القانون الجزائري الأكثر تشددا في إجبار تأمين المستخدمينلايزال الأئمة الجزائريون الذين انتدبتهم وزارة الشؤون الدينية لإمامة الناس في مساجد فرنسا دون تأمين اجتماعي، رغم المخاطر التي تتهددهم، ورغم أنهم يتبعون هيئة رسمية عمومية وانتدابهم يستمر لمدة خمس سنوات، رغم أن التشريعات الجزائرية صارمة جدا في ميدان التشغيل وإجبار أرباب العمل على التصريح بالمستخدمين وتأمينهم، سواء كان رب العمل شخصا طبيعيا أو معنويا، رسميا أم خاصا، الأمر الذي لم تفعله وزارة الشؤون الدينية على مدار الأشهر الستة الأخيرة على الأقل لأسباب لازالت مجهولة. أئمة الجزائر في فرنسا يناشدون غلام الله إنها صرخة العديد من الأئمة الذين اتصلوا ب ''البلاد'' منذ قرابة سنة يستغيثون ويناشدون وزير الشؤون الدينية أملا في تسوية وضعيتهم ولم يكن اتصالهم بنا اختيارا، بل اضطرارا أمام عديد المراسلات والمكالمات والمساعي التي قاموا بها لدى الوزارة لتسوية وضعيتهم مع مصالح الضمان الاجتماعي في الجزائر ومن ثمة مع نظيرتها في فرنسا، لكن مساعي الأئمة المائة والعشرين المشكلين لاحتياجات فرنسا من الأئمة الجزائريين بقيت رسائل ميتة. كما ظلت استغاثتهم صرخة في واد ونفخة في رماد. هذه الوضعية دفعت أحد الأئمة إلى إرسال رسائل عبر البريد الإلكتروني إلى ''البلاد''.. ولما جاء هذا الإمام الرد من ''البلاد'' وتم التواصل بين الطرفين، تم الاكتشاف أن القضية لا تتعلق بإمام واحد راح ضحية خطأ إداري في الجزائر أو في فرنسا فحكم عليه بالخروج من طائفة المؤمّنين- بالميم الثانية المفتوحة وليس المؤمنين من الإيمان- بل القضية تتعلق بكل الأئمة المنتدبين بما في ذلك المرشدات الدينيات اللائي انتدبن هذه السنة ومنهن من وضعت مولودها وهي غير مؤمنة من وزارة الشؤون الدينية، الجهة المستخدمة ومع ذلك بقيت هذه المرشدة وهؤلاء الأئمة وهذا الإمام غير مؤمنين إلى غاية قرب انتهاء انتدابه، مؤمنا بإمكانية تأمينه، لكن الحقيقة غير ذلك والخبر اليقين ليس عند وزارة الشؤون الدينية، إنما عند المديرية العامة للضمان الاجتماعي. وزارة الشؤون الدينية خارج مجال التغطية لم نجد من سبيل إلا الاتصال بوزارة الشؤون الدينية لنحاول الوقوف على حقيقة موضوع تأمينات الأئمة المنتدبين، وكنا نتوقع ردا من المكلف بالإعلام ومستشار الوزير يكون لنا فيه شرف السبق بالإعلان أن وزارة الشؤون الدينية تضع حدا لمعاناة أئمتها في فرنسا، بعدما انتهت من معركة التكيف مع المستجدات القانونية وتدقيقات المديرية العامة للصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية للعمال الإجراء، غير أن مساعينا في محاولة الظفر بمكالمة هاتفية مع المستشار الإعلامي للوزير عبر هاتفه النقال راحت هباء، رغم الإلحاح والتكرار أياما عديدة وإن كان من عادته أن يكلمنا إذا ما تعذر عليه الرد علينا حينها، ومع ذلك حاولنا الاتصال بمكتبه عبر الهاتف الثابت وبالرقم المباشر، فلم نجد غير كاتبة المستشار وهي غير مؤهلة للإدلاء بأي تصريح إعلامي يتعلق بالوزارة، مادام المكلف بالإعلام في الحج ولما أبلغناها بأن الأمر مهم أشارت علينا بالاتصال بالأمين العام، لكن الأمين العام هو الآخر وبعد محاولات عدة أحالنا عبر الكاتبة على مدير الديوان بعدما مكّننا من رقم هاتفه المباشر، ولما اتصلنا بمكتب مدير الديوان أخبرتنا الكاتبة بأن مسؤولها المباشر في الحج ونائبه غير موجود في المكتب، وعلى هذا لم يكن ثمة داع لإثارة الموضوع مع الكاتبة، عكس كاتبة مستشار الوزير التي رفضت الخوض في قضية الأئمة المنتدبين غير المؤمنين في فرنسا، مؤكدة أنها لا تعلم عن الموضوع شيء وأنها غير مخولة بالإدلاء بأي تصريح إعلامي. وفي اليوم الموالي، أي يوم أمس، عاودنا الاتصال بالأمين العام بعدما تعذر علينا أول أمس وأخبرنا الكاتبة بأننا نريد أن نسأله عن وضعية الأئمة في فرنسا، وبعد لحظة عادت الكاتبة لتخبرنا أن الأمين العام لا يريد أن يكلمنا وأحالنا على مدير الإدارة، لكن للأسف هو الآخر كان في جلسة عمل وانتهت المكالمة على أمل أن يكلمنا على رقم الجريدة الذي تركناه عند الكاتبة ومعه موضوع الانشغال. عند المديرية العامة للتأمينات الخبر اليقين وعلى هذا الأساس، كانت وجهتنا المديرية العامة للصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية للعمال الأجراء ببن عكنون، لتقصي حقيقة ما يدّعيه الأئمة في المصلحة المكلفة بهذا الملف، وذلك بعدما مكّننا بعض هؤلاء الأئمة من رقم المحول الهاتفي ورقم المصلحة المكلفة بالملف، سألناهم ببساطة عن قضية الأئمة الذين انتدبوا إلى فرنسا، فأجابوا بالحرف الواحد أنهم غير مؤمنين، فكان السؤال الطبيعي الذي تبادر إلى أذهاننا هو محاولة معرفة السبب الكامن وراء هذه الوضعية غير القانونية، فكان جواب القائمين على المصلحة المعنية بالمديرية العامة للصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية للعمال الأجراء ببن عكنون، بأن وزارة الشؤون الدينية تتحمل مسؤولية التماطل وأن مهمة مصالح الضمان الاجتماعي بعدما تقرر وزارة الشؤون الدينية تسوية وضعية مستخدميها لا تتعدى عمل يوم واحد، ومع ذالك حاولنا أن نفهم الأمر بشيء من الدقة وبكثير من السذاجة، فعاودنا استفسار الموظف في الصندوق عن حقيقة ما يقع، فقال إن عملية التأمين السابقة التي كانت تقوم بها وزارة الشؤون الدينية غير قانونية، فطلبنا منها تسوية الوضع، ثم تلميحا لقطع المكالمة قال الموظف نحن عندما تسوي وزارة الشؤون الدينية أمورها، فإننا جاهزون لتسوية وضعية أئمتها حيال الضمان الاجتماعي سواء في الجزائر أو في فرنسا والعملية مع الرقمنة والإعلام الآلي لا تستغرق أكثر من لمسة واحدة على الحاسوب، كان هذا قبل حوالي ثلاثة أسابيع في مكالمة مسجلة والتسجيل محفوظ. وضعية لقمان الإمام وأمثاله على حالها لم تسل المعطيات التي وردت ل ''البلاد'' لعابنا الإعلامي، تعمدنا إثارة الفتنة في قطاع يغار عليه الجزائريون من منطلق حبهم للإسلام، لذا فضلنا قبل الشروع في كتابة هذه الحقائق التريث وانتظار ما قد تسفر عنه الأيام، رغم تأكيدات الأئمة عبر العديد من المراسلات الالكترونية أن دار لقمان على حالها، فعاودنا الاتصال ب ''الكناس''، غير أن المكالمة الثانية لم تنته إلا على عبارات إن شاء الله قريبا ستسوى الوضعية ويؤمن الأئمة المنتدبون، وعندما قلنا لهم إن مصادر من وزارة الشؤون الدينية أخبرتنا أن الأمر تمت تسويته، واجهنا موظف التأمينات بعبارة الثقة في الوثيقة يعني الأسود على الأبيض أو البيان، وذلك دفعا من الموظف لما تضمنته عبارتنا من تلميح لاتهامهم بالتقصير في تسوية الوضعية، رغم أنه حاول في المكالمتين إبداء كثير من التفهم لوضعية الأئمة المأساوية في فرنسا والتضامن معهم ومع أهاليهم الذين يتجشمون الصعاب ويقطعون المسافات من الولايات البعيدة في الجزائر بعد القارات عن بعضها البعض، وربما يبيتون في الحمامات من أجل الاستفسار عن وضعية ذويهم في بن عكنون أو في حيدرة، ولا شك أن الموظف في المديرية العامة كان قد تلقى مكالمات عديدة واستقبل أعدادا من المستفسرين حول قضية تأمين الأئمة في فرنسا. بعد ثلاثة أسابيع عاودنا الاتصال بالمديرية العامة للتأمينات الاجتماعية للمرة الثالثة، فوجدنا دار لقمان على حالها الأول، لا الوزارة أمّنت أئمتها ولا المديرية سوّت وضعية أئمة تريد الجهة التي تستخدمهم تحمل أعبائهم المالية أو لا زالت لم تتحمل هذه الأعباء، رغم أن بعضهم قاب قوسين من نهاية انتدابه بينما لم يمض على انتداب حوالي خمسين أو ستين منهم ستة أشهر أو أقل عن بداية انتدابهم بفرنسا، بما في ذلك المرشدات اللائي ينتدبن هذه السنة لأول مرة. ومع كل هذا اتصلنا بالمديرية وأرسلنا ''فاكس'' على الرقم 29 74 91 021 يتضمن السؤال عن وضعية الأئمة المنتدبين في فرنسا ومؤشر بختم يومية البلاد للمكلف بالإعلام على مستوى المديرية، وذلك بعدما انتهت بيننا المكالمة الهاتفية ورفض الإجابة عن سؤالنا عبر الهاتف وطالبنا بإيفادته بمراسلة رسمية وكان الأمر كما أراد، لكن إلى اليوم لم نتلق ردا، رغم أننا تلقينا وصل الاستلام وكنا على يقين أن المديرية وإن كانت ربما غير مطالبة بالكشف عن وضعية من انتسب إليها من الموظفين حيال التأمين أو تجديد التأمين وكنا نعلم بأن الجهة الوحيدة المخولة بالحديث عن وضعية الأئمة هي وزارة الشؤون الدينية ومع ذلك بقينا في انتظار رد المديرية ولكن.. القانون وما يكفله للائمة المنتدبين إلى فرنسا حسب المرسوم التنفيذي رقم 05138 المؤرخ في ربيع الأول عام 1426 الموافق ل 24 أفريل سنة 2005 المحدد للأحكام المطبقة على المستخدمين الدينيين الموضوعين تحت تصرف لجنة الأوقاف لتأطير النشاط الديني لدى مسجد باريس والذي وقّعه رئيس الحكومة آنذاك أحمد أويحيى، فإن المستخدمين الخاضعين لهذا المرسوم يستفيدون حسب أحكام فصول المرسوم من العديد من الامتيازات المالية العائلية عند الاقتضاء وهو ما يعني بالضرورة أن يكونوا مؤمنين وإن كان هذا المرسوم التنفيذي لم يشر إلى هذا الأمر. كما يستفيد هؤلاء الأئمة من تعويض جزافي شهري على السكن ومن تعويض خاص بمصاريف النقل لهم ولأسرتهم إن كانوا متزوجين، فضلا عن الأغراض الشخصية والأشياء المنقولة والسيارة الشخصية من فرنسا إلى الجزائر. كما أشار المرسوم التنفيذي إلى أن الاعتمادات الضرورية لدفع النفقات المنصوص عليها في الفصل الثالث من المرسوم في ميزانية وزارة الشؤون الدينية والأوقاف. كما تحول الاعتمادات المتعلقة بالتعويضات المنصوص عليها في المواد 14 و 15 و 17و 18 إلى سفارة الجزائر في باريس. صحف الفتنة عند غلام الله وكانت ''البلاد'' بتاريخ 12 جولية 2010 قد أثارت موضوع الأئمة الذين انتدبوا إلى فرنسا بمناسبة مناشدة بعض العاملين في الحقل الإسلامي في فرنسا الوزارة، ضرورة الاجتهاد والتحري والتسديد والمقاربة في انتقاء العارفين من الأئمة ضمن الخمسة آلاف أو يزيد من المرشحين للانتداب إلى فرنسا، لأسباب تتعلق بالواقع الاجتماعي الفرنسي وكذا ضرورة أن يمتلكوا ناصية اللغة الفرنسية، خاصة وأن الخطاب الديني غير الخطاب في المجالات العلمية الأخرى وهو يحتاج إلى اطلاع واسع بتعابير ومصطلحات تنم عن بذل جهد لغوي يفوق حدود الأدبيات لدى مقتحم ساحة الإمامة في فرنسا أو في غيرها من البلدان الأوروبية. وكانت ''البلاد'' بهذه المناسبة قد أقرّت جانبا من الانتقادات البناءة التي حاول أن يقدمها عز الدين قاسي، وهو رئيس المجلس الجهوي للديانة الإسلامية بمنطقة الألب التابع لاتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا في فرنسا، في حوار له مع إحدى اليوميات الصادرة بالفرنسية في الجزائر وبالمناسبة قالت ''البلاد'' آنذاك إن الزيارة التي قادت وزير الشؤون الدينية إلى فرنسا منذ الاستقلال لن تصلح ما أفسدته سنوات الهجران. وفي ثنايا الحديث عن ممارسات الترك والتخلي التي اعتادت عليها الوزارة بشأن الدور الجزائري حيال الإسلام في فرنسا، أثارت كتابات ''البلاد'' حفيظة الوزير الذي تهجم يوم 12 جولية من هذه السنة في اجتماعه بالأئمة الذين نالوا حظوة الانتداب، على يومية البلاد واتهمها بإثارة الفتنة ولكن لم يقل كلمة واحدة عن موضوع تأمين الأئمة، ولم نرد عليه في تلك الأثناء رغم أننا كنا قبل هذا قد أثرنا الموضوع حين نشرت ''البلاد'' رسالة هذا الإمام بالحرف الواحد وهو يشرح وضعيته، ويناشد الوزير تسوية وضعيته وقد حدث ذلك مع بداية السنة الجديدة، لكن الوزير لم ينبس ببنت شفة عن وضعية مستخدميه الذين زج بهم في بلد يعتبر التأمين أقدس نظام اجتماعي بالنسبة لمن يتواجد في حدود سيادته.. رغم المعاناة.. ستة آلاف طلب على الانتداب في بلاد الجن والملائكة! ورغم ما يعانيه الأئمة المنتدبون إلى فرنسا من ضياع للحقوق وغياب التغطية الاجتماعية وتأخر وصول رواتبهم الشهرية، حسب شهادات حية قدمها بعض هؤلاء الأئمة ل ''البلاد''، إلا أنهم يتسابقون ويبذلون ما في الوسع للظفر ولو مرة واحدة بالانتداب إلى فرنسا وقد تصل الطلبات حدود الخمسة أو الستة آلاف طلب من اجل 120 منصبا المشكلة لاحتياجات فرنسا من خدمات الأئمة الجزائريين الذين يفضلون السكوت على وضعيتهم إلا القليل. علما أن تجديد الانتداب لكل واحد منهم والحيلولة دون توقيفه يخضع في غالب الأحيان للخدمات التي عليه أن يقدمها.. ليبقى السؤال الكبير لماذا يسكت بعض الأئمة المنتدبين إلى فرنسا عن قضية التأمين الاجتماعي وكيف يواجهون أعباء العلاج والأدوية لهم ولأهاليهم، خاصة أصحاب الأمراض المزمنة منهم. علما أن الامتيازات المغرية والرواتب العالية لا تكفي لتكون جوابا على سر سكوتهم ليس فقط عن قضية التأمينات ولكن أشياء أخرى.