يقال إن كل تفاصيل الحياة تخضع للذوق فلكل منا ميولاته، في طبيعة الأكل الذي يختار أو في الرياضة التي يمارس وحتى في النساء واختيارهن، فمن الرجال من يفضل الشقراء ومنهم من يميل إلى السمراء ومنهم من يفضل القصيرة ويشترط البعض الآخر الطول كسمة من سمات الجمال، وما حدث أن أجمعت الأذواق كلها على شيء واحد، بل يجب الإقرار بأنه من النادر كي نكون أكثر واقعية.. ومن النوادر أن الجزائر استطاعت أن تجمع كل الأذواق السياحية بتكويناتها الجغرافية الفريدة.. وليكن هذا الروبورتاج برهاننا.. بعد عودتي الأخيرة من بيروت عاصمة الجمال والأناقة، اتخذت قرار كتابة هذا الروبورتاج بل أجبرت على كتابته ووجدتني مسؤولة أمام الله وأمام القارئ للبوح بنتيجة توصلت إليها بعد سنوات من السفر إلى مختلف دول العالم ومن مختلف القارات تلك الدول التي تزخر ومعروفة بمكانتها السياحية المرموقة، كما أنني زرت معظم ولايات الوطن.. غالبا ما أسهر قبيل سفري لأي دولة على أن أبحث عبر المواقع الإلكترونية عن مقومات ذلك البلد الذي أتحضر لخوض مغامرة سياحية فيه ولم يحدث إلى الآن أن تطابقت صورة الإشهارات عبر النت مع الواقع الذي وجدته في ذلك البلد، حتى أنه بات لدي خبرة في التعامل مع هكذا تباين، فباتت نظرتي أوسع وفهمت أن الإشهار في القطاع السياحي هو العامل الأساسي الذي تستند عليه أكبر الدول السياحية في العالم لإيقاع المتصفح في شباكها وإقناعه بالسفر إليها بأي وسيلة ومهما كلف الثمن. ادخلوا بسكرة فإن فيها ذهبا لا ينضب تعد وادي سوف وتڤرت وبسكرة من أجمل الولايات والمناطق الصحراوية في الجزائر. وحينما نذكر عاصمة الزيبان يذكر التمر، كيف لا وهي العاصمة العالمية له. لن أنسى تعليق زميلة مصرية تعيش في الولاياتالمتحدةالأمريكية حينما أهديتها علبة تمر بسكري خالص من دڤلة "نور"، قالت: "أول مرة في حياتي أدرك أنني لم أتذوق التمر قبل اليوم، لم أع قيمة التمر كفاكهة إلا اليوم.."، تفننت لمياء حينها في مغازلة دڤلة نور التي اعتبرتها الأشهى على الإطلاق فقالت: "حتى حجمه ورائحته وقوامه مختلف عما تذوقته في مصر أو في السعودية أو حتى في كاليفورنيا التي تعد من المناطق المعروفة بهذه الفاكهة". وتواصل ممازحة: "حينما أوصانا الرسول الكريم بالالتزام بتناول التمر كان يقصد الثمار الجزائرية منها وليس أي تمر"، تحمس زميلتي وزملائها الذين تذوقوا "أصابع الضوء" كما يحب البعض أن يلقبها، أجاب على تساؤلي عن سبب الإقبال الكبير على كل سياح الجزائر على التمر البسكري فلا تكاد تجد مغادرا للجزائر في مطار هواري بومدين دون علبة التمر تلك، حتى أن البعض يرى أنه الذهب الذي لا ينضب. أنت شاب؟.. إذن أنت مدعو لقضاء عطلة مجانية في الشمعة المضيئة المبيت في العراء، تحت النجوم وعلى بعد أمتار من البحر الأبيض المتوسط، منظر قد يكون عنوان السياحة بمدينة بجاية الساحلية للسنوات الأخيرة، واللافت أن الصيف الجاري شهد إقبالا غير مسبوق للشباب الجزائري الذي توافد من مختلف ولايات الوطن لقضاء العطلة في بجاية.. منظر ليس بالغريب على هذه المدينة، حينما تمر في الصباح الباكر وترى الشباب نياما على الأرصفة أمام البحر، لم يعد الأمر بالجديد على سكان المنطقة الذين يرون المنظر ظاهرة صحية تدل على الأمن في المنطقة وعلى حب الشباب الجزائري وتفضيله لبوجي كواحدة من أجمل المناطق التي تتيح لك عيش ما لا تستطيع عيشه حتى في أكبر الدول الأوروبية.. يمارس الشباب السائح في بجاية حسب تجربتنا التي قادتنا إلى هناك بعد أن استوقفتنا الطريق أثناء عودتنا من عطلتنا بمدينة جيجل الساحلية، رياضات مغامراتية فريدة من نوعها كالقفز بالمظلات أو ما يعرف بالمظلات الشراعية وغيرها من الرياضات الاستكشافية والمغامراتية على غرار الاستغوار وتسلق الجبال وغيرها من الرياضات التي يجهل الكثيرون وجودها وممارستها في الجزائر.. معجزة الأطلس.. وما أدراك استطاعت السلاسل الجبلية في الجزائر أن تكون من بين أجمل التكوينات التضاريسية في العالم ولا يدرك ذلك سوى من زار الأحواض التي شكلتها تلك الجبال الشامخات الشاهقات في وجه الريح والزمن. ذهلنا حينما وقفنا على بعد دقائق قبالة جباب جرجرة في رحلة التزلج التي قادتنا في الشتاء الماضي إلى تيكجدة التابعة لولاية البويرة التي تعتبر أحد المزارات السياحية الهامة في الجزائر، خاصة أنها بدأت تهيئ نفسها.. بعدما كانت طبيعة عذراء.. لا يمكن أن يصدق عقل أن تلك البحيرات أو الأحواض المائية المترامية على جنبات السلاسل الجبلية واقع، وكأنك في مواقع للأحلام.. تمتد هذه الأحواض من ڤالمة شرقا إلى تلمسان بأقصى الغرب، هذه الأخيرة التي أدهشت زوارها الذين انفتحوا عليها خاصة أثناء احتضانها تظاهرة "عاصمة الثقافة الإسلامية" سنة 2011، حيث سجلنا مواقع سياحية ساحرة تحاكي أجمل المناطق في العالم. حضرنا في العديد من المناسبات رفقة جمعيات ونواد خاصة بالتسلق والاستغوار، كحصص التدريب التي خضناها مؤخرا رفقة أعضاء جمعية استكشاف الكهوف والرياضات الجبلية لبجاية. يشير المصور الفوتوغرافي الجزائري عبد الحميد عينوش المختص في تصوير واستكشاف المغارات من خلال خوضه اللعديد من المغامرات التي يقضي من خلالها أياما وليالي قبالة الجبال والغابات والتجاويف العميقة والمغارات، التي تزيد في الحياة بركة حسب تعبيره، فيشير إلى أنه: "اكتشف الجزائر من خلال سواحها الأجانب"، ويواصل: "خجلت حينما حدثني صديقي الإسباني ستيفان عن مغارات الجزائر التي لم أسمع أنا الجزائري عنها من قبل". يعتبر مستكشفو المغارات الأجانب وحتى الجزائريون المحترفون منهم والهواة الجزائر بكل سلاسلها الجبلية الصحراوية والتلية مكانا فريدا على مستوى إفريقيا، بل والعالم بأسره لتوفرها على عدد هائل من المغارات وعلى جبال فريدة من نوعها. صحراء الجزائر.. هنا تولد من جديد لا يمكن التعامل مع السياحة خارج إطار اعتبارها أكبر صناعة في العالم لما حققته من نتائج معتبرة من حيث التدفقات والإيرادات ومن حيث مناصب الشغل التي تحدثها بصورة مباشرة أو غير مباشرة لارتباطها بالعديد من القطاعات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وعلى هذا الأساس وجب الأخذ بهذا التوجه بعين الاعتبار في الجزائر، لما لها من مقومات سياحية هائلة من شأنها إحداث ثورة وفارق، ويمكن الانطلاق في ذلك من صحراء الجزائر التي تعد المقصد السياحي الأول في الشتاء رغم نقص الإمكانيات التي يجب أن تكون بحجم هيبة المكان الذي صنف من بين أجمل المناطق حسب العديد من الهيئات المعنية بالشؤون السياحية في العالم. ولا يختلف اثنان على أن منظر الشروق بجانت هو الأجمل على الإطلاق وأن حضور واحدة من احتفالات المولد النبوي الشريف بأدرار من العادات والأعراف بالمنطقة التي يجب عيشها لما تحمله من محاكاة للمنطقة وتاريخها العريق، كما لا يمكن تجاوز الأسكرام وسحره، مناطق قد نشعر أمامها بالإجحاف في حقها لأننا لم نبذل في سبيل الترويج لها الجهد اللازم. 48 ولاية.. وملايين الوجهات السياحية لا تتوقف السياحة بالجزائر كدولة قارة استطاعت أن تجمع كل مقومات الجمال السياحي، باستحواذها على شريط ساحلي يمتد على مسافة 1200 كلم أو ما يزيد، ومساحة تقارب ال24 مليون كلم مربع، بل تتعداها إلى السياحة التاريخية، فالجزائر التي شهدت عبر تاريخها مرور عديد الحضارات ما يثبته النشاط الإنساني الذي عثر على بقاياه وآثاره التي تعود إلى نحو سبعة آلاف عام قبل التاريخ واحتكت بعدت حضارات.. تعد معظم ولايات الوطن حبلى بالعديد من المعالم التاريخية، فلا تكاد تخلو ولاية جزائرية من معلم يجعلك تقف أمام تاريخه، فتحمل تيمقاد أو تاموقادي بباتنة واحدة من أجمل المعالم التاريخية التي استوقفتنا خلال تغطيتها للمهرجان الفني السنوي المسمى على المدينة قبل سنوات ولم يمر فنان عربي أو أجنبي على مدينة تيمڤاد إلا وأبدى انبهاره بالمكان الذي تجمع الأغلبية بوصفه ل"المعجزة". كما يعد مسرح كويكول بمدينة جميلة السطايفية أحد المحطات السياحية والأثرية التي استوقفتنا والتي تجعلك تفكر فيما تملكه الجزائر من مؤهلات تنافسية فريدة. كما لا يمكن التغاضي عن عظمة قلعة "سانتا كروز" بمدينة وهران إلى جانب لالة ستي بتلمسان، هذان المعلمان يجعلانك تفكر ألف مرة قبل أن تتخذ قرار السياحة خارج البلاد وقبل اكتشاف كنوز الجزائر الكامنة.