دخل البرلمان الجزائريّ بغرفتيه أجواء غير معهدوة خلال عام 2015، فترة كسرت الجمود وبعض الاتهمات التي ارتسمت على برلمان "الحفافات" بعد أن رفعت التشكيلات المعارضة صوتها عاليا لتدافع عن مواقفها وحساباتها السياسية فركبت موجة قانون المرأة المثير للجدل، وبعدها قانون المالية الذي قلب الطاولة على رئيس المجلس الشعبي الوطني، العربي ولد خليفة. وشكل قانون المالية القطرة التي أفاضت كأس الاستقطاب الحاد بين حكومة عبد المالك سلال التي قررت اتخاذ تدابير تقشفية لاحتواء الأزمة الاقتصادية، وبين معارضة تتمسك بالطابع الاجتماعي للدولة، وترفض اللجوء إلى تجويع الشعب لمواجهة آثار الأزمة الاقتصادية. وتحوّل الاختلاف في وجهات النظر بين أحزاب المعارضة والموالاة خلال جلسة المصادقة على القانون المثير للجدل إلى خلاف حادّ وصل إلى حدّ العراك الجسدي والتشابك، معركة عزفت فيها الأصوات المعارضة على نغمة التخويف مما قد ينجر على هدا القانون "المفجر" وقدمت مؤشرات قوية لهذا الطرح بعد أن رسمت في مسارها يوما تاريخيا حسب لها، لتنتهي المعركة داخل قبة زيغود يوسف لصالح أحزاب السلطة في ظل وجود أغلبية مررت مشروع الحكومة في سلام، وحولت انتفاضة المعارضة إلى هجوم معاكس وربطته بحسابات شخصية وسياسية، وأغلقت الغرفة العليا باب الجدل ودفنت كل محاولات عرقلة المشروع بعد التصويت عليه وتمريره. ولاتزال تداعيات تمرير قانون المالية لسنة 2016 من قبل أحزاب الموالاة، حاضرة بقوة على المشهد السياسي، حيث تعالت الأصوات المُطالبة باستقالة أحزاب المعارضة من البرلمان نظرا لعدم قدرتها على منع تمرير قوانين مماثلة. وأدت القضايا الخلافية المطروحة أمام الرأي العام، إلى زيادة التوتّر في الحياة السياسية، واستخدام تلك المسائل في الصراع بين الفريق الموالي والمعارض، مثل: قضية الإضراب في قطاع التربية، مسائل الفساد، غليان الشارع حيال الغاز الصخري، قانون الأسرة وقضايا المرأة، تعديل قانون العقوبات، مضامين تقرير أمنيستي أنترناشيونال بخصوص الجزائر.. وغيرها من القضايا التي تتعاطى فيها الأحزاب السياسية المعارضة، بطريقة هجومية، دون تغيير الواقع الذي تفرضه الهيئة التنفيذية التي تشرّع دون امتلاك سلطة، في غياب واضح للهيئة التشريعية المعطّلة منذ عقدين، وتشرذم النخبة في فضاءات لا تتناسب مع مقتضيات المرحلة الراهنة. محطة أخرى هامة في سجل البرلمان بعد تمرير مشروع القانون المعدل والمتمم لقانون العقوبات، بالأغلبية بينما طعن نواب محسوبون على المعارضة في شرعية جلسة التصويت على مشروع القانون، حيث أثارت بنود هذا المشروع والمواد التي تضمنها حفيظة المعارضة أو الإسلاميين بشكل خاص الذين تصدوا لهذا المشروع وعبروا في حركة احتجاجية داخل الغرفة التشريعية رفضهم لهكذا مشروع متهمين الحكومة ب الانسلاخ تدريجاً من الشريعة الإسلامية، بل طالبوا بسحب المشروع بسبب "تنافيه مع مبادئ وثقافة المجتمع الجزائري، فيما رفض الطيب لوح هذه الاتهامات الباطلة، مؤكداً أن الحكومة لا تشرع أبداً لتفكيك الأسرة. وكرس القانون الجديد المثير للجدل حماية المرأة من الاعتداءات الجسدية داخل الأسرة، وصنف العنف ضد الزوجة والتحرش في الأماكن العامة ضمن الجرائم الجنائية. وبعد الجدل الكبير الذي أثير بشأن قانون العقوبات الجديد صوت نواب الأفلان والأرندي بالأغلبية على نص المشروع بينما امتنع نواب حزب العمال عن التصويت بسبب عدم الأخذ بتعديلاتهم، غير أنهم اعتبروا القانون بمثابة الخطوة الإيجابية التي يراد منها إعادة النظر في بعض النصوص التي تحتاج إلى تعديل. أما الكتلة البرلمانية لجبهة القوى الاشتراكية فقد رحبت بالمشروع. الشيء البارز واللافت إلى هذا المشروع هو تكتل شيوخ "السينا" من أجل تجميد المشروع بعد أن تعودوا على المصادقة على أغلبية المشاريع التي تتم مناقشتها على مستوى الغرفة السفلى، حيث جمد المشروع لمدة تقارب 9 أشهر قبل أن ينهى مجلس الأمة أواخر العام الجدل بشأن مشروع قانون تشديد حجم العقوبات ضد الأزواج المعنفين لزوجاتهم ورفع سقف الترسانة القانونية لحماية المرأة استجابة لأرقام دقت ناقوس الخطر ويصوت عليه ليمرر المشروع في هدوء وسلام. مسودة الدستور مخاض عسير ينتظر الولادة تعديل الدستور، بعد تسلّم رؤساء: المجلس الدستوريّ، مجلس الأمة، والمجلس الشعبيّ الوطنيّ للوثيقة النهائيّة للدستور الجديد، وبداية التحضير لجمع أعضاء غرفتي البرلمان للمصادقة على نصّه "دون مناقشة"، كما حدث خلال التعديلين الدستوريين السابقين سنة 2002 و2008، ظل مشروع الدستور أشبه بالخرافة التي تروى لجموع القوى السياسية بل باتت كابوسا أرق أحزاب وطوائف المعارضة، وأحزاب الموالاة التي هي بالأساس في معركة ضمان البقاء. فمنذ فوز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعهدة رابعة كانت سنة بيضاء بالنسبة للرئاسة التي لم تتوصل لحد الساعة إلى الإفراج عن مشروع الدستور المعدل، لكن المشروع ظل مصدر نفس جديد لأطياف سياسية بعد توحدها تحت لواء واحد يرفع شعار التحول الديمقراطي السلمي. فبعد مرور سنة على فوز الرئيس المعاد انتخابه في خضم وعود عديدة كان من أبرزها دستور توافقي تشاركي نابع من إرادة الأغلبية ومشاركة جميع الفواعل السياسية والقوى الاجتماعية الفاعلة في المشهد السياسي الجزائري ظل السؤال المطرح: متى سيتم الإعلان عن الدستور؟ لكن رد الرئيس وحتى رؤساء الأحزاب في كل مرة كان يؤكد قربه، إلا أنه على الأرجح سيرى النور في 2016. هذا وعرفت الوثيقة الدستورية الجديدة جدلا واسعا وسجالا قويا وكانت تصريحات كل من الرجل الثاني والثالث في الدولة بشأن مسدوة الدستور مادة دسمة لأحزاب المعارضة بعد أن اختلف الرجلان بشأنها، فبينما أعطى عبد القادر بن صالح مؤشرات قوية عن عرض المسودة على البرلمان، بتأكيده على أنه سيكون للبرلمان شرف التصويت عليه، خرج الرجل الثالث لينفي ويستبعد ذلك، ودخلت المسودة بعدها غرفة الإنعاش لشهور في ظلّ رفض واضح للمعارضة السياسية لهذه الوثيقة، واتهامها السلطة، ب«التثاقل" في تقديمه للطبقة السياسية والبرلمان، قبل تحقيق توافق بين أجنحة النظام حول القضايا الهامة ذات العلاقة بمسائل: نوع النظام السياسي المقترح، تعيين نائب رئيس الجمهورية، صلاحيات رئيس الجمهورية ونوابه، صلاحيات رئيس الحكومة، صلاحيات المؤسسات الدستوريّة خصوصا السلطتين التشريعية والقضائية، وغيرها من المسائل الخلافية الأخرى. غير أن عمار سعداني الأمين العام لحزب جبهة التحرير خرج ليعطي نفسا جديدا ويخرج المشروع من غرفة العمليات عبر تصريحات متتالية قال إنها ليست تكهنا أو تنجيما بل بلغة الواثق والعارف بخبايا دواليب السلطة تحدث مرارا عن تعديل قريب، وهو الرد الذي استنفر المسؤول الأول في الحكومة ففنده، لكن سعداني ظل متمسكا بموقفه في كل خرجة دون تحديد تاريخ الإفراج عن الدستور.