الرابطة الأولى: شباب بلوزداد ينهزم أمام شباب قسنطينة (0-2), مولودية الجزائر بطل شتوي    وزير الثقافة والفنون يبرز جهود الدولة في دعم الكتاب وترقية النشر في الجزائر    تنوع بيولوجي: برنامج لمكافحة الأنواع الغريبة الغازية    تلمسان: خطيب المسجد الأقصى المبارك يشيد بدور الجزائر في دعم القضية الفلسطينية    اللجنة الحكومية المشتركة الجزائرية-الروسية: التوقيع على 9 اتفاقيات ومذكرات تفاهم في عدة مجالات    رياضة: الطبعة الاولى للبطولة العربية لسباق التوجيه من 1 الى 5 فبراير بالجزائر    جمعية اللجان الاولمبية الافريقية: مصطفى براف المرشح الوحيد لخلافة نفسه على راس الهيئة الافريقية    إنشاء شبكة موضوعاتية جديدة حول الصحة والطب الدقيقين سنة 2025    رياح قوية على عدة ولايات من جنوب الوطن بداية من الجمعة    بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية, وزير الاتصال يستقبل من قبل رئيس جمهورية بوتسوانا    وزير الصحة يشرف على لقاء حول القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية للأسلاك الخاصة بالقطاع    وزير الصحة يجتمع بالنقابة الوطنية للأطباء العامين للصحة العمومية    فلسطين... الأبارتيد وخطر التهجير من غزة والضفة    توقيف 9 عناصر دعم للجماعات الإرهابية    لصوص الكوابل في قبضة الشرطة    تعليمات جديدة لتطوير العاصمة    عندما تتحوّل الأمهات إلى مصدر للتنمّر!    رسالة من تبّون إلى رئيسة تنزانيا    فتح باب الترشح لجائزة أشبال الثقافة    التلفزيون الجزائري يُنتج مسلسلاً بالمزابية لأوّل مرّة    الشعب الفلسطيني مثبت للأركان وقائدها    بوغالي في أكرا    محرز يتصدّر قائمة اللاعبين الأفارقة الأعلى أجراً    صالون الشوكولاتة و القهوة: أربع مسابقات لحرفيي الشوكولاتة و الحلويات    شركة "نشاط الغذائي والزراعي": الاستثمار في الزراعات الإستراتيجية بأربع ولايات    تحديد تكلفة الحج لهذا العام ب 840 ألف دج    السيد عرقاب يجدد التزام الجزائر بتعزيز علاقاتها مع موريتانيا في قطاع الطاقة لتحقيق المصالح المشتركة    حوادث المرور: وفاة 7 أشخاص وإصابة 393 آخرين بجروح في المناطق الحضرية خلال أسبوع    الرئاسة الفلسطينية: الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه رغم التدمير والإبادة    تحذير أممي من مخاطر الذخائر المتفجرة في غزة والضفة الغربية    مجموعة "أ3+" بمجلس الأمن تدعو إلى وقف التصعيد بالكونغو    رئيس الجمهورية يستقبل نائب رئيس الوزراء الروسي    إبراز جهود الجزائر في تعزيز المشاركة السياسية والاقتصادية للمرأة    غرة شعبان يوم الجمعة وليلة ترقب هلال شهر رمضان يوم 29 شعبان المقبل    اتفاقية تعاون بين وكالة تسيير القرض المصغّر و"جيبلي"    لجنة لدراسة اختلالات القوانين الأساسية لمستخدمي الصحة    مدرب منتخب السودان يتحدى "الخضر" في "الكان"    السلطات العمومية تطالب بتقرير مفصل    توجّه قطاع التأمينات لإنشاء بنوك خاصة دعم صريح للاستثمار    4 مطاعم مدرسية جديدة و4 أخرى في طور الإنجاز    سكان البنايات الهشة يطالبون بالترحيل    الرقمنة رفعت مداخيل الضرائب ب51 ٪    رياض محرز ينال جائزتين في السعودية    شهادات تتقاطر حزنا على فقدان بوداود عميّر    العنف ضدّ المرأة في لوحات هدى وابري    "الداي" تطلق ألبومها الثاني بعد رمضان    وهران.. افتتاح الصالون الدولي للشوكولاتة والقهوة بمشاركة 70 عارضا    هل تكون إفريقيا هي مستقبل العالم؟    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    أدعية شهر شعبان المأثورة    حشيشي يلتقي مدير دي أن أو    صحف تندّد بسوء معاملة الجزائريين في مطارات فرنسا    المجلس الإسلامي الأعلى ينظم ندوة علمية    العاب القوى لأقل من 18 و20 سنة    الجزائر تدعو الى تحقيق مستقل في ادعاءات الكيان الصهيوني بحق الوكالة    قِطاف من بساتين الشعر العربي    عبادات مستحبة في شهر شعبان    تدشين وحدة لإنتاج أدوية السرطان بالجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منطقة القبائل .. مخزون لا ينبض وثروات لم يكتشفها الجزائريون
»صوت الأحرار« في رحلة أزاحت الوشاح عن هذه العروس الساحرة
نشر في صوت الأحرار يوم 16 - 04 - 2013

قد يكون المرء في كثير من الأحيان بعيدا عن واقع الأشياء خصوصا إذا تعلق الأمر بأحكام مسبقة وما إن تتضح الرؤى ويظهر هذا الواقع وما احتواه من إجابات حول تلك الأحكام تكتمل الصورة التي طالما قرأها الإنسان بعيدا عن الحقيقة المطلقة فتبوح بها الأماكن وحتى الكائنات في حد ذاتها. وفي جولة لرفع ستار الأحكام الجاهزة عن منطقة من أعز مناطق الوطن والإبحار في ما حباها الخالق من مكانة في قلوب الجزائريين والوقوف أمام ثروة امتزجت في غناها بلغة الرجل الأمازيغي الحر، استسلم الوفد الإعلامي المتجه إلى منطقة القبائل، وبدعوة من الديوان الوطني الجزائري للسياحة، لمتعة الجولة على مدار خمسة أيام، فبقدر ما التوت وتعرجت الطريق حملت معها الكثير من المفاجآت، الرحلة سياحية وإعلامية مزجت بين التشويق والإبهار اللذين أزاحا وشاح المنطقة المعزولة عن باقي العالم ليؤكد أنها أكبر بكثير من تلك الأحكام.
البداية كانت، بعد الانطلاق من أمام مقر الديوان الوطني للسياحة ببور سعيد بالعاصمة، بولاية البويرة أو ما يعرف بالأمازيغية اصطلاحا »ثوبيرتس« التي تقابلها بالأمازيغية أيضا كلمة »لفور« التي تعني الأرض البور. ولن نبرح الاصطلاح على تسمية هذه المنطقة التي لا تبعد عن العاصمة سوى بحوالي مائة كلم فقط للإشارة بأن اسمها مرتبط أيضا بوجود بئر كان يستعمل أثناء توقف أصحاب القوافل. البويرة التي كانت المحطة الأولى للوفد الإعلامي فرغم دخولها في جو مطر إسود أفقه بسحاب حمل معه بشائر عام مليء بالخير. وفي الطريق إليها على متن حافلة من الطراز الرفيع تابعة للديوان الجزائري للسياحة والأسفار، كان لزاما التوقف عند المضيق الجبلي الذي يفصل البويرة عن ولايات بومرداس وتيزي وزو في اتجاه العاصمة وبالتحديد بالأخضرية التي أخذت اسمها من أسم الشهيد »السي لخضر« واحد من أبناء المنطقة. الموقع الذي كان إلى وقت قريب يعج بالمتوقفين من المسافرين لأكل لحم طائر السمان المشوي على الجمر وللاستمتاع بعلو جباله ويخبر عن جلد الإنسان في تطويع الحجر الأصم لينحت عبره طريقا نحو الخلود في تاريخ امتد بجذوره إلى عصور ما قبل التاريخ.
»ثوبيرتس«..»تاكفاريناس« وقصة »البلارج«
إن كانت الرحلة تهدف إلى استكشاف مخزون المنطقة من السياحة والترويج لها لتكون قبلة الجزائريين بالدرجة الأولى فإن المحطات التاريخية للبويرة وغيرها من مناطق الوطن تستوقفنا مرغمين لتروي لنا من مآثر الأجداد الراسخة من خلال الروايات وكتب التاريخ وحتى شواهد الأحجار وبقايا المعالم والآثار.فلا غرابة إن كانت البويرة رغم كونها همزة وصل بين الشمال والجنوب والشرق الغرب أن تكون أيضا موقعا يشهد له التاريخ القريب. فهي تلك المنطقة التي لقي فيها الأمازيغي الحر »تاكفاريناس« مصرعه سنة 24 ميلادي في معركة بنواحي »أوزيا« أو ما يعرف اليوم بصور الغزلان وذلك في الحرب الشرسة بين النومديين والمحتلين الرومان والتي دامت حوالي 8 سنوات. ثم إن البويرة التي استقبلت ضيوفها في هدوء يخيل لك للوهلة الأولى انه ممزوج بحياء أهل المنطقة أو أنه يخفي نوعا من التوجس من زوار على غير العادة. هذه الجهة التي تاخمت منطقة القبائل الكبرى بتضاريسها فتحت أبواب الترحاب لليلة واحدة بفندق »روايال« ذي النجمتين فقط. المدينة القديمة وعلى بساطة عمارتها التي مازالت على النمط الاستعماري بدت خالية من أهلها في ذلك المساء الشتوي من أواخر شهر مارس .2013 وفي هذا الزخم الذي تدافعت فيه كثير من الأسئلة المتطفلة على أسرار »ثوبيرتس« تناهى إلى علمنا أن بقاء المدينة على هذا النمط هو طبيعة الملكية التي لم يفصل فيها لحد الآن خصوصا بين الورثة، وهو الأمر الذي دفع بها إلى التوسع خارج نطاق الجزء القديم منها.
وفي سياق الحدث الذي رافقنا خلاله الدليل السياحي سيدي بن عزيزة ذكر أن المعمرين الفرنسيين القادمين من منطقة الألزاس وصلوا إلى البويرة سنة 1871 ليستوطنوا بها والطريف في هذه الرواية أن هذه الفئة من المعمرين التي استولت على أخصب الأراضي الفلاحية بالمنطقة كانت أول من استقدم معها طائر »البلارج« أو ما يعرف بالملك الحزين الذي نجده منشورا في أغلب المناطق الشرقية للبلاد خصوصا في الأماكن الرطبة.
المحطة المناخية لتيكجدة..عودة قوية
الوجهة كانت في اليوم الثاني نحو المحطة المناخية لتيكجدة التي انتصبت كتاج ناصع البياض على جبين سلسلة جبال جرجرة المصنفة من بين أعلى المناطق في الشمال الجزائري بارتفاع تجاوز 2025 متر. ومن حسن الحظ والصدف أن تميز النهار بجو ربيعي زاد المحطة التي لقيت ومازالت تلقى إقبالا من طرف الزوار والباحثين عن التميز في الطبيعة روعة انعكست معها أشعة شمس دافئة على هذا المكان الذي يأخذك في حلم يقظ نحو عوالم رائعة.
المحطة المناخية التي شرع في تجديد حظيرتها الفندقية لتكون هي الأخرى في مستوى تطلعات السياح الوطنيين على وجه الخصوص، خصصت لها الدولة أزيد من 300 مليون دينار لتجديد العمارات الثلاث المكونة للمركب السياحي الذي يضم قرابة 900 سرير. وفي وقفة مع مسؤولي هذه المؤسسة، تم التأكيد أن نسبة الامتلاء خلال نهايات الأسبوع أصبحت تصل إلى 100 بالمائة وهو الأمر الذي لم يكن ليحدث إلا نادرا خلال السنوات الماضية، في حين أن نسبة الزيادة المسجلة في إقبال المواطنين على المحطة بلغ سنة 2012 أكثر من 20 بالمائة مقارنة بالسنة التي قبلها. وهي المؤشرات التي توحي من جهة أخرى بالعودة القوية للسائح الجزائري نحو استكشاف المخزون الوطني من الطبيعة وكذا المواقع السياحية التي قلما نجدها في بلدان أخرى.والدليل على ذلك التواجد الفريد والحصري لقرد »الماغو« الذي يتواجد بجبال جرجرة وكذا الشريعة وبقمة القردة ببجاية.
والملفت للإشارة في هذا المركب الذي عرف إلى وقت قريب بأنه وجهة مفضلة للرياضيين فانه بالنظر لموقعه وما يوفره من خدمات يعد وجهة للمؤسسات التي تفضل هدوء الطبيعة لتدارس قضاياها الداخلية ومخططاتها المستقبلية وذلك على غرار شركة »اينيرغا« التابعة لمجمع سونلغاز التي صادف وأن نظمت لقاء تقييميا لإطاراتها تزامنا مع زيارة الوفد الإعلامي لتيكجدة. وقد أعلن حسين ريزو الرئيس المدير العام لهذه الشركة أن اللقاء الذي صادف 21 مارس أي فترة دخول الربيع والاحتفال بعيد الشجرة، فرصة لأزيد من 70 إطارا للمساهمة في إعادة تشجير جزء من المنطقة التي أتت على أشجارها النيران خلال سنوات الجمر.
رحلة البحث عن السياحة في تيزي وزو
استمرت الجولة والأعين مشدودة إلى قمة تسحر المسافرين عبر الطريق السيار شرق غرب الذي يتيح على طول العشرات من الكيلومترات فرصة الاستمتاع ولم بالمشاهدة فقط إلى طبيعة تحمل في وجودها الكثير من الأسرار. وإن كان طبع الإنسان الفضول والتطلع إلى ما وراء الأشياء الظاهرة فإن سلسلة من الاستفهامات استرسلت حول ما يوجد وراء هذه القمة الجبلية. ولو أن عددا لا بأس به من الإعلاميين الذين ركبوا الرحلة يعرفون الإجابة إلا أن البحث عن التميز والسعي لاكتشاف ما لا نراه بالعين المجردة أو حتى تلك الأشياء التي نراها يوميا تستدعي الوقوف عندها للتأمل في جزء من كينونتها التي لا يعرفها إلا الضالعون في خبايا الأمور. وفي طريق التوت منعرجاته وتقاطعت روافده كانت الوجهة مدينة تيزي وزو عاصمة القبائل الكبرى. هدوء المدينة في مسائها ونومها المبكر لم يتح الفرصة لاكتشاف حركة النهار بها. وما تأسفنا له غياب المشرفين على القطاع السياحي بهذه المنطقة التي تحوي مخزونا من التراث والثقافة ما لا تحويه مناطق أخرى من الوطن، حتى إن المشرفين على تنظيم هذه الجولة الهادفة إلى الترويج للسياحة الداخلية سعوا للحصول على ما يساهم في إثراء العمل الإعلامي المنشود لكن لسوء الطالع أن مديرية السياحة لولاية تيزي وزو غابت وغاب معها حق المنطقة في الاستكشاف وبالتالي إعلام المواطن بما تنام عليه من كنوز تعود في بعدها إلى أبعد من تواجد الإنسان الأمازيغي بهذه المنطقة.
وما أنقذ ماء الوجه في عاصمة الأبطال والمجاهدين الزيارة التي قادت الوفد إلى أحد المركبات الخاصة الموجود بقلب مدينة تيزي وزو الذي أطلق عليه تسمية »ثامغرة« أي العرس والذي تم فتحه سنة 2006 في جزئه الخاص بالألعاب ليستكمل في السنوات الثلاث الموالية حيث أصبح يشتمل هذا المركب على مسبحين إلى جانب فندق ومحطة للراحة تضم كل المرافق المتعلقة بالاسترخاء والتجميل والرياضة وغيرها بالموازاة مع تجهيز المركب بمطاعم وقاعات للحفلات ومكتبة متعددة الخدمات، إذ يعد هذا الفضاء حسب ما ذكر مسيره، المتنفس الوحيد لسكان المنطقة خصوصا في فصل الصيف حيث تفتقر الولاية لأي مرفق آخر من شأنه أن يكون وجهة العائلات خلال فترات الراحة والعطل وفي زيارة سريعة لم تكن إلا للمبيت في فندق »عمراوة« عاد الوفد الإعلامي يحمل معه كما لا حصر له من الاستفهامات حول واقع السياحة بهذه الولاية.
»إيبوناتشي«..»تيكسيرا« وأساطير »يما قوراية«
الرحلة في يومها الثالث أخذت طريقها نحو ولاية بجاية عبر الطريق المؤدي من تيزي وزو إلى »ايعكوران« ومنها إلى منعرجات جبال القبائل مرورا بالقصر ومن ثمة الوصول إلى مدينة بجاية.طول الطريق وانثناؤه لم يكن ليطوى بسهولة لو لا تلك المناظر الطبيعية التي رسمت لوحة متناغمة بين شجرة الزيتون المتأصلة في منطقة القبائل في ربوع الجزائر الأخرى بالنظر إلى رمزيتها وكذا تلك البنايات المنتشرة هنا وهناك مشكلة فسيفساء متناغمة مع الطبيعة.وما هي إلا بضع ساعات من السير المتأني عبر طريق جبلي يرسم بين منعرجاته لوحة خالدة في ذاكرة كل من ركب عناء السفر المتشبع بنشوة المغامرة،حتى تطل عليك المدينة التي كانت قلعة للعلم والعلماء وملاذا للهاربين من بطش الأهل والأعداء. فبجاية التي اتخذها الحماديون عاصمة لهم هي أيضا الوعاء الذي تعلم فيه »إيبوناتشي« الإيطالي وأخذ منها الأرقام العربية ونقلها إلى أوروبا وهي أيضا المدينة الهادئة التي اختارها الرئيس البرتغالي »تيكسيرا غوماز« منفى له بعد فراره إليها عقب الإطاحة به، أين مكث بها من سنة 1931 إلى 1941 أي إلى غاية وفاته. وكانت بجاية أيضا واحدة من قلاع المقاومة إذ هي كذلك رمز لمقاومة الشيخ الحداد ومعقل أبطال الثورة التحريرية ممن سجلوا اسم »إفري أوزلاقن« في سجل الزمن الذي لا يمحى في مؤتمر أخذ اسمه سنة 1956 من وادي الصومام الذي يشق جبال المنطقة نحو البحر.
ولا نخرج من هذا الحصن النابض بالحياة إلى اليوم من خلال حركتها الصناعية والسياحية التي أخذت لها في السنوات الأخيرة مكانا مرموقا في النشاط الاقتصادي الوطني والعالمي وهذا بالنظر إلى ربطها بشبكة نقل متطورة جوا وبحرا وبرا إلى جانب استقطابها لرؤوس الأموال الأجنبية والوطنية حيث جمعت بين مصانع »دانون« و»وإفري« و»سيفيتال« وغيرها، كما تعد الوجهة المفضلة لأغلب الجزائريين في فترة الصيف وذلك لكرم ضيافة سكان القبائل الصغرى المرحبين بالغريب الوافد عليهم. بجاية ليست فقط التاريخ و التجارة والسياحة بل كذلك الأساطير والحكايات المشوقة التي ارتبطت ب »ياما قوراية« التي أخذت لها موقعا استراتيجيا على قمة الجبل المطل على المدينة. ومنه يمكنك أن تستمتع بمنظر بانورامي مشرف على المدينة وخليجها و على منارة »كاب كاربون« المحاطة بزرقة مياه بحر فريدة من نوعها.ويذكر هنا أن هذه المنارة بفضل شبه الجزيرة المتواجدة على طرفها تعد الأكثر تقدما في البحر على طول الساحل الجزائري.ومن سحر المكان تداعبك قردة »الماغو« بنظراتها طالبة شيئا من الكرم الذي تعودت عليه بفعل احتكاكها بالإنسان في هذا المكان.
الزيارة كانت مناسبة لرؤية جزء من الأبواب السبعة القائمة إلى اليوم والمحيطة بسور المدينة القديمة المقدر طوله ب 5 آلاف متر على غرار باب البحري وباب الفوقة أو ما يعرف أيضا بباب البنود. في حين تذكر بعض الروايات أن عدد هذه الأبواب يصل إلى .9 ولا يبعد على واحد من هذه الأبواب ضريح الولي الصالح سيدي السوفي.
ويذكر أحد القائمين على المسجد المحاذي للضريح أن المقام كان إلى غاية التسعينيات محجا لمختلف فئات المجتمع من الساعين إلى تحقيق بعض الأمينات في إطار المعتقدات التي ترسخت في أبجديات كثير من الجزائريين، بحثا عن الحظ أو الأبناء عن طريق التوسل إلى الولاة الصالحين. ثم إن الزائر إلى بجاية لا يسعه وهو بها إلاّ المرور بساحة »غيدون« الموجود بطرف من زواياها فندق »نجمة« الذي عاش فيه الرئيس البرتغالي في منفاه بالجزائر. اليوم الأول في هذه الجولة لبجاية رغم غناه بالمشاهد إلا أن اليوم الثاني كان أكثر ثراء وذلك تزامنا مع زيارة العمل التي قادت وزير السياحة والصناعة التقليدية لهذه الولاية للاطلاع على واقع القطاع فيها إلى جانب إشرافه على افتتاح معرض الماء بالمتحف المخصص للذهب الأزرق بمنطقة توجة.
حكاية أخرى مع »توجة« و»أوكتاف« الروماني
وهنا تبدأ حكاية أخرى من حكايات بجاية التي لا تنتهي مع قصة الماء الذي له عيد بقرية توجة.إذ بفضل هذا المنبع الذي لم ينضب عبر زمن وقد يعود إلى بداية الوجود،تمكن الإمبراطور الروماني »أوكتاف« ما بين 26 و 27 قبل الميلاد من تزويد مستعمرته ببجاية بالماء وذلك من خلال قناة على شكل جسر عملاق لنقل هذه المادة الحيوية في ذاك الزمن. وحسب المعطيات المستقاة من عين المكان فان القناة معترف بها عالميا كونها أحد المعالم القديمة الأكثر أهمية في تاريخ بجاية لتلك الحقبة. كما أن بعض الدراسات الصادرة في القرن الماضي تشير إلى اكتشاف كتابات قديمة بمنطقة باتنة تعود إلى فترة التواجد الروماني بالجزائر تقدم أدق التفاصيل عن إنجاز هذا المعلم.
وفي بحر الثراء الثقافي والتاريخي والسياحي لعاصمة الحماديين كنا مجبرين في هذا المقام، على رسم أهم المعالم أمام القارئ الباحث عن المزيد من التفاصيل حول حصن من حصون الجزائر، فبجاية التي امتد تاريخها إلى أكثر من 3 ألاف سنة تجمع بين متعة التأمل وروعة التنوع الذي حظيت به عن غيرها من المناطق الأخرى فهي التي احتوت على غابة أكفادو الطبيعية ومغارة أوقاس وشلال كفريدة إلى جانب مضايق خراطة الممتدة على طول 7 كيلومتر بالموازاة مع البحيرة السوداء المعروفة بالأمازيغية أغلمين ابركان. كل هذا في الجانب الطبيعي الذي يدعم السياحة البيئية إلى جانب الحظيرة الوطنية لقوراية المتربعة على مساحة تقدر ب 2080 هكتار.أما بخصوص الجوانب الأخرى فإنها تضم القصة التي أنشأها الموحدون في القرن الحادي عشر في حدود 1154 ميلادي وموقع تيكلات الأثري وأيضا قناة الماء الرومانية، ناهيك عن السور الذي بناه الحماديون وأضرحة الأولياء الصالحين والعلماء مثل سيدي تواتي وسيدي عيسى ومقام لالة يامنة وقلعة قوراية وقمة القردة وغيرها من المواقع التي تجعل بجاية وجهة سياحية بامتياز وفي كل الفصول.
وهي أيضا وبشهادة وزير السياحة والصناعة التقليدية محمد بن مرادي ولاية أكدت أنها في مستوى تجسيد البرامج المسطرة للنهوض بالقطاع بكل امتياز حيث أصبحت قطبا ووجهة المستثمرين من داخل وخارج الوطن. وفي هذا الصدد وصل عدد المشاريع الاستثمارية بالولاية إلى 46 مشروعا من شأنه توفير 3764 سرير و1761 منصب شغل في حين أن المعطيات المقدمة من طرف مصالح ولاية بجاية تشير إلى أن 8 مشاريع منها ستسلم مع نهاية العام الجاري والتي ستوفر 695 سرير وأزيد من 314 منصب شغل. ناهيك عن توفر المنطقة على 14 منطقة توسع سياحي تمتد على مساحة 817 هكتار. ولا غرابة في ذلك أن كانت عاصمة الحماديين بهذا الحجم من الاستثمارات التي لا توجد بمناطق أخرى لأن الفعل السياحي بها تحول إلى سلوك معاش في أبجديات المواطن البجاوي قبل أن يكون ضمن اهتمامات المسئولين.
»حمارنا ولا عود الناس«
نخلص إلى أن الصناعة السياحية في الجزائر تسير نحو وضع الأسس الأولى لإعادة بنائها من جديد تأسسا بسنوات السبعينات الثمانينات عندما كانت محج العشرات من أفواج السياح القادمين من كل أصقاع العالم وذلك بشهادة دليلنا السياحي سيدي بن عزيزة الذي يعد من أقدم المرافقين للسياح بالديوان الوطني الجزائري للسياحة والأسفار وكذا ما أكده مستشار وزير السياحة والمسؤول السابق في القطاع السعيد بوخليفة. وقال في تصريح ل »صوت الأحرار« أن بناء الوجهة السياحية للجزائر »يتطلب على الأقل 20 سنة من العمل المتواصل خصوصا وأن الجزائر التي كانت قبلة سياح العالم تم تحطيمها بإرادة سياسية ارتجالية خلال الثمانينات«.
وأوضح المتحدث ذاته أنه من الصعب في الوقت الحالي استقطاب الكم الكبير من الوافدين على تونس ومصر وغيرها من البلدان التي تشهد في الوقت الحالي أوضاعا غير مستقرة وذلك لأن الجزائر على حد تأكيده »كانت إلى وقت قريب غير موجودة ضمن الخريطة السياحية العالمية«. ومن هذا المنطلق اعتبر أن »اغتنام فرصة غياب أسواق دول الجوار لا معنى له لأن دولا أخرى مثل تركيا وأوكرانيا استقطبت الفائض من السياح في حوض البحر الأبيض المتوسط« وإن كان بوخليفة لم ينف في نفس الوقت وجود اهتمام تدريجي للسياح الأجانب بالمقصد الجزائري خصوصا من طرف الأقدام السوداء الذين يفضلون ما يسمى بسياحة الذاكرة لرؤية الأماكن والمدن التي عاشوا فيها خلال الحقبة الاستعمارية.
وفي ظل واقع يبدو فيه كثير من العناية السياسية بضرورة عودة الجزائر إلى المحافل الدولية وتأكيد سلامتها لدى الأجانب ترى السلطات الوصية في الوقت الراهن حسب تصريحات المسؤولين ضرورة إعطاء الأولوية للسياحة الداخلية التي قال عنها كاتب الدولة للسياحة محمد أمين حاج سعيد أن الاستثمار فيها يعني بقاء العملة الصعبة في الجزائر بدل توجيهها إلى أسواق أخرى. ومن هذا القبيل أشار إلى الاهتمام الذي توليه السلطات العمومية على المستوى المركزي والمحلي للسياحة الداخلية مختلف أشكالها الأمر الذي تعزز بتسطير سلسلة من البرامج الترقوية لفائدة العائلات والمجموعات من طرف الديوان الوطني للسياحة والأسفار »أونات«.
تلكم وجهة من الوجهات السياحية في الجزائر التي تنام على ثروات هي بحاجة للاستكشاف من جديد. وحبذا لو استكشفت من قبل أهل الدار قبل الغريب الذي يشهد منه الصديق والعدو أنها بالفعل ثروة لا يعرف قيمتها إلا فاقدها. فهل أدركنا بعد كل هذا أن الجزائر ومنها منطقة القبائل بكل ما احتوته من الثنية غربا إلى بجاية شرقا وعلى طول 180 كيلومتر هي أكبر بكثير من هذه المساحة وأوسع من محيط إذا حاولنا الإبحار فيه؟. إن الزائر للوهلة الأولى لا يدرك خبايا الأشياء ولا حقيقتها إلا بعد التأمل بعين وبصيرة واعية ومدركة لبصمة أزلية خلدها الإنسان الأمازيغي عبر الأزمنة والقرون ليؤكد تميز هويته المتأصلة. وإن تحدثنا بلغة الصراحة فهل لنا من بديل عن بلادنا؟ وما الداعي لإغناء الغير وأهلنا بحاجة لتشجيعهم؟. إنني واحد من الذين لا يتوانون في ترسيخ المثل القائل: »حمارنا ولا عود الناس«..والحديث قياس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.