بدلا من أن نسكب في الجرة فوق حجمها الطبيعي، فإن العقل يقتضي منا أن لا ننتعل الغباء بملء الإناء بما لا يحتمل، وواقعة الراية السوداء التي رفعها دكتور الأعصاب الباردة فوق مقر حزبه، كان يمكن أن تُقرأ من زواية أن سعيد سعدي لم يفعل شيئا سوى أنه نضح بما فيه من سواد وانتكاسات وفشل منيت به غزواته باتجاه مطارات وموانئ العالم. ولأن الدكتور حزين ومشتت ويمر بموجة برود سياسي، فإن القانون والدستور لم يمنعا مواطنا يوما من لبس السواد وحتى رفعه في حالات تشييعه لنفسه ولذويه.. كان يمكن لبلهاء السياسة الذين أثارهم القماش الأسود واعتبروه إنزالا وغزوة غير متوقعة من مشلول سياسي، أن يسألوا عن الخطب الجلل الذي أصاب أعصاب الدكتور وبعد أن يعرفوا مكمن الداء الذي اعترى عقل المصاب يحزموا ويحشدوا أمرهم بين قرار الثورة المضادة على من أهان الوطن أو بين تقديم واجب العزاء لمن فقد في تجواله بين مطارات الدنيا عقله ورسمه وكيانه، فاهتدى إلى أن أحسن طريقة للاستقالة من الوجود السياسي هي رفع ''قماش'' أسود كإشعار للخلق بأنه دخل زمرة ''السابقين'' وللمشيعين الحق التام في طلب الرحمة من عدمها للفقيد المفقود.. معتوه في بلدة آمنة ومطمئنة ببئرها الوحيد الذي تحارب عبره عطشها وجفافها، ركب كل الأحصنة لكي يكون محور القرية وحديثها، تزوج وتزاوج، سرق واغتصب، تعرى وتبرج ثم تحجب وتلحى، ركب تحت الحمار وفوقه، لكن حاله ظل حاله ولم تثر زوابعه أحدا ليظل المجهول النكرة، وفي غمرة انتكاساته المتوالية، اهتدى إلى فكرة جعلت منه حديث القرية وسكانها فهل تعلمون ماذا فعل ؟.. لقد بال في بئر القرية الوحيد ولأن الجميع يشربون من نفس البئر، فإن الخبر انتشر وصاحبنا ولا نقصد سعيد سعدي طبعا، أصبح المشهور رقم واحد ومكرمته ومعجزته الكبيرة أن سيادته بال في بئر القرية الوحيد ودنّس الماء والكلأ والصفاء.. فهل يمكن أن نسمي من سطع نجمه بسبب بوله زعي