حظي مشروع تعديل الدستور بموافقة غالبية أعضاء البرلمان بغرفتيه المجتمعين أمس بقصر الأمم نادي الصنوبر في جلسة ترأسها السيد عبد القادر بن صالح بصفته رئيسا للبرلمان بحضور رئيس المجلس الشعبي الوطني السيد عبد العزيز زياري ورئيس الحكومة السيد أحمد أويحيى وأعضاء الحكومة و529 نائبا. وجرت أشغال جلسة التصويت كما كان منتظرا في أجواء ميزها الانخراط شبه التام لنواب الغرفتين في مبادرة التعديل وجاء التصويت لصالح تمرير المشروع وذلك بأغلبية ساحقة من الأصوات حيث صادق على المشروع 500 نائبا وعارضه 21 آخرون ينتمون إلى حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وامتنع عن التصويت ثمانية نواب يمثلون حركتي النهضة والإصلاح. وقد بلغ مجموع أعضاء البرلمان الذين حضروا الجلسة 529 نائبا، وكان التعديل بحاجة إلى ثلاثة أرباع الأصوات أي 399 صوتا ليكون معتمدا، غير أن المشروع حظي بموافقة أكثر من هذا النصاب القانوني، واعتبر رئيس الجلسة السيد عبد القادر بن صالح تصويت الأغلبية الساحقة على النص، تزكية للمسعى الرامي إلى تحصين رموز الثورة الوطنية، وترقية لدور المرأة في المجالس المنتخبة، وتعزيز الممارسة الديمقراطية عبر فتح العهد الرئاسية، وإنهاء حالة الازدواج في السلطات. وعرفت الجلسة مقاطعة نواب حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية لأشغال اختتام الجلسة، لكن نواب الأغلبية والذين صوتوا لصالح التعديل قابلوا هذا الموقف بالوقوف والتصفيق ترحيبا بتمرير مشروع تعديل الدستور. وكان البرلمان قد انعقد بغرفتيه مجتمعتين تنفيذا للمرسوم الرئاسى المتضمن استدعاءه للاجتماع على إثر الرأي المعلل الذي أصدره المجلس الدستوري يوم 7 نوفمبر 2008 حول القانون المتضمن تعديل الدستور طبقا للإجراء المنصوص عليه في المادة 176 من الدستور والذي أكد فيه "استيفاء مشروع القانون المتضمن التعديل الدستوري لجميع الشروط الإجرائية المحددة في الدستور". وأكد السيد عبد القادر بن صالح في كلمة ألقاها مباشرة بعد مصادقة البرلمان على مشروع التعديل أن هذه الموافقة تعد "نصرا كبيرا وباهرا لصالح الشعب الجزائري". وأضاف أنه للمرة الثانية يحتضن قصر الأمم مبادرة لتعديل الدستور بغرض تعزيز أسس الديمقراطية في البلاد. ووجه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة بالمناسبة رسالة شكر إلى أعضاء البرلمان بغرفتيه، وحياهم على الموقف الذي اتخذوه حيال مشروع التعديل. وشهدت الجلسة أيضا سلسلة من الإجراءات القانونية لكونها جلسة استثنائية، فبعد إشراف السيد بن صالح على افتتاحها تم عرض القانون الداخلي للتصويت، قبل أن يقدم رئيس الحكومة السيد أحمد أويحيي عرضا مفصلا حول المشروع، مؤكدا أن مشروع القانون يرمي إلى تعزيز المبادئ والأهداف التي ينص عليها الدستور على ضوء التجارب التي عاشتها البلاد. وأوضح بأن الشعب بعد مصادقته على دستور 1996 أقر جميع العناصر التي ارتأى وضعها في مأمن من أي تعديل دستوري مشيرا في هذا المجال إلى أن هذه العناصر مدونة بوضوح في المادة 178. وقال أن الشعب من خلال الدستور حدد بكل سيادة مختلف السبل والإجراءات الشرعية لتعديل القانون المرجعي للبلاد، مؤكدا في نفس الوقت بأن القانون المتضمن تعديل الدستور المعروض أمام البرلمان قد انتهج الطريق المحدد في المادة 176 بعد إدلاء المجلس الدستوري برأيه المسبق والمعلل باعتباره هيئة جمهورية مكلفة دستوريا بالسهر على احترام الدستور. وذكر السيد أويحيى أن ما نبتغيه من التعديل الدستوري هو "إضفاء المزيد من الانسجام على نظامنا السياسي بإرساء قواعد واضحة المعالم وضبط المسؤوليات أكثر فأكثر ووضع حد للتداخل في الصلاحيات وإنهاء الخلط في المفاهيم مما يعزز مؤهلات الدولة فيجعلها قوية ومتجانسة قادرة على مواجهة تحديات التنمية ومخاطر العولمة وبلوغ ما ننشده من رقي". وعاد رئيس الحكومة إلى شرح المحاور الخمسة التي تضمنها المشروع وأكد أن النص المتضمن تعديل الدستور يقترح في مواده تحصين رموز ثورة أول نوفمبر وحماية العلم الوطني الذي ارتوى مرات ومرات بالدماء الزكية لشهداء الثورة وكذا الحال بالنسبة للنشيد الوطني قسما بكل مقاطعه مشيرا إلى أن المادة 12 من القانون المتضمن تعديل الدستور تقترح أن يصبح العلم والنشيد الوطنيين من المواضيع التي لا يمكن أن يمسها أي تعديل دستوري. وعند تطرقه للجانب المتعلق بالحقوق السياسية للمرأة قال إن هذه المادة تهدف إلى تعزيز حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة مبرزا في هذا المجال الدور الذي قامت به الدولة من أجل تكريس مبدأ المساواة في الحقوق بين المواطنين والمواطنات. واستعرض السيد أويحيى الدور الفعال الذي لعبته المرأة الجزائرية ومساهمتها في معركة البناء والتشييد على مختلف الأصعدة ودفاعها عن الوطن في وجه الإرهاب معلنا بأن القانون العضوي الذي سيلي هذا التعديل سيمكن من تحسين النظام الانتخابي بالطريقة الملائمة وذلك بإدراج أحكام كفيلة بترقية مكانة المرأة في المجالس المنتخبة. وأوضح أن مشروع القانون يهدف أيضا إلى تعزيز حق الشعب السيد في اختيار من يوليه مصيره مؤكدا في هذا السياق أن التعديل الخاص بهذا الجانب سيؤدي إلى تعزيز المبدأ الديمقراطي المكرس في الدستور الذي ينص على أن الشعب حر في اختيار ممثليه. وأبرز رئيس الحكومة في هذا المجال أن التداول على السلطة يتقرر عبر الإرادة الشعبية مشيرا إلى أن متطلبات الديمقراطية الحقيقية تكمن في فضائل الشفافية والحرية التي ينبغي أن تطبع المسار الانتخابي مذكرا بأن الجزائر التي تضمد جراحها من حقها أن تعزز استقرارها وتستفيد من استمرارية مسار تقويمها وإعادة بنائها الوطنيين إذا ما قرر الشعب ذلك بكل سيادة وحرية وديمقراطية. ورحبت جميع التشكيلات السياسية بتمرير مشروع القانون واعتبرت الأمينة العامة لحزب العمال تصويت الأعضاء بالأغلبية على المشروع إجراء طبيعيا يعكس الإجماع حول المضي بالممارسة الديمقراطية في البلاد نحو الأمام.