غابت نقابات التربية من واجهة النقاش المحتدم وسط مختلف شرائح المجتمع والصحافة الوطنية من جهة ووزيرة التربية الوطنية من جهة أخرى. وتساؤلات عدة تثار اليوم بشأن الغياب المتعمد للنقابات التي شلت القطاع من أجل الأجور والمنح والعلاوات، وزجت بمستقبل التلاميذ في أتون صراع كاد أن يفجر السلم الاجتماعي، ويضرب مستقبل امتحاني شهادتي البكالوريا والتعليم المتوسط. المقعد الشاغر للنقابات بمختلف مستوياتها، بما في ذلك تلك التي تعودت على نشر الدراسات والأرقام بشأن مستوى أجور الأساتذة وغيرها، هذا المقعد الشاغر يعتبر سقوطا حرا لأصوات عملت منذ أزيد من 5 سنوات على قيادة مواجهة حقيقية مع الحكومة، وصلت حد الصدام والتهديد بالخروج إلى الشارع من أجل مراجعة الأجور. ويرى البعض أن صفقة أبرمتها وزارة التربية مع نقابات القطاع بتحييدها من السجال الدائر بشأن تدريس العامية في التحضيري والسنة الأولى والثانية من الطور الابتدائي، وربما سيؤدي القرار إلى فتح شهية النقابات من أجل التفاوض على زيادة جديدة في الأجور، بحكم الزيادة في أعباء تعليم "العامية". لقد سبق لنقابات التربية أن واجهت اتهامات بتفاديها طرح النقاش البيداغوجي مع الوزارة أمام الرأي العام، والوزارة ذاتها ليس من مصلحتها أن تخوض نقابات القطاع هذه المعركة، وقد نجحت فعلا في تحييدها من قيادة المعركة الحقيقية للمجتمع، مكتفية بمعركتها ضد الصحافة الوطنية التي تخوض حربا شرسة دفاعا عن منظومة القيم الوطنية التي تتصدرها اللغة العربية، بينما تغيب النقابات والأحزاب والشخصيات الوطنية، بما في ذلك التشكيلات السياسية التي تدّعي الانتماء للتيار الوطني وحملها راية القيم الوطنية وفق ما نص عليه بين أول نوفمبر. وفي مقابل هذا الغياب، فإن الوزارة مستعدة لأن تقدم بعض التنازلات لتلك النقابات التي رفضت خوض معركة اللغة معها، بدليل أن الوزيرة بن غبريت سمحت بمشاركة إطارات من الوزارة في مقدمتهم المفتش العام ضمن أشغال الجامعة الصيفية لموظفي المصالح الاقتصادية التابعين لنقابة سيدي السعيد ومشاركة ممثل عن المركزية النقابية في الأشغال التي انطلقت هذا الأسبوع بأعالي تلمسان. ومن الواضح جدا أن هذه المعركة التي تخلت عنها نقابات التربية ستكون لها عائدات مطلبية على حساب مستقبل المدرسة، مثلما سيتحول الكثير من خصوم السلطة أو الوزارة إلى حلفاء لها ما دام الأمر يتعلق اللغة العربية، فضلا عن انتماء بعض قياديي تلك النقابات لأحزاب معادية للغة العربية. وفي الأخير، فإن هذه المعركة الدائرة بشأن اللغة العربية تكون قد أسقطت القناع عن الكثير من الأطراف المحيطة بمجال التربية والتعليم في الجزائر، لأن شجرة الأجور ظلت ولسنوات تخفي غابة الانتماءات الحقيقية لتلك الأطراف ومعاداتها القيم الرئيسية التي تبنى عليها منظومة التربية بصفة خاصة والمجتمع الجزائري بصفة عامة.