عبارة "المبادئ الإسلامية" في بيان أول نوفمبر فُهمت بشكل خاطئ! بن بولعيد قال لرفاقه: لا نستطيع تفجير ثورة نوفمبر دون القبائل هكذا حال بن بولعيد دون وأد "ثورة الجزائريين" قبل ميلادها لهذا يُقال لكم .. مصطفى بن بولعيد هو "أب ثورة نوفمبر" حاوره: أنس جمعة في الحلقة الأولى من شهادته التاريخية عبر برنامج ‘'صنعوا الحدث" على قناة البلاد، الذي يعده ويقدمه الإعلامي أنس جمعة، سرد المناضل الوزير صالح ڤوجيل تفاصيل تجربته في الحركة الوطنية وبدايات ثورة التحرير الوطني. وبدأ ضيف "صنعوا الحدث" حديثه من النشأة والظروف التي طبعت فترة مولده ونشأته الأولى .. ويقول أنه "ولد سنة 1932 بعين ياقوت (باتنة)، وسط عرش ولاد سي علي "الغاضب و الثائر" بعدما عوقب إثر انتفاضة مستاوة سنة 1870، فحجزت منه أراضيه الخصبة ناحية المعذر وفسديس لتوزع على خمسة من المستوطنين الجدد، ما جعل علئلته مضطرة إلى النزوح شمالا والإقامة بعين ياقوت"، ويتابع قائلا "والدي كان مؤذنا وإماما بمسجد القرية، فحرص على تعليمنا باللغتين العربية والفرنسية.. وتمكنت من الحصول على الشهادة الإبتدائية بمسقط رأسي، ومواصلة المرحلة الإكمالية بباتنة". وفي غضون 1944، يقول صالح قوجيل: "بدأت احتك بالنضال السياسي، فقد كان خالي مسؤولا بحركة "أحباب البيان والحرية" بالقرية، فكان يستعين بي في تسجيل المنخرطين والإشتراكات.."، مشيرا إلى أنّه "في وقتنا لما تصل إلى عمر 14 سنة أو 15 سنة يُنظر إليك على أساس أنك "رجل وليس طفلا" ويجب أن تتحمل مسؤوليتك كاملة." كما أشار إلى أنه خلال هذه المرحلة، وقعت النكبة وتم احتلال فلسطين، وكرد فعل منهم وهم تلاميذ وأطفال قاموا بشن إضراب عن الدراسة احتجاجا على احتلال الأراضي الفلسطينية من طرف الصهاينة وتعبرا منهم عن حبهم ودعمهم لفلسطين والفلسطينين. كما أشار في هذا السياق إلى أنّ العديد من المناضلين الجزائريين تنقلوا في تلك الفترة إلى فلسطين من أجل مساعدتها ضد الاحتلال الجديد، رغم أن بلادهم أيضا محتلة وتحت نيران الاستعمار الفرنسي. كما أشار صالح قوجيل إلى المكانة التي كان يحظى بها مصالي الحاج خلال تلك الفترة، حيث كان يُنظر إليه كزعيم كبير و«شيء مقدس" وكان يملك "هيبة وحضورا قويين" لدى أغلبية الجزائريين. وأضاف في هذا الشأن قائلا: "حتى عندما نبدأ اجتماعاتنا آنذاك كنّا نقوم بوضع صورته داخل القاعة التي نجتمع فيها استحضارا له وكأنه يشاركنا الاجتماع .. وفي كثير من الأوقات نفتتح جلساتنا بالقول "باسم الحاج محمد مصالي نفتتح هذه الجلسة أو هذا الاجتماع"، معتبرا أن مصالي الحاج كان رمزا كبيرا للوطنية و الكفاح والنضال. ويضيف صالح قوجيل قائلا: "ولكن لما وصل يوم الحزم وهو وقت اندلاع الثورة .. مصالي الحاج كان غائبا .. ونحن قلنا آنذاك أن الجزائر ونضالنا ليسوا مرتبطين بشخص مصالي الحاج .. يجب أن نستمر ونذهب في خياراتنا من دونه". وهنا تطرق ضيف "صنعوا الحدث" للظروف الوطنية والإقليمية التي عجّلت بقيام الثورة، مؤكدا أن النضال السياسي أصيب بالعقم في تحقيق أي نتيجة إيجابية فعّالة لصالح الشعب الجزائري رغم سنوات من النضال مع المستعمر، وهو حافز عجّل من أمر قيام ثورة نوفمبر. كما أن استقلال ليبيا واندلاع الثورة في كل من تونس والمغرب، فرض وجعل مجموعة الستة تستعجل إعلان الثورة على المستعمر، مشيرا إلى دور المنظمة الخاصة أو الجناح شبه العسكري التابع لحركة "انتصار الحريات الديمقراطية" في اندلاع الثورة .. وقال إن "إنشاء التنظيم شبه العسكري، المعروف بالمنظمة الخاصة، جاء من أجل توفير الشروط اللازمة لاندلاع حرب التحرير الوطنية، وأشرف على التنظيم الخاص على التوالي كل من محمد بلوزداد وحسين آيت أحمد ثم أحمد بن بلة، وجمع أكثر المناضلين تجربة في صفوف الحزب وأقدرهم من الناحية النفسية والبدنية على حمل السلاح، وفي فترة قصيرة، عرف هذا التنظيم تطورا عظيما، لكنه ما لبث أن انكشف أمره إثر حدث مؤسف نجم عن إجراءات عقابية اتخذتها قيادة الحزب ضد عضو في التنظيم ينحدر من مدينة تبسة، والذي سمح للسلطات الاستعمارية باكتشاف وجود التنظيم ثم القضاء على قياداته بعد إلقاء القبض على أهم عناصره". ويضيف صالح قوجيل قائلا أن "في سنة 1950 وبعد اكتشاف أمر هذا التنظيم العسكري .. انعقد اجتماع اللجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، والتي كان مصطفى بن بولعيد أحد أعضائها وتم في هذا الاجتماع اتخاذ قرار بتجميد عمل التنظيم العسكري خوفا من إمكانية قيام السلطات الفرنسية بحل حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية باعتبار أن التنظيم العسكري الذي اكتشف أمره مرتبط بهذا الحزب. وأضاف صالح قوجيل قائلا: "ولكن سي مصطفى بن بولعيد رفض تجميد هذا التنظيم .. وهذا سبب آخر لاندلاع ثورة التحرير الوطني لأنه لو قبل مصطفى بن بولعيد بتجميد التنظيم ما كان لتندلع الثورة في نوفمبر 1954، كانت لتكون في فترة لاحقة لا ندري متى؟ .. وقال لهم مصطفى بن بولعيد: نحن لدينا تنظيم ولدينا أسلحة ولدينا رجال .. لن نجمّد ولن نلغي أي شيء". وأضاف قوجيل أن "هذا من جملة الأسباب التي جعلت رفقاءه يطلقون عليه لقب "أب ثورة نوفمبر" ونحن ليس لدينا زعيم للثورة لأن الثورة لا تملك زعيما .. فبعد مصالي الحاج لم يعد للجزائريين أي زعيم وحتى لما اندلعت الثورة اندلعت تحت قيادة جماعية. ويتابع صالح قوجيل قائلا: "في جويلية من سنة 1954، أي قبل خمسة أشهر من اندلاع الثورة، قام مصطفى بن بولعيد، بزيارة إلى بلجيكا إثر انعقاد مؤتمر الحزب بهورنو، بغرض إقناع مصالي الحاج بتغيير موقفه من مسألة اندلاع الثورة، إلا أن محاولة إقناعه باءت بالفشل، لأن مصالي الحاج كان رافضا للمبادرة إطلاقا في هذا الجانب?"، مضيفا "بعد فشل هذه المحاولة عاد إلى الجزائر وقال لرفاقه أنه لا يمكننا أن نفجر الثورة دون القبائل لأن كريم بلقاسم وأعمران في صف مصالي الحاج .. وفعلا قام بعد ذلك بالاتصال بهم وإقناعهم بضرورة العمل المسلح". كما أعطى صالح قوجيل قراءة أخرى لوثيقة أول نوفمبر التي حررها القادة الستة خلال اجتماع العاصمة في 23 و26 أكتوبر من سنة 1954 في أربعة أيام، واعتبر أن هذه الوثيقة لم تكن تصريحا أو بيانا للثورة فقط، بل كانت عبارة عن نداء للشعب الجزائري. وأضاف أنه "وإلى غاية الآن من الناحية التاريخية، لم نعط التفسير الكافي لهذه الوثيقة، وهنا، كان يجب على المؤرخين والكتّاب والمختصين في تاريخ الثورة أن يعمّقوا بحوثهم في هذا البيان، لأنه لايزال صالحا إلى غاية اليوم، لان هؤلاء الإخوان الستة، رغم محدودية مستواهم العلمي، ولم تكن لديهم شهادات عليا من الناحية العلمية، إلا أن الخاصية الكبيرة التي كانوا يتميزون بها هي أنهم متشبّعون بروح وأدبيات الحركة الوطنية، التي تعتبر مدرسة كبيرة جعلت القادة يتكونون ويمتازون بثقافة سياسية عالية جدا، والدليل على ذلك، أنهم ورغم الخلافات التي وقعت بينهم بمايسمى ب«أزمة الحركة الوطنية بين المصاليين والمركزيين، إلا أنهم استطاعوا في وسط هذا الركام من المعضلات تحرير بيان أول نوفمبر في سرية تامة، وإشعال فتيل الثورة المباركة"، مشيرا إلى أن بيان نوفمبر تضمن مبدأين لم يتم تحريرهما في الوثيقة، لكن بقيا من المبادئ الأساسية الثورة، ويتمثل المبدأ الأول أنه لن يسيل أي دم في الثورة، إلا الدم الجزائري، حتى نحافظ على الطابع الجزائري للثورة، حتى وإن كان هناك العديد من المتطوعين من طرف العديد من الأشقاء العرب، الذين كانوا يرغبون في المشاركة في الثورة، إلا أن القيادة اتخذت إقرار هذا المبدأ كالتزام منها، حيث لم تتخل عنه أبدا. أما المبدأ الثاني غير المكتوب، فهو أن قيادة الثورة بعد اعتمادها لجبهة التحرير الوطني كحزب جديد ناطق باسم الثورة، فتحت المجال أمام الأحزاب والجمعيات والفعاليات للإنضمام إلى الثورة ولكن بشكل فردي. وأضاف قائلا "هنالك ما هو مكتوب في بيان أول نوفمبر وهنالك ما هو غير مكتوب" مؤكدا أن "ما هو غير مكتوب في البيان هو الذي عنده أهمية أكبر مما هو مكتوب". وأعطى صالح قوجيل أمثلة عن ذلك قائلا "مثلا مبدأ بناء دولة ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية .. ماذا تعني كلمة "المبادئ الإسلامية" .. في تلك الفترة سنة 1954 ديننا لم يكن مسيسا مثلما هو مسيس الآن عندما نفسر هذه الفقرة حسب الوضع السائد آنذاك نفهم أن المقصود من هذه الفقرة هو أنه عند التفاوض مع فرنسا لا يقبلون أن تقول لهم فرنسا أقيموا دولة لائكية .. فالمقصود هو عدم إقامة دولة لائكية باعتبار أن هوية الشعب الجزائري إسلامية .. والإسلام دين الدولة منذ قرون".