مشاكل عدة أجهضت مساعي النهوض بقطاع السياحة بولاية تيسمسيلت، لوجود منتجعات ومخيمات تصارع الركود بسبب غياب مسيرين حقيقيين. ومن بين تلك الفضاءات الحظيرة الجهوية لعين عنتر والواقعة بين أحضان جبال الونشريس ببلدية بوقايد المُطلة على مدينة الشهيد الجيلالي بونعامة، قائد الولاية الرابعة، يمر بها الطريق الوطني رقم 19 تتوسط دائرتي برج بونعامة والأزهرية وعلى مقربة من حمام سيدي سليمان المعدني المهمل هو أيضا. أنشئت حظيرة عين عنتر بقرار رقم 170 المؤرخ في 02 ماي 1983 من كتابة الدولة للغابات واستصلاح الأراضي تتربع على مساحة قدرها هكتار 502.2 تنفرد بأعالي قمم جبالها التي تصل 1986 بموقع سيدي اعمر، تغطيها الثلوج شتاء بها مناظر طبيعية خلابة تستقطب الأنظار، تستدعي وقفة تأمل طويلة للاستراحة داخل مخيماتها المهيأة خصيصا للغرض مخيم سياحي، مقومات المخيم الذي بني في العهدة الاستعمارية، يبقى مغلقا في وجه زواره نظرا لغياب الاستثمار الحقيقي له، من شأنه بعث الحياة في زواياه التي تنتظر التفاتة من قبل الوصاية. غياب المسير الفعلي يرهن السياحة الجبلية ببوقائد يغفو منتجع عين عنتر إلى حين منحه حياة على يد مسير مؤسسة عمومية كانت أو حتى خاصة تضخ الروح فيه، ليكون قبلة لزوار ومحترفي الرياضة بجميع أصنافها، وكذا ليكون منبرا للم شمل مثقفي الجزائر لإحياء مهرجانات والملتقيات الثقافية، على مدار السنة حلم يرغب شبان بوقائد في تحقيقه لنهوض بالسياحة الجبلية وكذا من أجل استثمار هام يفتح أبواب التشغيل أمامهم. وعندما وطأت قدماي بوقائد، في زيارة استطلاعية قادت ”الفجر” إلى منتجع عين عنتر السياحي والطبيعي، حضرتني أغنية دحمان الحراشي ”يارايح وين مسافر تروح تعي واتولي”، أي سيعود كل من يدخل تراب المنطقة لا محال ليستعيد عافيته ونقاء أفكاره من جديد. اغتنمنا فرصة التعرّف على مكمن الجمال هناك، في طبيعة تفيض بالمشاهد الخلّابة اختلط فيها الأخضر والأبيض، استوقفتنا محطات في زيارتنا للمركز تغفو في أحضان جبال الونشريس، مناخها الرطب غطاءها النباتي المذهل بكل أنواع الأشجار كالأرز الأطلسي والصنوبر الحلبي البلوط والسرو الأخضر، لتحول الموقع بفعل أهميته الإيكولوجية وقيمته الجمالية والسياحية وحتى التاريخية، إلى مقصد هام للعديد من السياح الأجانب والمحليين حيث حظي بمكانة هامة، خاصة في قلوب الأجانب وحتى إطارات في الدولة، كوزيرة الثقافة خليدة تومي، التي انبهرت ككل الشخصيات بما تجود به الطبيعة من جمال رباني يذهب عقول زائريها. وبالنظر لمقومات المنتجع السياحي الجبلي، بادرت السلطات البلدية إلى إقامة مساحة للعائلات الذي يتسع ل200 زائر يتوفر على 4 شاليهات، 12 مرشا، قاعة للعلاج ومطعم، بالإضافة إلى سكن وظيفي لمدير المركز، حيث بدأ في محاولات حثيثة لإعادة فتحه من جديد كونه أغلق في 2001 مباشرة بعد إنهاء ترميمه، والتي قدرت ميزانيته ب 15مليون دج لتتوقف مسيرته ويغلق أبوابه في وجه العائلات نظرا لعدم إمكانية تسييره من قبل البلدية، في حين كانت الإدارة الاستعمارية لدى إنشائه في الأربعينات، تضخ له أموالا هائلة لاستغلاله كمخيم، وبعد الاستقلال تم تسييره من قبل شركة سوناطراك ليحال على التقاعد المبكر في 1987. ومع ويلات العشرية السوداء اتخذ كملجأ للعائلات المتضررة آنذاك ليعاد ترميمه كما ذكر سابقا. وحسب تصريح رئيس البلدية، فقد واجه المشروع عدة عراقيل نظرا لغياب مخطط فعال لتسير المنتجع. وينتظر - حسب ذات المسؤول - استجابة الوصاية بعدما أودع ملف يتضمن دفتر لشروط تم وضعه بالتنسيق مع مديرية السياحة بتيسمسيلت، وذلك منذ ثلاثة أشهر. ويأمل ”المير” إيجاد حل جذري لمشكل المسير إما منحه لمستثمر من خارج الولاية أوإيجاد مؤسسة عمومية تتكفل به. ملعب غابي ينتظر تربصات المنتخبات الوطنية هو حلم يرغب عبد الرحمان قانيت، رئيس الاتحاد رياضة لكرة القدم ببوقائد، أن يحققه في المنطقة، حيث يعد الملعب الذي أنشئ في 2002 وسط طبيعة خلابة من أهم المرافق الرياضية التي من المفروض أن تقام بها تحضيرات للمنتخبات الوطنية نظرا للمقومات الطبيعية التي تتوفر عليها المنطقة، والتي تمنح الرياضي جو ممتاز لبدء موسمه رياضي، حيث شهد ملعب ”عين عنتر” عدة دورات في كرة القدم.. وهي دورات تنظمها رابطة الرياضة المحلية تجمع فيها الكثير من أحياء البلدية وقراها وحتى البلديات المجاورة كبلدية برج بونعامة وسيدي سليمان. الدورات تأتي لكسر روتين الشباب اليومي وللترفيه عنه، وهي فرصة كذلك لاكتشاف المهارات من لاعبين و فرق، كما شهدت توافد العديد من الفرق الرياضية الوطنية كفريق إناث لكرة السلة بتيبازة. منتجع ”عين عنتر” الأمل الوحيد للبطالين أكد العشرات من الشبان، في وقت سابق، أن المقومات التي تزخر بها غابة بوقائد وما فيها من فضاءات ترفيهية كمنتجع عين عنتر، يمكن أن يضمن لهم عيشا رغيدا إن وجدوا الدعم اللازم لإقامة نشاطات سياحية وتجارية تتماشى معها على طول السنة، وكذا إيجاد مسير يمكن له إعادة الحياة للمنطقة. وأضاف آخر أن بوقائد وما جاورها منتعشة بنشاط المحاجر، حيث خلقت شركة ”صومبيبار” مناصب شغل لعدد منهم يقارب 200 عامل في ظل محدودية الثروات الباطنية كمادة الباريت المستعملة لاستخراج البترول، والتي لم يتبق منها إلا 30سنة لتنتهي عن آخرها.. ليبقى سكان بوقائد في حالة تأهب وخوف من زوال الثروة ومن ثم إحالة العديد منهم على البطالة المبكرة.. كابوس لن يجد - حسب ذات المتحدث - إلا قطاع السياحة لامتصاص البطالة وانتشال الشباب من مستنقع الانحراف. وقد أكد في هذا الصدد رئيس البلدية، على أن فتح المنتجع على مدار السنة سيوفر قرابة 30 منصب شغل بدل ثلاث عمال فقط، بالإضافة إلى محاولة إنجاز محليين تجاريين بمحاذاة المنتجع سيمنحان لشبان المنطقة للاستثمار فيه، أين خصص لهما مبلغ 70 مليون سنتيم. مواقع أثرية مهملة وتستوجب التفاتة جادة تتوفر بوقائد على مواقع أثرية يمكن أن تستقطب العديد من الزوار، حيث يحتل موقع بوقائد الأثري المُشكل من واد بوقائد وروافده على بعد 600 م جنوب غرب منجم باريت وبالقرب من ركبة العتبة، وهو يمثل ثالث المواقع الأثرية التي يرجع تاريخها إلى فترة ما قبل التاريخ. يتوفر الموقع على عدة منحوتات ونقوش وأدوات حجرية تم جمعها من قبل مستكشفين للمنطقة. موقع تتغنى به بوقائد مسقط رأس الشهيد الجيلالي بونعامة بتاريخها العريق ترغب أن تتقاسم حكايتها مع زوارها و سياحها، موقع قيل إنه الوحيد بالمنطقة ويعتبر من بين المعالم المحمية كذلك، إلا أننا اكتشفنا وجود معلم آخر مهمل تعرض هيكله للتخريب والنسيان.. معلم ”كلود كلوزاز”، فضولنا لاكتشاف المعلم قادنا إلى هناك رفقة شابين. شددنا الرحال إلى دوار بين الكيفان منطقة موحشة سكون قاتل طريق غابي وعر، انتابنا الرعب والخوف للحظات قليلة، ليلفنا بعدها هدوء وسكينة بعدما شاهدنا دوريات الدرك الوطني وكذا أعوان الحراسة يطوقون المكان والتابعين ل”كارومين” إحدى المكاتب الإدارية التابعة لشركة ”صوميبار” التي تعمل في مجال استخراج مادة الباريت المستعملة في التنقيب على البترول. أحسسنا حينها بالأمان، لنكمل رحلتنا الى أعلى قمة في جبال الونشريس التي تقدر ب1986م، وكان ل”الفجر” الحظ في اجتيازها. فغير بعيد عن منجم الباريت اكتشفنا الدوار المسمى ”بين الكيفان” الذي لم تجمح طريقه الوعرة عزيمتنا، لنقف على حجم الإهمال والنسيان الذي طال أحد الشواهد المادية الذي يعود إلى الحقبة الاستعمارية، أين أضحى إسطبلا لتربية الأبقار ومأوى للحيوانات البرية. المعلم الأثري ”كلود كلوزاز” كان مخيما شتويا بنته الإدارة الاستعمارية لاستقبال معوزي الدول الأوروبية، كبلجيكا وألمانيا، من قبل رهبان، لينسى على أيدي المكلفين بالنهوض بالثقافة بتيسمسيلت. وما زاد الطين بلة بقاء هذا المعلم الأثري والسياحي مغلقا منذ الخمسينيات يواجه الضياع بعدما تآكلت جدرانه وانهارت عن آخرها.. ليبقى المعلم ينتظر التفاتة من قبل مديرية الثقافة التي تعتبر مسؤولة عن جل المواقع الأثرية بالولاية من أجل إعادة ترميمه. مياه ينابيع بوقايد ملاذ للمرضى وقبلة للزوار في طريقنا إلى دوار بين الكيفان السالف الذكر، قابلتنا ينابيع معدنية مترامية الأطراف في سفح جبال بوقايد، كعين سيدي واضح، وعين الولي الصالح سيدي عمر، مياه معدنية عذبة مذاقها حلو يقصدها سكان الدواوير والزوار من كل حدب للشرب وملئ دلائهم فهي تساعد، حسب تصريحات البعض، على تفتيت حصى الكلى والقضاء على التهاب المعدة، إضافة إلى أنها مفيدة للمرضى الذين يعانون من عسر التبول والتهاب اللوزتين، وغيرها من الفوائد الصحية التي تحفز المرضى على التوجه نحو هذه الشلالات للاستفادة من مياهها العذبة الطبيعية، ما زاد في نسبة الإقبال من طرف الزوار خاصة القادمين من ولاية شلف، والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة التي تتمتع بها بوقايد. ”سلطان وسلطانة”.. حكاية تأسر روح زوارها وغير بعيد عن مركز عين عنتر، وعلى امتداد الطريق الفرعي المحفوف بأشجار تعود جذورها إلى عقود من الزمن، تهب نسائم الخريف باردة تعكس بامتياز روح جبال المنطقة والرغبة القوية في الشعور بالدفء، وجدنا شجرتي سلطان وسلطانة تنتظرانا لتروي لنا حكاية أسطورتين كانتا محل اهتمام وإعجاب العثمانيين خلال القرنين ال15 وال16 الميلادي.. مكان أسطوري لا يمكن لأحد من سياح المنطقة أن يتغاضى عن زيارتهما، حكاية تحمل بين ثناياها حب لفظه ألف قرن من حياة المنطقة. روايات عدة نسجت في مخيلة أبناء بوقائد أذهلت العديد من الشخصيات، منها أن في زمن بعيد ولد حب كبير بين ملك وملكة أنجبا أميرة أبهرت العالم آنذاك بجمالها، إلا أن الأسرة الحاكمة حولت إلى شجرتين عن طريق تعويذة سلطت عليها، ولتبقى القصة - حسب رواتها - مجرد خرافة، إلا أن الخرافة استطاعت أن تكون مقصدا لعدة قيادات كشفية، منها تلك الفرنسية التي زارت المنتجع السياحي في2009 في إطار تبادل الخبرات الكشفية بين البلدين. مؤهلات تبقى رهينة الورق.. نظرا للمؤهلات الهامة التي تزخر بها بلدية بوقائد، تسعى الهيئات المعنية إلى تثمين وترقية الموقع الخلاب. وفي هذا الصدد سعت مديرية السياحة والصناعات التقليدية في وقت سابق إلى توفير مرافق من شأنها خلق جو ملائم يستقطب المزيد من الزوار، وذلك من خلال إنجاز هياكل سياحية. كما ترغب في إعادة تأهيل واستغلال في إطار السياحة الاستطلاعية والاستكشافية لدهاليز ومغارات المناجم بالحظيرة، وكذا تهيئة الممرات والدروب الخاصة بالسياح. كما اقترحت في وقت سابق محافظة الغابات بالولاية برنامجا يهدف إلى ترقية وتثمين غابة عين عنتر. إلا أن طموح الهيئات تبقى مجرد أحلام تستوجب تطبيقها على أرض الواقع وإعادة الروح لمنتجع عبر إيجاد أياد أمينة تنتشله من براثن الضياع والركود. ”مير” بوقائد: ”السياحة تدهورت بفعل اختلاف الرؤى” أكد محمد قانيت، رئيس المجلس الشعبي البلدي لبوقايد، أن السياحة بالمنطقة تدهورت إلى حد كبير نظرا لتعدد العهدات واختلاف الرؤى للنهوض بالقطاع، كاشفا أن منتجع عين عنتر الذي رمم في 2001 لايزال مغلقا لغياب المسير الفعلي لضعف ميزانية البلدية. وأضاف المسؤول أنه يطمح إلى توجيه عدد من المستثمرين بغية إنجاز مرافق إيكولوجية وسياحية تكون في متناول الزوار. كما كشف على تسجيل مشروعين سياحيين بالمصالح الولائية من أجل البدء في إنجاز غابات اصطناعية تمكن الزائر تشمل أعمال ميدانية من إنشاء سياج لحدود الغابة وغيرها، ما سيسمح بخلق مناصب شغل للإطارات المتخرجة من الجامعات من مهندسين من أبناء المنطقة، حيث ستعمل تلك المساحات على تجميل المنطقة كما ستكون مصدات للرياح والتصحر.