تستعد هذه الأيام العائلات القبائلية بتيزى وزو لاستقبال رأس السنة الأمازيغية الجديدة التي تصادف 12 جانفي من كل سنة "يناير"، حيث يحتفل باليوم الذي انتصر فيه الزعيم الأمازيغي سشناق على رمسيس الثالث (فرعون مصر). ويتم التحضير لهذه المناسبة الكبيرة بمختلف عاداتها وتقاليدها الخاصة حيث تشهد هذه الأيام الشوارع والأحياء والأسواق التابعة لولاية تيزي وزو حركة غير عادية حيث يحرص السكان على ذبح ديك عن الرجال ودجاجة عن النساء ويعتبرونه فألا يقيهم من الحسد والعين، فالنساء يقمن بتحضير الكسكسي بالدجاج وطهي الأكلات التقليدية مثل تغريفين" أي "البغرير" و"الخفاف" أي "السفنج"، تبقى العائلات القبائلية متمسكة بتقاليد أجدادها الأولين بخصوص أحياء مناسبة يناير الذي يمثل شقه الأول ينا الفاتح والثاني ير ويعني الشهر حيث تكون بداية الاحتفال بنحر دجاج من إزالة وإراقة الدماء الذي يعد بمثابة أسفل بالتسمية المحلية وطرد الشر والعين عن العائلة طوال السنة على أن يتفضل بنحره الرجل الحكيم داخل العائلة وعادة ما يكون أكبرهم سنا على أن تقوم النسوة بتحضير عشاء يناير المتنوع بسبعة أنواع من البقول الجافة على غرار الحمص والفاصولياء للإكثار من الخيرات والتفاؤل بموسم حصاد جيد. كما تقوم العائلات القبائلية في أغلب مناطق تيزي وزو بقص شعر الطفل الصغير الذي بلغ السنة خلال حلول هذه المناسبة وإدخاله داخل قصعة كبيرة يطلق عليها محليا الجفنة ورميه بكميات من المكسرات والحلوى من طرف عجوز الدار على أن تحيطه بالبركة وحسن العاقبة، يضاف إليه البيض الذي يرمز إلى التلاحم ونسل يافع ونافع. كما تكثر العائلات، لا سيما بالجهة الشرقية للولاية من الدعاء عقب صلاة العشاء وقبل حلول منتصف النهار للمطالبة بعودة من كان لها مغتربا سالما ومعافى من ديار الغربة والمهجر، أضف إلى ذلك جعل المناسبة لإعلان الكثير في إكمال نصف دينهم وتطليقهم العزوبية، حيث يتم إلباس هؤلاء "برنوسا" أبيض للجنسين، فبالنسبة للرجل يتكفل والده بالعملية التي تعتبر رمزا لمده بالمشعل وجعله خلفا له، أما البنت فتسند العلمية إلى والدتها التي تدعو لها بأن تكون مصانة تحت سلطة زوجها ومطيعة لعائلتها الجديدة. كما تقوم العائلات الأخرى بالتوجه في الصباح الباكر إلى أضرحة الأولياء الصالحين وهي عادة دأب الأهالي عليها ليتناولها الزوار أنه بحكم أصول الأهالي الذين ينتمون إلى القبائل الأمازيغية، فإن "الوعدة" التي تقام من أجل التصدق على روح الأولياء الصالحين بالمنطقة تسمى بلهجتهم" أستشي" بمعنى الوعدة السنوية التي تجمع أحفاد الوالي وزواره، ويتم من خلالها توزيع الكسكسى باللحم، حيث يختاره أصحاب الدواوير المكان المناسب لذبح الكباش، وتتفق النسوة على كيفية تحضير الكسكسي ووضعه في قصع كبيرة لتصديقه على الفقراء والمساكين، كما تتزين النسوة بالملابس التقليدية الخاصة بالاحتفالات ويقمن بتزيين الأطفال الصغار بملابس خاصة وجديدة. وأما العائلات الأخرى فتحتفل بهذه المناسبة والتي مازالت تحييها كل العائلات سواء في المدن أو القرى على غرار منطقة "ثغزراث" و"بني عسي"، "معاتقة"، "تيرمتين"، "بني دوالة" و"بوزقان" و"آث زمنزار" وغيرها من المناطق الأخرى في ولاية تيزي وزو هي طبق الكسكسي المشهور مع سبعة أنواع من البقول، حيث تنص عادات بعض قرى منطقة القبائل على ذبح ديك عن كل رجل ودجاجة عن كل امرأة، وديك ودجاجة معا عن كل امرأة حامل من العائلة، في حين نجد أن بعض القرى لا تشترط نوع الأضحية، والمهم هو حماية العائلة من الأمراض، الحسد والعين، كما أنها تفتح باب الرزق والسعادة، إضافة إلى أنها تقي أفرادها من المخاطر طيلة أيام السنة. وتقوم المرأة القبائلية خلال هذه المناسبة بحلق شعر الطفل الذي يبلغ من العمر سنة وإعداد أطباق متنوعة مثل المسمن والبركوكس. وبعد ذلك يأتي الدور على النسوة لتحضير طبق "سكسو" "سوكسوم" الذي يكون سيد المائدة، أي طبق الكسكس بالدجاج المشهور مع سبعة أنواع من البقول الجافة، وهي الفاصولياء، العدس، الحمص، الشعير، الفول، القمح، الأرز، حيث تخرج النساء إلى الحقول لجمع كل ما يمكن جمعه مع إضافة كل ما تم ادخاره لهذا اليوم، ليتم تحضير الطبق التقليدي وأطباق أخرى لتنويع المائدة "مائدة يناير". وتشير المعتقدات إلى أنه يجب أن تكون المائدة متنوعة، مع إعداد المعجنات ومختلف المأكولات التقليدية مثل المسمن، تغرفين "اي البغرير، الخفاف، "ثمثونت" أو المطلوع وغيرها من المأكولات الشعبية التي تشترك فيها العائلة القبائلية، وتكون الغاية الأسمى من الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة لدى سكان منطقة القبائل، لم الشمل وكذا صلة الرحم، حيث يجتمع كل أفراد العائلة حول مائدة العشاء، كما تقوم العائلات أيضا بتبادل الزيارات فيما بينها وتبادل الأطباق المختلفة والمحضرة وهذا لتعميم البهجة والفرحة وترسيخ مبادئ الأخوة والتراحم بين الجميع. كما تحرص ربات البيوت على ألا ينقص شيء في هذا اليوم العظيم.