يفتح الكتاب الصادر مؤخرا حول الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران جدلا جديدا. هذا الجدل من شأنه أن يعيد حقبة الاستعمار الفرنسي بالجزائر إلى المربع الأول، وسط مفارقة مثيرة للغاية. الكتاب يكشف عن مسؤولية متيران إبان الوجود الفرنسي بالجزائر.. مسؤولية جنائية وأخلاقية وسياسية، حيث يدين الرئيس الفرنسي الأسبق ويؤكد مسؤوليته على الإعدامات التي تعرض لها الجزائريون وهو على رأس وزارة العدل آنذاك. أهمية الكتاب بالنسبة لنا كجزائريين تأتي من كون القضية تفجرت في الوقت الذي يتراجع فيه البعض عن إدانة الاستعمار، أو يتراجع عن العمل على إدانة جرائم الاستعمار الفرنسي على وجه التحديد. الكتاب مهم لنا أيضا كونه جاء ليؤكد مسؤولية السياسيين الفرنسيين والعسكريين أمام التاريخ الدموي للحقبة الفرنسية بالجزائر. لكنه وهذا مهم أيضا، جاء ليضع كل واحد في مكانه وبوجهه الحقيقي أمام الرأي العام في الجزائر، وأقصد بذلك السياسيين عندنا من الذين لا يستحون ولا يترددون في الإعلان عن استحالة تجريم الاستعمار الفرنسي من منطلق وضع الماضي في إطاره والالتفاف حول المستقبل! مسألة تجريم الاستعمار الفرنسي عندنا بدت وكأنها عملية مستحيلة، في حين لا يتردد بعض الفرنسيين من الباحثين عن الحقيقة في الكشف عن الملفات السرية وما حدث بعيدا عن الذاتية، وهذا من شأنه أن يزيل الغموض عن العديد من القضايا التي لازالت أسيرة الظلام ومنها أرشيفنا. إن الكتاب الجديد حول مسار متيران السياسي وحياته، وضع العديد من الأطراف في حرج كبير، مثلما أكد أن الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي بالجزائر كانت مع سبق الإصرار والترصد ضمن سياسة دولة استعمارية لا تختلف في بشاعتها عن جرائم النازية في أوروبا. ولذلك وجب التعامل مع كافة الأطراف المتهربة من تجريم الاستعمار مهما كان لونها على أنها تخفي جريمة أكبر اسمها السكوت على الماضي الأسود لفرنسا الاستعمارية التي نفذت جرائم ضد الإنسانية، وإذا كان السكوت الفرنسي مفهوما، فمن الصعب تفسير التغطية على الماضي الفرنسي بالجزائر من طرف جزائريين!