ليس وحده قطاع التربية والتعليم ما يثير التعاليق بين باريسوالجزائر، فالعلاقات برمتها مصدر إنتاج غزير من التحاليل السياسية والاقتصادية والأمنية والتاريخية، نظرا للاعتبارات الخاصة التي تحكم العلاقات بين البلدين. المسافة بين العاصمتين أقل من تلك الفاصلة بين الجزائر وتمنراست، لذلك تبدو باريس الأكثر إثارة للجدل، وزيارة وزيرة التربية الفرنسية نجاة فالو بلقاسم ذات الأصول المغاربية تثير الكثير من الريبة لدى قطاع واسع من الجزائريين، لكون المنظومة التربوية في بلادنا مازالت تضمد جراح "العامية"، العبارة التي أطلقتها وزيرة التربية نورية بن غبريط كالرصاصة، عندما اقترحت تدريس قسم السنة الأولى ابتدائي ب "لغة الجزائريين"، وذلك في أعقاب الندوة الوطنية لتقييم الإصلاحات في قطاع التربية. لم تكن تلك وجهة نظر الوزيرة في آلية التدريس الخاصة بالمنظومة التي تعاني من كل الآلام والأوجاع، بل هي نتيجة استشارة همس بها عدد من مفتشي مادة اللغة الفرنسية أو من المنغمسين في قاع الفرنسية، لذلك وجدت الوزيرة نفسها في مواجهة إعصار "عروبي" يندد ويستهجن ويتهم ويحلل ويهاجم، الوزيرة تراجعت وقتها عن الفكرة وسحبت كل ماله علاقة بها من الواجهة، ثم ها هو الجدل يرافق مرة أخرى زيارة الوزيرة الفرنسية لبلادنا، حيث تطرح الكثير من علامات الاستفهام بشأن محتوى التعاون المنشود بين المنظومتين، هل تتخلى باريس عن فرنسيتها و«تتعورب" في سياق تبادل الخبرات بين المنظومتين؟ أم هل تضع باريس خبرتها في تخريب "اللغة العربية"، لركن لغة الضاد وتعميم استعمال الفرنسية في المنظومة التربوية؟ ما هو الأمر الذي تفتقده منظومتنا من التجربة الفرنسية وهي التي ظلت طيلة سنوات الاستقلال تحت رحمة الفرنسية ومنظريها والموالين لها وأتباعها من المتفرنسيين؟ لقد ظلت المدرسة الجزائرية تابعة للتجربة الفرنسية، وظلت التوصيات نابعة من روح المدرسة الفرنسية، فهل فشل تلاميذ باريس في تلقين التجربة لأبناء المدرسة الأصيلة؟ في النهاية ستظل العلاقات الفرنسية الجزائرية في شقها الخاصة بالمنظومة التربوية مثار جدل وشكوك وريبة وحذر، لأن مستعمر الأمس يسعى دوما لتكريس سياسة الأمر الواقع وتجديد وتحصين مواقعه التي اكتسبها عبر وقت طويل من المؤامرات السياسية والاقتصادية التي حاكها ضد بلادنا، نظرا لعدة عوامل منها ما هو معلوم ومنها ما هو مجهول.