضوا لعنف جسدي في حين تعرض 372 طفلا آخر لاعتداءات جنسية، و20 طفلا تعرضوا للاختطاف، في حين توفي 6 أطفال نتيجة الضرب والجرح. من جهة ثانية، يرى مختصون في التربية الوطنية أن 97 بالمائة من حوادث العنف في الوسط المدرسي تنتج عن أطراف خارجة عن نطاق المدرسة، كما كشفت الدراسات العلمية التي تمت على مستوى وزارة التربية الوطنية عن أن 3 بالمائة فقط من حالات العنف في الوسط المدرسي ناتجة عن أسباب ذات علاقة مباشرة بالمؤسسة التربوية وأطرافها والبقية ترجع إلى عوامل خارجية مثل الأسرة والرفاق وغيرها". قانونيون، نفسانيون ومختصون في علم الاجتماع يتحدثون عن الظاهرة الخطيرة من جهتها، أشارت المحامية فاطمة الزهراء بن ابراهم إلى أن القتل المرتكب في المجتمع يصنف إلى نوعين، القتل العمدي والقتل غير العمدي وهو الناتج عن الضرب والجرح المفضي إلى الوفاة، وبالتالي تختلف عقوبة كلا من الجريمتين، حيث تخفف العقوبة في حالة عدم وجود أركان الجريمة وأساسها التعمد أي شرطي سبق الإصرار والترصد والتعمد أي عدم وجود فكرة القتل، في حين الحالة الثانية، أين تشدد العقوبة وتصل إلى الإعدام هي في حال توفر الشروط السابقة الذكر وهي التحضير والترصد للضحية. أما فيما يتعلق بقتل القصّر فقانون حماية الطفولة وحده يحدد عقوبات صارمة، إذ تشدد العقوبات في كل الحالات لأن بنية الطفل لا تتحمل الضرب المبرح من طرف الكبار. وأرجع أخصائيون نفسانيون سبب انتشار القتل في المجتمع إلى مخلفات العشرية السوداء، حيث سادت مظاهر القتل بدون سبب وهو ما ترسّخ في الذهن، وسادت اليوم ثقافة حمل السلاح المحظور اعتقادا بأن ذلك تصرف للدفاع عن النفس فأصبحت حياة الجزائري بدون قيمة، وهو ردّ فعل بسيكولوجي عن سلوكات الانطواء والعزلة، الناتجة عن الاحتكاك المتواصل مع مختلف تكنولوجيات الإعلام والاتصال، حيث سادت لغة السكين والخنجر بدل لغة الحوار والتصالح والتفاهم، فكيف لشخص لا يلجأ للحوار مع أسرته أن يتفاعل ويندمج مع مجتمعه.